طباعة هذه الصفحة

رشّحها التّاريخ عاصمة للثّقافة العربية

سرتا، معالم على الصّخر وكنوز من التّراث       

قسنطينة: أحمد دبيلي

بعد الجزائر، عاصمة للثقافة العربية 2007، لم يكن ترشيح قسنطينة من قبل “الأليسكو” عاصمة للثقافة العربية 2015 مجرد صدفة، هذه المدينة التي تحمل في سجلها التاريخي أكثر من 2500 سنة، تجمع من كل المقومات التي تؤهّلها لتصبح وبكل جدارة عاصمة أبدية للثقافة العربية، بل ستكون سنة 2015 نقطة تحول لأقدم مدينة في التاريخ  تمكنها من تفعيل العمل الثقافي والرقي به نحو العالمية، واستقطاب الأنظار مرة أخرى كقطب سياحي بامتياز.

وإذا كانت قسنطينة، قد رشّحت اليوم لتكون عاصمة للثقافة العربية على مدار سنة كاملة، فإنها كانت بالأمس موطنا للإنسان البدائي، حيث تشهد مواقع عديدة على لجوء الإنسان الأول وبأعداد هائلة من استغلال بعض الأماكن ككهف الدببة بمنطقة “جبل الوحش” وسطح “المنصورة” و«أولاد رحمون”، ثم أصبحت المنطقة بربرية في الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث دلت الآثار على وجود مباني لسكانها الأصليين.
 قسنطينة وهي تتبوأ هذه المكانة العريقة بالأمس واليوم، كانت وبالضبط في القرن الثالث قبل الميلاد، تحمل اسم “سيرتا” العتيقة، عاصمة المملكة النوميدية التي كان يترأسها “ماسينيسا”، وفي عهد هذه الممالك وتعاقب الحكام عليها، كانت سيرتا متفتحة على ثقافات البحر الأبيض المتوسط، حيث عمد ملوكها بعد ذلك الى توسعتها على ضفتي وادي الرمال، وهو في نفس الوقت، الحصن الحصين للمدينة وأحد المناظر الطبيعية التي جعلتها تتفرد كأجمل المدن في العالم وترشحها لهذه المكانة التي تعيشها اليوم .
سيرتا، التي شهدت بعد هذه الحقبة سيطرة الرومان، حيث حملت ولـ 17 قرنا اسم  «قسطنطين الأول”، الذي أعاد بناءها سنة 313 ميلادي، عادت بعد دخول الإسلام الى شمال افريقيا  للإمارات “الزيرية والحمادية والموحدية”، بقيت بعدها المدينة في حوزة الحفصيين حتى فتحها الأتراك وأصبحت حينها عاصمة لـ “بايلك الشرق”، غير أن الاستعمار الفرنسي وعلى الرغم من محاولة طمسه لتاريخ هذه المدينة العتيدة والجزائر عامة، كان القدر مع قسنطينة التي أنجبت رجالا حاولوا الذود عن دينهم وعرقهم، فكان لنشأة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس منعطفا جديدا لاستقلال الجزائر، ومن ثمة حماية موروثنا التاريخي والثقافي الزاخر.    
وعلى اعتبار أن كل هذا الزخم التاريخي الحافل والذي مكّن قسنطينة من استرجاع مكانتها التاريخية من خلال هذه الفعاليات، فإن سيرتا لها أرصدتها الأخرى التي تجعلها تبرز مدخراتها المادية والمعنوية، كالمعالم  والآثار التاريخية، من المقابر والأضرحة لمختلف الأزمنة والعصور والكهوف والقصور وأبواب المدينة والحمامات  والمساجد والجسور والرحبات والأسواق والاحياء العتيقة، إضافة الى المرافق والمؤسسات الثقافية المختلفة، كمسجد وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ومتحف سيرتا ومؤسسة بن باديس وقصر الحاج احمد باي والمدرسة دون أن ننسى أعلام قسنطينة من علماء جمعية العلماء، وكتاب وشعراء وموسيقيين وفنانين.
قسنطينة وهي تستعد لاحتضان تظاهرتها كعاصمة للثقافة العربية، تتوفر على العديد من المرافق الثقافية الأخرى التي أدرجت ضمن قائمة المعالم والدور التي هي في حاجة الى ترميم أورد للاعتبار، كالمسرح الجهوي ودار الثقافة محمد العيد آل خليفة، الذي سيصبح قصرا للثقافة ودار الثقافة مالك حداد والمدرسة وجل مساجد المدينة، وقاعات السينما المختلفة التي تتسع لحولي ثلاثة ألاف مقعد والمكتبات العمومية التي تزخر بثروة من أمهات الكتب  والمخطوطات ودور الشباب، ناهيك عن المرافق الجديدة أو التي تم تحويلها الى مرافق أخرى جديدة ، كمدرسة الموسيقى وموسيقى “المالوف” ومتحف الصناعة التقليدية والحرف ومتحف الفنون والتاريخ والشخصيات التاريخية، إضافة الى العديد من المرافق الثقافية التي شيدت في بلديات الولاية المختلفة منها “الخروب وعين عبيد  وديدوش مراد” وغيرها.
 هذه المرافق وهي تحتضن هذه التظاهرة الهامة في تاريخ قسنطينة، ستدعّم الفعل الثقافي والثراء التراثي، خاصة وأن الاحتكاك بالتنوع الثقافي للدول المشاركة سيرفع من قيمة هذه الفعاليات، وفي ذات الوقت يسوق لمنتوجنا خارج الحدود والأوطان.