طباعة هذه الصفحة

عمار تاكجوت رئيس فدرالية عمّال النّسيج والجلود لـ “الشعب الاقتصادي”

تمكين القطاع الاقتصـادي العمومي من الدّيمومة والتّكيف مع متطلّبات السّوق

أجرى الحوار: سعيد بن عياد

يعرف الرّأسمال التجاري للدولة (مؤسسات القطاع العام) مرحلة انتقال حاسمة من خلال إعادة هيكلتنه في شكل مجمّعات اقتصادية. وبالفعل تمّ استحداث 12 مجمّعا يحلّ محل 18 شركة تسيّر مساهمات الدولة، التي تبين عدم جدواها اقتصاديا في وقت أصبحت فيه المؤسسة المنتجة تواجه سوقا تنافسية محليا ودوليا، خاصة في ظل الصّدمة المالية الناجمة عن انهيار أسعار المحروقات.
ويرتقب أن ينطلق النّمط الهيكلي الجديد في بداية السداسي الثاني من السنة الجارية، وأمام مسؤولي المجمّعات الذين تمّ تنصيبهم في الأسابيع الأخيرة موعد حاسم في جوان لتقديم التصورات العملية بمعايير اقتصادية ومالية واضحة ممّا يتطلّب منهم مضاعفة الجهد وابتكار الحلول، خاصة وأنّ أوضاعهم المهنية والمالية وجدت رعاية من الجهات الوصية.
ومن أجل استيضاح الموقف أكثر، اقتربنا من رئيس فدرالية عمال النسيج والجلود عمار تاكجوت، الذي يتحدث في هذا الحوار عن نظرة الشريك الاجتماعي للتنظيم الجديد للقطاع الاقتصادي العمومي. وفيما يلي مضمون الحوار:

❊ الشعب الاقتصادي: صدر تنظيم جديد للقطاع الاقتصادي العمومي لتنتقل المؤسسات إلى العمل ضمن مجمّعات قائمة بذاتها، ماذا ينتظر منها؟
❊❊ عمار تاكجوت: في الواقع برنامج إعادة تنظيم المؤسسات الاقتصادية العمومية في شكل مجمّعات تملك صلاحيات أكثر استقلالية في العمل وفقا لقواعد السوق واحد من الأهداف التي كان يتطلع إليها المتعامل العمومي منذ سنوات، خاصة مع انطلاق النقاش والحديث عن الإستراتيجية الصناعية التي تعاقب عليها وزراء عديدون، وساهم في صياغة محاورها خبراء وأساتذة في الاختصاص. بالطبع الهدف من كل ذلك التوصل إلى بناء علاقات مرنة ومباشرة بين المؤسسة العمومية والمحيط الذي تنشط فيه، وفي هذا الإطار  فإنّ القطاع العام يحتاج بالفعل إلى الحد من تدخل الإدارة تحت مظلة الوصاية في المساحة الاقتصادية، خاصة على مستوى الهيكل التصاعدي لاتخاذ القرار والمبادرة كون تلك الممارسات التعطيلية تستهلك وقتا ثمينا بالنسبة لاتخاذ القرار، وبالتالي يكلف المسير العمومي الكثير بالنظر لحركية السوق والتنافسية الشديدة. لذلك فإنّ التنظيم الجديد ــ الذي يرتقب أن يدخل مرحلته العملية في الميدان خلال شهر جوان القادم موعد تقديم رؤساء المجمّعات لمخطّطاتهم الجديدة التي نأمل أن تكون مطابقة للحقائق الواقعية ومتفتّحة على الشّركاء ــ يرمي في جوهره ومن حيث المبدأ إلى تمكين القطاع الاقتصادي العمومي من الديمومة، والتكيف مع متطلّبات السوق الأمر الذي يضع المكلّفين الجدد أمام تحديات تستدعي بذل الجهود ومضاعفة العمل في الميدان، واعتماد مقاربة تسيير أكثر نجاعة ترتكز على العمل والتشاركية في تسطير البرامج الداخلية للمؤسسات، والتخلي نهائيا عن ثقافة الوصاية والانفراد في القرار طالما أنّ المسالة تتعلق بمصير منظومة اقتصادية لها دور رائد في التنمية المستدامة التي توليها الدولة أولوية، وترصد لها الموارد والإمكانيات.
❊ هل تتوقّعون أن يجسّد التّنظيم الجديد (المجمّعات الاقتصادية) الهدف المرتقب أي إنجاز النمو وتنمية الاستثمارات وكسب المنافسة؟
❊❊ الهيكلة الجديدة التي كشفت عنها وزارة الصناعة والمناجم أفرزت تحويل المؤسسات التابعة لـ 18 شركة تسيير للمساهمات SGP إلى 12 مجمّعا، ولكل مجمّع يضم المؤسسات التي تنشط في قطاعه مجلس إدارة يتولى تسيير دواليبه بأسلوب اقتصادي ذي معايير التسيير الحديث. حاليا، وحسب ما لدينا من معلومات حصلنا عليها من المحيط القريب من المؤسسات، يقوم كل مجمّع بإعادة تنظيم مؤسساته قبل أن يقدّم ورقة العمل في جوان القادم.
للأسف وأقولها بمرارة، لم يتم إشراكنا كنقابة وشريك اجتماعي في ضبط مناقشة الهيكلة الجديدة، وما يمكن توقّعه وهو ما نخشاه أن يتمخّض عن إعادة هيكلة المؤسسات داخل المجمعات الـ 12 توجهات مثل قول البعض بوجود فائض عمال في قطاع معين، واقتراح البعض الآخر إجراءات ترتكز على اعتبارات مالية صرفة تكون لها انعكاسات اجتماعية صعبة.
❊ لكن هل طلبت الوزارة رأي الفدراليات على الأقل لتوسيع النّظرة وتعميق التّصورات؟
❊❊ لا، لم تطلب الوزارة رأي الفدراليات المعنية، بل حتى المجمّعات الجديدة لم تصدر عنها مبادرة بالاتصال بالشريك الاجتماعي، وبصفتي رئيسا لفدرالية عمال النسيج لم ألتق إلى حد هذه اللحظة رئيس مجمع مؤسسات قطاع النسيج والجلود للحديث عن الآفاق قصد السير بخطى متوازنة وثابتة على مسار النمو. ونحن نترقّب التطورات ونتابع ما يصدر وهنا وهناك.
ينبغي هنا الإشارة إلى أنّ المؤسسة الاقتصادية الحديثة لا تقوم على مجرد اعتماد قرارات إدارية بقدر ما ترتكز على إنشاء ــ ومن حولها ــ لمناخ الثقة حول مشروع جديد للانتعاش يقحم العمال في الديناميكية الجديدة من اجل إنشاء الثروة وتوزيعها العادل.
المشكلة تتعلق هنا (أي الحوار الاجتماعي) بحالة ذهنية حول مفهوم المسؤولية، الذي ينبغي أن يعرف تطويرا في الممارسة من الانفرادية إلى التشاركية، لذلك أخشى أن يتم تغيير النمط الهيكلي للمؤسسات دون تغيير ثقافة المسؤولية لدى البعض، مما لا يشجّع على بلوغ إنجاز الأهداف المسطرة على اعتبار أن العامل يجب أن يكون في مركز الاهتمام لأي توجّه اقتصادي.
❊ لكن هناك العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنّمو الذي اتّفق عليه شركاء الثلاثية؟
❊❊ الرّجوع إلى نص العقد فإنه جيّد لكنه لا يزال محصورا على مستوى قمّة الثلاثية وهذا لا يكفي، ومن ثمة لا بد من الانتقال إلى ترجمته في ميدان عالم الشغل، وبالذات على مستوى المؤسسة الاقتصادية من خلال تنمية علاقة الحوار الاجتماعي بين الشركاء (المستخدم والعمال) حول برامج الاستثمارات المادية والتنمية البشرية التي تصب في إنتاج القيمة المضافة، التي ترتكز على التحكم في الإنتاج واعتماد المعايير الاحترافية وقواعد الحكامة (التسيير الراشد) التي تعني بالأساس جهاز الإنتاج باقتصاد النفقات وترشيدها، خاصة على مستوى التعامل مع الأسواق الخارجية بالتركيز على تنمية السوق الداخلية عن طريق الشراكة الوطنية القائمة على برامج استثمارية شفافة.
❊ بالمناسبة، ما هي وضعية قطاع النّسيج الذي يتوفّر على قدرات للتّشغيل ويمتاز بسوق استهلاك واسعة؟
❊❊ يوجد قطاع النسيج والجلود حاليا في مرحلة تحوّل ليستعيد حيويته، فبعد التطهير المالي (لا تزال عملية تدقيق الأرقام جارية) انتقل إلى مرحلة الاستثمار وعصرنة وسائل وعتاد، وتجهيزات الإنتاج التي يجري تركيبها وتمتاز بالضخامة.
غير أنّ حلقة الضعف تبقى في جانب التكوين الصناعي، الذي يعاني من تأخر كبير بسبب غلق المراكز المتخصصة للتكوين في مهن النسيج التي كانت توفر للقطاع والمؤسسات مهندسين في النسيج والصيانة. حاليا الكفاءات المهنية الموجودة بلغت مرحلة التقاعد وتطرح مسالة تعويضها ببديل بنفس الاحترافية، ولذلك من المفيد التفكير من الآن في الاحتفاظ بهم في دوائر الإنتاج إلى حين إعداد الخلف بمؤهلات ذات كفاءة فنيا وتقنيا. وأؤكد أنه حتى يتم ضمان تشغيل المعامل الموجودة،  وإطلاق تلك المبرمجة في استثمارات جديدة من الضروري مراعاة قطاع الإنتاج بالنسبة للموارد البشرية.
في هذا الإطار (التكوين) توجد مشاريع لإطلاق عملية بالتعاون مع المعهد العالي للتسيير والتخطيط (ISGP) الكائن ببرج الكيفان، ويجري البحث عن شركاء مثل الممونين بالتجهيزات لمرافقة اليد العالمة وتأهيلها، غير أنّ المطلوب التوجه نحو برامج واضحة ومسطرة مسبقا لأهداف محدّدة تتلاءم مع القطاع الصناعي للنسيج. وربما يمكن الاشتغال في هذا الصدد على منظومة التكوين الجامعي، بإدراج مهن قطاع النسيج في مستوى مهندس ضمن التعليم العالي أو اللجوء مباشرة إلى إنشاء مراكز تكوين متخصصة.
❊ وماذا عن محور صناعة وتسويق الجلود؟
❊❊ إذا كان قطاع الجلود في مرحلة استقرار، فإن النسيج يعرف انتعاشا خاصة وأنّ الطلب العمومي يكتسي أهمية تضمن الرفع من وتيرة الإنتاج ويراهن على التسويق من خلال محلات “ديستريتش” المقدرة بحوالي 70 محلا عبر الوطن، وقد تم استرجاع أربعة بوسط البلاد. حقيقة يمكن النظر بتفاؤل لهذا القطاع بفضل السوق وقوة الطلب على الملابس خاصة المهنية (المدرسة، عمال المؤسسات الصناعية وقطاعات الصحة والشباب والسياحة والإدارات العمومية وغيرها)، فجذب مثل هذه القطاعات وفقا لتفضيل الإنتاج الوطني يضمن ديمومة ونمو المؤسسة الإنتاجية الجزائرية، خاصة وأن استيراد الملابس والأحذية مكلف ويستنزف الموارد المالية (الرئيس الأمريكي أوباما صرح ذات مرة بأنّ الأسواق الأمريكية تذهب للمؤسسات الأمريكية بصفقات وطنية) والأمر واضح.
إنّ السوق في هذا القطاع مثيرة وتعرف عجزا في تلبية الطلب فيها بإنتاج أقل من مليون وحدة حذاء سنويا مقابل احتياج يقدر بحوالي 70 مليون حذاء على أساس ا تعداد السكان، وبمعدل طلب حذائين في السنة (في الثمانينات كانت الجزائر تنتج 18 مليون وحدة). على صعيد الإنتاج هناك انتعاش لبعض الوحدات (3 مصانع للأحذية و1 للألبسة الجلدية).
بالطّبع إنّ سوق الجلود مربحة لكنها مهملة للأسف، فلا توجد مثلا مؤسسات للتربية الحيوانية المنتجة لمادة الجلد أمام انتشار المضاربة والغش في جمع الجلود، والذبح العشوائي للحيوانات الذي ينجم عنه ضياع من 28 إلى 30 ٪ من الجلود كما هو الحال في مناسبة عيد الأضحى، وهو موعد ديني واقتصادي بحيث يمكن استرجاع كميات هائلة من جلود الأغنام والأبقار، علما أنّها مادة قابلة للتصدير إلى الخارج، وللأسف لا نعرف كيف نستفيد منها. وبهذا الخصوص لماذا لا تبادر الجماعات المحلية بإنشاء مذابح جوارية مؤقتة ومنظمة تشتغل بمعايير اقتصادية من أجل جمع مادة الجلد؟ (الصومال صدرت 2 مليون رأس غنم و97 ألف جمل إلى السوق الخليجية)، ونحن لازلنا نستورد اللحم لمواجهة الطلب في رمضان ممّا يعني وجود خلل في المنظومة الاقتصادية والتجارية تحتاج إلى إعادة ترتيب دقيق يستند للخبرة والوضوح.