سيكون غدا الجمعة يوما ليس كسائر الأيام في تاريخ شعب و دولة مالي، حيث سيشهد حدثا تاريخيا هاما، سيتوقف عليه مستقبل شعب بأكمله، شعب عرف - رغم المحن والمكائد- كيف يحافظ على وحدته ووحدة أراضيه، لهذا فهو يدرك اليوم كل الإدراك مدى أهمية أن توقع جميع الأطراف على اتفاق السلام الذي أفرزه مسار الجزائر التي قادت فريق الوساطة الدولية واحتضنت الجولات الست للمفاوضات بين الأطراف المالية.
إن التفاؤل كبير في التحاق من تخلف عن توقيع هذا الاتفاق بمسار السلم و المصالحة الذي من شأنه أن يفتح صفحة جديدة من التعايش بين مختلف مكونات الشعب المالي الواحد ويطوي أوراق أزمة سياسية وعسكرية عابرة لكن عبورها لم يكن ليتركه شياطين الفتنة و شذّاذ التفرقة والتفكيك - الذين يتحينون مثل هذه الفرص- دون الاستثمار في تضخيم مظاهر اللامساواة و اختلالات توزيع الثروة والتفاوتات الجهوية لزيادة الاحتقان وإضرام نيران الفرقة و تأجيج النزعات الانفصالية و لكن و لحسن الحظ تم تدارك ألسنة اللّهب قبل أن تفعل فعلتها الشنيعة.
إن التاريخ سيسجل بأحرف من ذهب هذا الخامس عشر من شهر ماي 2015 من عمر شعب مالي الذي استطاع أن يحدث معجزة حقيقة لأن ما حققه هذا الأخير خلال سنتين فقط لا يمكن إلا أن نسميه كذلك، فمن كان يتصور أن مالي الذي دخل في نفق مظلم إثر انقلاب جانفي 2012 وسقوط جزء منه بين يدي جماعات إرهابية دموية عاثت في شماله فسادا وتقتيلا وما رافق ذلك من انهيار شبه كلي للدولة ولمؤسساتها، يستطيع في وقت قياسي تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ويتمتع اليوم بمؤسسات سيادية وسلطة شرعية منتخبة شعبيا؟ أفهل يعجز هذا البلد على تتويج كل هذا الانجاز باتفاق سلام شامل ينهي معضلة الشمال الى الأبد؟
انه على العكس من ذلك، فإن التاريخ سوف لن يرحم بالمقابل ولن يقبل حتى في مزابله كل من ستسول له نفسه تفويت هذه الفرصة التاريخية على الشعب المالي الذي أثبت في كل مرة أنه لا يريد إلا السلام ولا شيء سوى ذلك.
إن الذي يرفض ركوب قافلة السلام فهو لا يعلن الحرب بذلك على الشعب المالي وحده ولكن على المجتمع الدولي كله الذي لم يدخر جهدا في مرافقة الماليين في بناء السلام و المصالحة في بلادهم، وبما أن السلم الدولي مفهوم شامل و متداخل، فإنه لا يمكن فصل بناء السلام في مالي عن بنائه في كل منطقة الساحل ومن ثمه في سائر المناطق الأخرى من العالم ومن هذا المنطلق الشامل يتبين حجم المسؤولية التي تقع على المعنيين بالتوقيع على هذا الاتفاق غدا الجمعة بالعاصمة باماكو كما يتبيّن حجم هذا الاتفاق وقد يكون هذا التفسير الوحيد للتصعيد الأخير في وتيرة العنف فلا يمكن إدراج الأحداث التي شهدتها مناطق في شمال مالي إلا في خانة المحاولات اليائسة للتشويش على هذا العرس