بعــض المؤسســات الخاصــة لا تثــق في الكفـــاءات وتستعـــين بالأجانـــب
تتحدث الدكتورة وهيبة بن دايخة باحثة بمركز تطوير الطاقات المتجددة عن واقع البحث العلمي بالكثير من الموضوعية، معترفة بتسجيل إقبال ضعيف ومحتشم من طرف المؤسسات الاقتصادية سواء العمومية منها أو الخاصة التي تطرق أبواب مراكز البحث وتستعين بالأساتذة الجامعيين الباحثين بهدف إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها الآلة الإنتاجية، غير أنها تقف على ما تصفه ببروز مؤشرات الاهتمام بالبحوث العلمية، وإرادة الدولة القائمة حتى يتعزز دور الجامعة ومراكز البحث في الإسهام في مواجهة التحديات التنموية.
«الشعب”: قبل الخوض في تشخيص واقع التعاون بين المؤسسة الاقتصادية والجامعة، وبالتحديد مخابر البحث العلمي.. هل اختراعك وجد اهتماما في عالم الاقتصاد والاستثمار؟
الدكتورة وهيبة بن دايخة: أذكر أنه لديّ أفضل ابتكار في مجال تطوير الطاقات المتجددة، ويتمثل في جامع هجين للطاقة الشمسية موجّه لتصنيع الهيدروجين والأوكسجين والماء الساخن، تحصلت من خلاله على الجائزة الأولى الوطنية عام 2012 في صالون الابتكار، ونلت كذلك الجائزة الأولى لأفضل ابتكار في الطاقات المتجدّدة بإسبانيا في محفل دولي كبير حضره الباحثون من جميع القارات، ولا يمكنني الكشف عن تفاصيل ما توصّلت إليه من اتفاق في الوقت الراهن، لأنني أنتظر حتى يتأكد كل شيء بشكل محسوس، علما أنني أسهر على تطوير مكيفات هواء تعمل بواسطة الطاقة الشمسية.
الدولة تموّل بحوثا لا تُستغل في تطوير الاقتصاد
ما هي العلاقة بين الجامعة والمؤسسة الإنتاجية على ضوء ما تجسد على أرض الواقع؟
في الحقيقة على أرض الواقع نسجّل إقبالا ضعيفا ومحتشما من المؤسسات سواء العمومية أو الخاصة التي تطرق أبواب مراكز البحث، وتستعين بالأساتذة الجامعيين الباحثين بهدف إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها الآلة الإنتاجية، وللأسف نجد بعض المؤسسات الاقتصادية تبحث عن الخبرة بطرق مكلّفة، كأن تستعين بمكاتب دراسات أجنبية، ولا تلتفت إلى مراكز البحث العلمي الوطنية، لكن هذا لا يجعلنا ننكر وجود مؤسسات عمومية وطنية تنجذب نحو الكفاءات الذين تخرجهم الجامعة من باحثين ومخترعين وتتجه نحو استغلال طاقاتهم لتطوير منتجاتها، وبالمقابل أحيانا نسجّل وجود مؤسسات لا تُشغّل الكفاءات في مجال نبوغها، حيث يعين الباحث في المكان غير المناسب فتهدر طاقاته. وما تجدر إليه الإشارة فإنه بخصوص مخابر البحث في الجزائر عكس تلك في الخارج، لأن الدولة عندنا تموّل مراكز البحث عكس نظيرتها في بلدان أجنبية التي تمولها المؤسسة العمومية والخاصة، وفوق كل ذلك البحوث لا تستغل بالشكل المطلوب، إذا الدولة تنفق من خلال التمويل ولا تجني أي نتائج على صعيد تطوير الاقتصاد، وأغتنم الفرصة لأقترح في حالة تمويل مراكز بحث يجب أن يتم تحديد ما يجب أن تنجزه الكفاءات داخل المخابر، حتى تصبح الدولة تستثمر في بحوث تستغل لبناء وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني، وحان الوقت من أجل التطلع لإرساء إستراتجية تتضمن أهداف تسطر، حتى نستغل البحوث على أكمل وجه، فلا يعقل أن نبحث فقط من أجل البحث، أي لا نفكر في استغلال ما طرحه الخبراء من ابتكار وإنما نستغل البحوث لتطوير تنافسية المنتوج الوطني وتقوية الاقتصاد. وأذكر أن بعض المؤسسات الخاصة للأسف لا تثق في الكفاءات الجزائرية وأحيانا تستعين بمكاتب دراسات أجنبية غير مكلفة ماليا، لكن للأسف يكون أقل كفاءة من الباحث الجزائري، كون مكتب الدراسات الأجنبي ذو المستوى العالي تكلفته باهظة جدا. وبالموازاة مع ذلك مازلنا نفتقد إلى مبادرة تكوين الباحثين في الخارج، ثم الاستفادة منهم من خلال إبرام عقود بين الطرفين.
في ظلّ النقائص المسجلة والتطلع القائم لإقحام الباحث في قلب المعركة التنموية..ما هي رهانات الباحث الجزائري في الوقت الراهن؟
في السابق كان الباحث الجزائري يشتغل على مشاريع بحث علمية، لكنها لم تكن تدرج ضمن أجندة المؤسسة الاقتصادية ولا تستغل لتطوير الاقتصاد الوطني، وبخلاف ذلك اليوم تغير الأمر وصار الباحث يتلقى مراسلات يحاول فيها معرفة طبيعة البحوث التي يعمل عليها، ومدة إنجاز البحث و الآثار التي يمكن أن يسجلها على الجانب “السوسيوإقتصادي” أي على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء. ونسجّل كباحثين وجود إرادة قوية من طرف الدولة لإقحام البحث في جوهر الآلة الإنتاجية، وبدأنا نلمس بوادر الثقة لإشراك الجامعيين في مشاريع وطنية.
مزايا وسلبيات تجسيد الاختراع خارج الوطن
هل نفهم من ذلك أنك تلقيت طلبات من هذا القبيل؟
تم استدعائي، حيث اتصلت بي مؤسسة جزائرية خاصة، كانت تبحث عن كفاءات جزائرية لمساعدتها في إنجاز أشغال بمطار “السينيا بوهران”، كونها بحثت عن سبل إدراج الطاقة المتجددة في تكييف المطار، حتى يكون المشروع بنوعية رفيعة يحترم معايير البيئة، وحتى لا يستهلك المطار، أكثر من 50 كيلواط من الطاقة في الساعة يوميا.
كيف يمكن أن تنجح المؤسسة الاقتصادية في الحد من نزوح الأدمغة نحو الخارج؟
الباحث عندما يصل إلى مستوى معين يكون لديه خيارين، إما تطوير رصيده المعرفي وترقية قدراته الإبتكارية، أو يتوقف عند مستوى محدد في حالة عدم تسطيره أهدافا علمية واضحة المعالم، والباحث عندما لا يجد الاهتمام في محيط عمله، تجده يبحث عن الامتيازات التي تتناسب مع قدراته حتى يضمن وضعا اجتماعيا ومهنيا مقبولا، وحتى أكون أكثر وضوحا ـ أقول ـ إن الباحث حتى يصمد ويفضل البقاء يجب أن يجد نفسه يتطور علميا ومهنيا واجتماعيا.
هل لديك مقترحات لتعزيز جهود تشجيع الكفاءات للبقاء في أرض الوطن للإسهام في التنمية الاقتصادية؟
لا أخف عليك أصبحنا حاليا نشعر ببعض الاهتمام كباحثين بخلاف الوضع السابق، حيث صارت الدولة توفر محيط يمكن للمبتكرين والباحثين أن ينشطوا فيه براحة، ومع ذلك أقترح ضرورة تحديد أهداف فعلية للبحث وتوفير الوسائل حتى تدخل البحوث المنجزة ورشة المؤسسة الصناعية، ويشعر الباحث أنّ لديه هدف معين يسهر ويجتهد لبلوغه.
كباحثة تلقت عروض من دول أجنبية انبهرت باختراعك ورفضت المغامرة مفضلة تجسيد ابتكارك على أرض الوطن، ما هي مزايا وسلبيات تجسيد نتائج البحوث في الخارج؟
نزوح الباحث نحو الخارج يتضمن إيجابيات وسلبيات، على اعتبار أن الوضع اليوم في الجزائر تغيّر وبدأ الاهتمام المحسوس، وما على المخترع سوى التحلي بالصبر، لأنه يكفيه شرف تجسيد الابتكار لبلده، وذلك الشعور لن ينتابه في الخارج. وحتى نلفت الانتباه انه يمكن في الخارج أن يحظى المخترع بالاهتمام أو العكس، حيث يحاول أن يأخذ منه فكرة الابتكار أو نتائج البحث ثم يستغنى عنه. وفي ظلّ وجود إرادة وجهود من أجل إدماج نتائج مخابر البحث في المجال الصناعي يعد في حد ذاته مؤشر إيجابي يمكن أن يتبلور ويعزز أكثر في المستقبل.
مراكز البحث لا تسوّق منتوجها العلمي
برأيك كيف يمكن تفعيل جسور التعاون وتعزيز أفق الشراكة بين الجامعة والمؤسسة الاقتصادية؟
للدولة دور كبير في أخذ المبادرة وبناء الروابط بين الجامعة والمؤسسة الإنتاجية، عن طريق منح الأولوية للباحث الجزائري، وعلى سبيل المثال عندما تواجه المؤسسة الاقتصادية تحديا في تطوير منتوجها أو تقليص تكلفة ومدة الإنتاج، يطرح الإشكال في مناقصة ويتقدم فيها الباحث أو مركز البحث لتقديم الحلول أو المساعدة العلمية، ويتقدم بالكفاءات القادرة على تغيير الوضع للأحسن، وهنا يمكن لمركز البحث أن يفرض نفسه ويتقدّم في بحوثه ويستقطب المزيد من الباحثين وفي نفس الوقت العديد من المؤسسات.
وللأسف مازال يسجل نقصا كبيرا في الاتصال والتواصل، لأن العديد من مراكز البحث الجامعية عبر الوطن تصل في الكثير من الأحيان إلى نتائج تبهر، وتبقى معلومة هذا الابتكار خفية لا يسمع بها أحد، ومن المفروض أن تسوّق مراكز البحث بشكل جيد لمنتوجها العلمي. لأن التحدي المقبل يكمن في تطوير قدراتنا العلمية وإمكانية تحويل ذلك نحو الآلة الإنتاجية، فلا يعقل أن نصدر منتوجا وولوج منافسة الأسواق الدولية بمنتوج مركب من قطع غيار مستوردة، وكلنا نتطلّع لرؤية منتوج جزائري يتوفر على الخبرة والكفاءة المطلوبة على الصعيد الدولي، وعندما يسوّق في الخارج تكون له سمعة طيبة ويلقى بعد ذلك الرواج المطلوب.