أحد قلاع العلم و المعرفة الأمنية ومعلما حضاريا
حظيت وسائل الإعلام الوطنية ومن بينها “الشعب” بزيارة ميدانية إلى المدرسة التطبيقية للأمن الوطني الصومعة بالبليدة للاطلاع عن كثب عن عملية التكوين فيها هذا الصرح العلمي ومختلف الوسائل البيداغوجية والمادية والبشرية المرصودة لتخريج كفاءات وطنية مزوّدين بالمعرفة الأمنية والعلمية المطلوبة في رجال يضطلعون بمهام حماية الأمن والسلم العموميين ما جعل منها من أعرق المؤسسات التكوينية بالجزائر.
وقد تزامنت الزيارة مع احتفالات الجزائر بعيد الطالب الذي يعيدنا لمرحلة فيها اتخذ فيها الطلبة قرارا جريئا بهجر مقاعد الدراسة والالتحاق بالثورة فكانوا سلاحا حارقا في وجه المستعمر، لتشكل المناسبة توليفة تنقل المشعل لطلبة اليوم لمواصلة بناء الجزائر مهما كانت الظروف والدفع بالتنمية في كل المجالات باعتبارهم إطارات المستقبل.
واستهلت الزيارة بمشاركتنا، أول أمس، لطلبة المدرسة ليومياتهم بداية بمراسيم رفع العلم من طرف القوة 2276 فرد، ليقوم بعدها مدير المدرسة مراقب الشرطة مالك محمد بتقديم المدرسة الواقعة بمركز حلوية ببلدية الصومعة متربعة على 54 هكتارا، والتي كانت ثكنة عسكرية استعمارية استرجعتها وزارة الدفاع الوطني بعد الاستقلال، لتتحول في الفاتح من مارس 1968 إلى المديرية العامة للأمن لوطني ويتم افتتاحها في 18 أوت 1969.
وتخصصت في البداية في تكوين الدرّاجين، حيث كانت تسمى “المدرسة التطبيقية للدراجات النارية للأمن الوطني”، ليتسع نشاطها ليشمل مختلف التخصصات و الرتب مثل تكوين أشبال الشرطة و فرقة الأنياب و الفروسية و تكوين السواق و أعوان القياس البشري وغيرها من التخصصات الأمنية والشرطية لتحمل الاسم الحالي، ما أهلها لأن تكون من أهم المدارس التكوينية وأعرقها حيث قامت بتكوين أكثر من نصف تعداد رجال الأمن الوطني في مختلف الرتب والتخصصات وحتى لمختلف رجال الشرطة للدول الصديقة والشقيقة.
تكوين أساسي ومتخصص للإلمام بكل المهام
وحسب مراقب الشرطة مالك محمد المدرسة تضطلع أساسا بمهمة التكوين في شتى مجالاته، تكوين أساسي بالنسبة لملازم أول للشرطة في ظرف سنتين والذي يستفيد فيه الطالب من تكوين نظري و تطبيقي يشمل كل الجوانب المهنية كالشرطة القضائية، الأمن العمومي، استعلامات عامة و شرطة الحدود، والمواد التقنية كالإعلام الآلي، اتصالات و طبوغرافيا، الوقاية من أسلحة الدمار الشامل نظام منظم وأسلحة ورماية ومسلك المقاتل و نشاطات رياضية وبدنية والدفاع الذاتي والتي حضرنا حولها الكثير من التمارين لاسيما الرماية و أهم مبادئها وهي” لا تعتقد أبدا أن السلاح فارغ – الإهمال واللامبالاة نتائجه حوادث مؤلمة”.
يضاف إلى ذلك المواد التكميلية كالمناجنمت، التسيير، القيادة في الوحدات، البيداغوجيا و المنهجية، ناهيك عن أدبيات وأخلاقيات المهنة، تنظيم مهام المصالح ، القانون الأساسي للموظفين معرفة و استعمال وسائل الأمن الوطني إلى جانب علم نفس و اجتماع الإجرام ، بالإضافة إلى اللغات بما فيها الأمازيغية و الانجليزية - كوسيلة اتصالية ضرورية لاسيما مع الأجانب، والمحاضرات و الإسعافات الأولية.
إلى جانب ذلك هناك التكوين المتخصص والذي يستفيد منه ملازم أول للشرطة، سواق المركبات و الدراجات، الأسلحة و الرماية و حماية الأشخاص، وأهم التخصصات الشرطة العلمية و التقنية كعون القياس البشري و تقني مسرح الجريمة، دون أن ننسى تكوين الأجانب الذي يدخل في إطار التعاون الدولي في المجال الأمني بين الجزائر وبلدان الوطن العربي و إفريقيا.
وعلى هامش ذلك تعرفت وسائل الإعلام على المدرسة من المجسم المعروض في الساحة و كذا من خلال زيارة مختلف الورشات و القاعات التي تمثل الفضاءات المخصصة البيداغوجية للتكوين والدراسة وحتى مساحات الإقامة و الإعاشة والفضاءات الرياضية و تعلم السياقة، ونادي الفروسية وميدان الرمي لـ 200 و 50 و 20 مترا ، كاشفا عن الشروع في انجاز قرية للمحاكاة قريبا.
من جهة قادتنا الزيارة لنعايش ميدانيا بعض مهام الطلبة بداية بالتدريبات الرياضية للقوة المتعلقة بمادة النظام المنضم وتكون في المرحلة الأولى في شكل حركات شبه عسكرية لتهيئة الطالب للاندماج في سلك الأمن الوطني.
المحافظة على الآثار من قبل الشرطة القضائية و العلمية.. كنز المحققين
كما توّقفنا عند تمرين تمثيلي لمسرح جريمة في مكان مغلق و آخر في مكان مفتوح في شكل حادث مرور مميت، حيث يعمد قسم الشرطة القضائية و العلمية بالتنقل للموقع و الحرص على تطبيق أهم مبدئين و هما المحافظة على الآثار باعتبارها كنز المحققين ، و حماية المتدخلين و إبعاد المتطفلين وتطويق المكان حتى يبدأ العمل بتحديد مراحل تسيير بروتوكول مسرح الجريمة، من خلال معاينة الأدوار ميدانيا ، قبل أن يتم التنقل إلى الأمن الحضري للتدريب لتحرير المحاضر و استقبال المواطن و القيام بالإجراءات اللازمة قبل إحالة كل شيء على العدالة، و هذا بهدف تمكين الطالب من كل الإجراءات الشرطية في حين يتواجد طلبة آخرين في قاعة محاضرات يتابعون عن طريق عرض مصور ما يقوم به زملائهم و إعداد الملاحظات و تقييمها من طرف المؤطر .
الحوار ...أول خطوة للحفاظ على النظام العمومي
وفي موقع آخر عايشنا مع الطلبة درسا تطبيقيا موضوعه الحفاظ على النظام العمومي و كيفية التعامل مع المتظاهرين، حيث أشار مدير المدرسة مالك محمد أن أول خطوة يتم التركيز عليها هي الحوار عبر السماح للجماعات المحلية بالتكلم معهم سواء الوالي أو رئيس البلدية، ليتم اتخاذ الإجراءات الردعية اللازمة في حال رفض المحتجين التفرق و إخلاء المكان بعد الحصول على تسخيرة من الوالي بالتدخل بعيدا عن المبالغة، مشيرا في رد عن استفسارنا إلى الالتزام بعدم استعمال الذخيرة الحية أو المطاطية في مواجهة التجمهرات و الاكتفاء باستعمال الوسائل الردعية الخفيفة و العادية بهدف تفريق المتظاهرين، حيث يكون التدخل حسب نوع و مستوى الاحتجاج كغلق الطريق، أعمال الشغب و غيرها.
وأوضح مالك محمد في هذا الصدد أن الملازمين الأوائل يستفيدون من هذه التمرينات لتمكينهم مستقبلا من إدارة الاحتجاجات باعتبارهم سيكونون الإطارات المسؤول على قوات و أعوان مكافحة الشغب، مشيرا، إلى أن مثل هذه التمرينات تعطيهم صورة كاملة عن سلوك المحتجين و بناء توقعات بشكل يسمح لهم بتطويق المكان و التحكم في الوضع لتفادي أي انزلاقات قد تكون نتائجها و خيمة.
لتختتم الجولة بزيارة المتحف الوطني للمدرسة و مشاركة الطلبة في إنزال الراية مساء اليوم في إشارة لانتهاء يوم من نهل العلم و مختلف المعارف الأمنية التي ستسهل عليهم مستقبلا أداء مهامهم كما يجب.