طباعة هذه الصفحة

انطباعات

“حتى الكذب فشلوا فيه”

دكتور محيي الدين عميمور:

تناول كتاب “باريس / الجزائر: علاقة حميمية” تصريحا لموظف جزائري سابق، لم يعرف له أو عنه نشاط سياسي متميز أو دور نضالي له وزنه، تناول فيه حياة الرئيس هواري بومدين خلال دراسته في القاهرة، واتهمه فيها بأنه كان آنذاك جاسوسا لفرنسا (ص 308)، ومن هنا اتجهنا لواحد من رفقاء الرئيس الراحل في القاهرة لنتعرف منه على حقيقة الاتهام، ومن هنا كان هذا الحوار السريع مع الدكتور محيي الدين عميمور، وزير الثقافة الأسبق.
ويقول عميمور بأنه اطلع على ما ذكره الكتاب منسوبا للموظف الجزائري،  وكان يرى أن هذا الادعاء المضحك هو أتفه من أن يستحق التعليق، لكنه مضطر للتدخل السريع بعد أن ردّدت الادعاء منابر جزائرية قد يخدع بها مواطن بسيط.
ويقول عميمور أن مدير البنك الموتور حدّد الفترة الزمنية التي اتهم فيها بومدين بأنها سنة 1950، في حين أن الرئيس الراحل لم يتوجه إلى مصر من قسنطينة إلا في سبتمبر 1951، وروى رفيقه محمد الصالح شيروف تفاصيل الرحلة منذ سنوات شفويا وكتابيا.
 ويقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية الأسبق في البرلمان، وبناء على المعطيات التي عاشها شخصيا في مصر، أن العلاقات بين الطلبة الجزائريين والسفارة الفرنسية كانت سيئة، أما محمد إبراهيم بوخروبة (وهو الاسم الأصلي للرئيس الراحل قبل التحاقه بالثورة في منتصف الخمسينات) فقد كانت علاقته معها أكثر من سيئة، واشترك في أكثر من تظاهرة طلابية قمنا بها آنذاك ضد القنصلية الفرنسية بالقاهرة، وقبضت الشرطة المصرية يومها عليه، ولم ينقذه سوى تدخل الشاذلي مكي، مندوب حزب الشعب في مصر آنذاك، وممثل الجزائر في الجامعة العربية، الذي افتكه من قبضة الشرطة، وهو ما كنت تناولته في حصة متلفزة منذ نحو سنتين.
وهذه المعلومات يعرفها كل طلبة القاهرة، ومن بينهم عثمان سعدي وسعد الدين نويوات والمدني حواس ومحمد الهادي حمدادو ومحمد الصالح شيروف، وهم أحياء يرزقون، ويعرفون جميعا أن بومدين كان مثاليا في حياته الطلابية، التي عانى فيها من الفقر والحرمان، ولم يمدّ يده لأحد.
وقال عميمور: المؤسف أن الموظف المذكور، والذي لا يعرفه أحد من طلبة القاهرة، انتظر نحو أربعين سنة ليدلي بشهادة حمقاء لمنبر فرنسي مشبوه، برغم أنه يتناقض مع ما يقوله الكتاب (ص 309) من أن المسؤولين الفرنسيين صدموا من تأميم بومدين للنفط في 1971.
والموظف، الذي يتهم في الوقت نفسه الرئيس أحمد بن بله والرئيس عبد العزيز بو تفليقة، يدعي أنه حصل على معلوماته من طالب كان يدرس آنذاك في الأزهر، وأنا أتحداه أن يذكر لنا اسم هذا الشاهد الكذاب، الذي يدّعي أنه عرف بومدين في القاهرة، قبل أن يذهب الرئيس الراحل لها.
وهكذا يكشف الكذب نفسه، ويؤكد أن الموظف المذكور يسير في نفس الاتجاه مع زعيم سياسي فاشل، اعترف يوما بأنه لم يفهم الشعب الجزائري، وعلاقات الاثنين بالسلطات الفرنسية معروفة.