مناضل بارز في الحركة السياسية، وكان القدوة الحسنة في التضحية بالمال والجهد وبالفكر، وقد اشتهر بين رفاقه بالقائد المحنّك والشجاع، إنه الشهيد بلقاسمي محمد بن مسعود المولود سنة 1927، في قرية تفلفال بدوار غسيرة وهو الأخ الثاني لستة إخوة، تعلّم القرآن في الكتاب كغيره من أترابه بزاوية تفلفال ولم يدرس في المدرسة الفرنسية، لأنها لا توجد آنذاك في دواره ولم تنتشر، إلا في بعض الدوائر وبعض البلديات من حوز أريس.
عاش طفولة متواضعة في أسرة فقيرة شأنها شأن الأسرة الأوراسية جمعاء، كان أبوه فلاّحا يرعى المواشي، كما كانت له مطحنة يعمل فيها إلى جانب أبيه للتكفل بإخوته، حيث انخرط في حزب الشعب وانضم إلى أحد خلاياه ببلدة تفلفال مع مجموعة من المناضلين، وعلى رأسهم المجاهد بلقاسمي محمد بن الشريف مسؤول الخلية الذي يذكر أنه كان يناضل معه، وكان نائبه في خليته ينوبه أحيانا في الاجتماعات الكثيرة.
كان من المناضلين الناشطين وشارك في كثير من النشاطات، ينتقل بين قرى غسيرة وبانيان ومشونش ويتصل بالمسؤولين منهم بن عبد السلام الحسين وسي الحواس، الذين لهم السبق في الانخراط بالحزب، وكان من الأعضاء المنخرطين مبكرا في الخلايا بتفلفال رفقة زملائه، بدأ نشاطه السياسي سنة 1946، وكانت أخته تعمل معه وتساعده في كثير من الأعمال، وخاصة الطبخ أثناء زيارات المناضلين إياه في بيته.
وكان يعمل في الحزب و له لقاءات مع المناضلين في بانيان، كاف لعروس، أشمول، شناورة ولقصر كل 15 يوما، حيث شارك في التحضير للثورة مع زملائه كحسين برحايل، مدور عزوي، ناجي نجاوي، محمد الهادي بوخلوف، أحمد إنواورة، عباس لغرور، وغيرهم، وذلك تحت إشراف القائد الشهيد مصطفى بن بولعيد.
وقبل اندلاع الثورة بقليل وفي أواخر 1953، كلف بلقاسمي بالتوجه إلى فرنسا في مهمة من طرف رئيس حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، ويذكر أحد رفقاءه أنه ذهب للبحث عن قوت عائلته الفقيرة برخصة من الحزب، لكنه بقي على اتصال دائم يبحث عن مدى تقدم التحضير للثورة بواسطة الرسائل التي يوجهها له.
وحين حان موعد الثورة عاد إلى أرض الوطن بتاريخ 3 نوفمبر 1954، ونزل بالجزائر العاصمة أين تعرض للتفتيش من طرف القوات الاستعمارية، ولم يجدوا لديه شيئا مشبوها تركوه يواصل رحلته إلى بسكرة، فمشونش، فأولاد يحي، فتفلفال، حيث عائلته ومنها جيش التحرير الوطني بجبل أحمر خدو.
التحق الشهيد بالثورة على جناح السرعة، مما مكّنه الانضمام إلى صفوف جيش التحرير الوطني بجبل أحمر خدو يوم 5 نوفمبر 1954، حيث اتصل بمسؤول الناحية المجاهد حسين برحايل بناحية أمشونش، وانضم إلى المجاهدين الذين فجّروا الثورة فاختاروه قائدا، وفي شهر ماي 1955 دعا قادة المنطقة الأولى «أوراس النمامشة»، كما كانت تسمى في ذلك الوقت إلى عقد اجتماع لأفواج الناحية بمركز برقوق بجبل أحمر خدو، بقيادة حسين برحايل بحضور قادة المنطقة الأولى وهم عباس لغرور، بشير شيهاني، عاجل عجول.
وأثناء هذا الاجتماع تمّ اختياره وتعيينه قائدا لناحية مشونش خلفا للمجاهد حسين برحايل الذي عين بإحدى مناطق خنشلة، ومن ثم واصل جهاده كقائد بكل جدارة واستحقاق وكانت ناحيته تسمى في وسط المجاهدين بناحية بلقاسمي محمد بن مسعود، كما كان يشرف على فرع الصحراء الذي يضم كل من لمغير وأولاد جلال والزاب الغربي وطولقة وحتى غرب بوسعادة، وقد استطاع بحنكته أن يخوض غمار المعارك وينظم الناحية تنظيما دقيقا عسكريا وسياسيا.
بفضله تمّ إيصال الثورة إلى الصحراء
نظّم الشهيد الناحية إلى عدة فروع منها فرع بلعلة وغسيرة، فرع سيدي عقبة وسريانة وقارضة ومشونش، فرع بسكرة وجمورة ولبرانيس، فرع الجبل الأزرق، فرع بني فرح والقنطرة، وفرع قديلة وضواحيها.
واستطاع أن يبعث إلى فرع الصحراء - الزاب - لغاية بوسعادة، مجموعة من المجاهدين وذلك سنة 1955 وفي السنة الموالية بعث فرقتين من المجاهدين إلى وادي ريغ بقيادة رمضان حسوني، وبفضله تم إيصال الثورة إلى الصحراء، وتحملوا الأخطار وهم ينشرون مبادئ الثورة ويجمعون السلاح والخراطيش، كما قاموا بتجنيد الشباب المناضل للالتحاق بالثورة، كما له الفضل في تعيين الأماكن التي يتمركز فيها جيش التحرير الوطني منها مركز أرفراف «النعشاش»، مركز فورثني.
وبالمقابل، اهتم الشهيد بلقاسمي بتنظيم الصحة العسكرية بقيادة المجاهد ملكمي الطيب للاعتناء بالمرضى والجرحى في أماكن العلاج على مستوى الناحية، وقبل هذا التنظيم الجيد قام بجمع الأسلحة من المواطنين لتوزيعها على المجاهدين، ونظم أماكن تخزين المؤونة على مستوى فروع الناحية.
ولم يغفل الشهيد جانب الاتصالات على مستوى قرى الناحية، بل وسع ذلك إلى النواحي المجاورة مع مسؤوليها مثل ناحية أريس مع أحمد أنواورة، وناحية عين التوتة مع المجاهد محمد الشريف بن عكشة وغيرها من الجهات.
شارك في عدة معارك بالمنطقة
ومن أهم المعارك التي قادها أو شارك فيها نذكر: معركة أحمر خدو سنة 1955، معركة أبريض، معركة فوشي، والمعركة الكبيرة التي وقعت في إيفري لبلح يومي 13 و14 جانفي 1956 بقيادة مصطفى بن بولعيد في الناحية الثالثة بالمنطقة الثانية قرب غوفي بغسيرة، ضمن مجموعة من المسؤولين ومعهم 280 مجاهدا و44 شهيدا وغيرها من المعارك.
وقد ساهم في نصب الكمائن بالمكان المسمى، القطار قرب مدينة مشونش بمعية أربعة من المجاهدين استطاعوا قتل عشر جنود من القوات الاستعمارية، وكمين آخر بمكان «أسروثان» على قافلة عسكرية بين تفلفال وتكوت، وكمين بتيغانمين سنة 1956 بمشاركة فرقتين من المجاهدين قتلوا وجرحوا فيها حوالي 150 عسكريا فرنسيا، وجرح مجاهد، كما قام بلقاسمي بهجوم على مركز العدو بتفلفال قتلوا فيها ضابطا فرنسيا برتبة ملازم ثاني، هذا الأخير سبق له وأن اعدم أربعة مناضلين.
وبمجئ العقيد عميروش إلى الأوراس سنة 1956، حاملا قرارات مؤتمر الصومام إلى قادة جيش التحرير بالأوراس، وبعد الجولات عبر المناطق والنواحي بالمنطقة، قام باستدعاء جميع المسؤولين إلى غابة كيمل ومنهم الشهيد بلقاسمي بن مسعود في اجتماع عام، وبعد التعديلات والتنظيمات الجديدة التي مسّت بعض القادة، عين الشهيد بلقاسمي بالولاية الثالثة بمنطقة القبائل من طرف العقيد عميروش، مما جعله يستجيب لنداء الواجب الثوري، ويتجه إلى هذه الولاية رفقة صهره عمار خذري.
وفي أواخر 1957 استشهد محمد بن مسعود، في معركة معززة بالطيران الاستعماري في منطقة القبائل بعزازقة وبالتحديد في أنزات بني يعلى.