1 ـ مكانة إيران في المنطقة والاتفاق المبدئي ليوم 02 أفريل 2015
أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم 1 أفريل 1979، وبعد عشرية من العزلة الدبلوماسية حاولت طهران إعادة التيار مع المجتمع الدولي، للتذكير شكلّت المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قطيعة تاريخية ومن جهته عبّر الرئيس روحاني منذ انتخابه شهر سبتمبر 2013، عن أمله في تحسين علاقة بلاده مع المجتمع الدولي سيّما ما يخصّ الملف النووي الذي تضرر خلال حكم سابقيه وهذا من خلال تهدئة العلاقات مع القوى الجهوية وخاصة القوى السنية منها وعلى رأسها العربية السعودية والتوترات الحالية في اليمن تشكل المحك.
حسب عدد كبير من الخبراء، فإن اليمن المتواجد على أطراف شبه جزيرة العرب ومنطقة نفوذ العربية السعودية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من الأولويات الإستراتيجية لطهران أو على الأقل لا يكتسي أهمية العراق وسوريا أين تعتبر إيران فاعلا أساسيا.
على الصعيد الجهوي تعتبر إيران فاعلا محوريا، كما يتضح من خلال أولويته في مكافحة داعش أين قدمت إيران دعمها في ذلك للنظام العراقي.
وبالمقابل دعمها لدمشق منذ اندلاع الأزمة السورية ولكن هذا الموقف يمكن أن يتطوّر في شكل دعم حكومة وحدة وطنية وفق مصالحها الإستراتيجية يكون فيها العراق وحزب الله في لبنان ضمن نقطة ارتكازها الرئيسية وفي هذا الإطار يدرج الاتفاق المبدئي مع إيران ليوم 02 أفريل 2015 . وبهذا وبعد ثمانية أيام من المفاوضات وقعت مجموعة الـ 5+1 أي القوى الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا)، وإيران على “النقاط الأساسية” التي ستشكل إطارا لاتفاق نهائي يتعلق باستئناف البرنامج النووي الايراني و هو النص الذي ينتظر الانتهاء من تحريره يوم 30 جوان. يجب التنبيه في البداية أن المفاوضات لم تجر في لوزان فقط، ولكن في فضائين دوليين آخرين أي في إيران و في الولايات المتحدة عبر إسرائيل.
في إيران أين ستواجه القوى الإصلاحية القوى المحافظة وبعد ذلك في الولايات المتحدة عبر اسرائيل أين نجد الأغلبية الجمهورية في الكونغرس مترددة بشأن اتفاق من هذا النوع.
عشية الاتفاق شهدنا احتفالات شعبية في إيران أين يعاني المواطنون من حصار خانق كما سأوضح ذلك لاحقا من خلال مؤشرات اقتصادية تبين مدى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد.
رحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالاتفاق مع إبداء تحفظات، اليكموه: “توصلنا اليوم نحن الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق مع حلفائنا وشركائنا إلى اتفاق تاريخي مع إيران، وفي حال شكّل هذا الأخير سبيلا لاتفاق نهائي شامل، فإن ذلك سيجعل بلادنا، حلفاؤنا والعالم أجمع عالما أكثر ضمانا وأمانا. إيران لن تنتج البلوتونيوم للاستخدام العسكري والاتفاق الذي تمّ التوصل إليه سيمنع طهران من إنتاج قنبلة بالاعتماد على اليورانيوم المشبّع”. الاتفاق وجد دعما لدى الرأي العام الأمريكي حيث أثبتت عمليات سبر أراء في الولايات المتحدة أن الرأي العام هناك مؤيد لاتفاق بشأن النووي الإيراني. في تحقيق أجرته الـ “واشنطن بوست” و آي.بي.سي 59%، من الأشخاص المستجوبين يؤيدون فكرة رفع مجمل العقوبات عن الجمهورية الإسلامية مقابل التوصل إلى اتفاق يحد من البرنامج النووي بصفة تمنع إيران من إنتاج سلاح نووي مقابل 31%، ضد هذا التوجه.
حسب كاتب الدولة الامريكي والجانب الأوربي، فقد اتفقت الأطراف على تخفيض مخزونات اليورانيوم المشبع الذي بحوزة إيران إلى 98% على مدار 15 سنة، وكذا انتقال أجهزة الطرد المركزي من 19000 وحدة حاليا إلى 6104 وحدة حسب الاتفاق القادم.
اعتبرت المستشارة الألمانية الاتفاق الإطار “خطوة مهمة” ستسمح بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي في اعتبرتا الصين وروسيا أنهما وقّعتا على اتفاق تاريخي، أما بالنسبة لفرنسا فقد انصب جام همها هو التوصل إلى اتفاق نهائي ذي مصداقية يمكن التؤكد منه بهدف طمأنة المجتمع الدولي من أن إيران لن يكون بمقدورها الحصول على السلاح النووي.
سيتم رفع العقوبات الأمريكية والأوربية تدريجيا على إيران وذلك بالتوازي مع مدى احترام التزاماتها وكل اتفاق نهائي يجب أن يكون مدعوما من مجلس الأمن الأممي. ولكن عشية الاتفاق أبدى رئيس الوزراء الاسرائيلي عدائية مجانية للتنديد بالاتفاق الإطار الموقع يوم 02 أفريل 2015، الذي يهدد اسرائيل ولن يوقف ـ حسبه ـ البرنامج النووي ولكن على العكس يفتح أمامها الطريق مؤكدا أن “الخيار العسكري يبقى مطروحا” ولكن حسب الكثير من الملاحظين ليس هناك أدنى شك أن اسرائيل ستقوم بمجازفة من هذا النوع.
ما تبّقى عمله للتوصل إلى اتفاق نهائي قبل 30 جوان 2015 سيستغرق ثلاثة أشهر من المفاوضات. إلى غاية ذلك سيكون للمحافظين الإيرانيين، متطرفو اليمين الإسرائيلي وحزب العمال الذي سيتخذ مواقف محسوبة أكثر فيما يخص الدولة الفلسطينية وسلام تفاوضي خاصة وأنه وحسب سبر الآراء التي أوحت أنه سيفوز بالانتخابات التي خسرها لصالح اليمين الذي أحدث موجة عندما عادت الغلبة إليه في آخر المطاف.
على العكس، اعتبرت الحكومة العراقية حليفة إيران أن الاتفاق يمكنه المساهمة في استقرار المنطقة، خاصة وأن انخفاض أسعار النفط أثّرت على الاقتصاد العراقي وحسب وزير النفط العراقي، فإن النزاع الحالي أدى إلى تراجع مداخيل العراق القادر على إنتاج 8 ملايين برميل يوميا بنسبة 50%.
حاليا وحسب معطيات عراقية، ينتج العراق حوالي 3.2 مليون برميل يوميا في الجنوب، 400.000 برميل تستغله داعش مباشرة (تقدير أعلى بعشر مرات مما قدمته مصالح الاستخبارات الغربية التي تعطي سعر 40 دولار من المصدر على حالته الخام بما يقارب 1.6 مليون دولار يوميا) يتم تصديره عبر تركيا و130.000 برميل موجهة للاستهلاك الداخلي لكردستان التي تمّ إبرام اتفاق معها على اقتسام المنتوج. وإذا أدى رفع الحصار إلى استقرار المنطقة، فإن العراق يمكنه إنتاج ما بين 8 و9 مليون برميل يوميا وإيران أكثر من 5/6 مليون برميل يوميا، وستسمح هذه العوامل بزيادة العرض وإبقاء سعر البرميل في حدود دون 60/70 دولار خلال عدة سنوات في حال عدم استئناف قوي لنمو الاقتصاد العالمي.
3 ـ امكانيات قوية، سعر البترول والوضع السوسيو - اقتصادي المتدهور
لدى إيران إمكانيات هائلة، فهي تمتلك ثاني مخزون من الغاز التقليدي العالمي والاحتياطي الرابع عالميا من البترول . تقع كذلك على حزام الاحتياط العالمي للنحاس وتستفيد من احتياطات هامة من معادن أخرى على غرار الحديد، الالمينيوم الرصّاص الزنك وهو كذلك بلد لديه امتياز اقتسام الحدود مع 15 دولة، كما يمكن لإيران أن تصبح بلدا ناشئا بكل سهولة، خاصة وأنه استثمر في المورد الأكيد وهو المورد البشري.
تتربع إيران على مساحة 1.648.000 كلم مربع ويبلغ تعداد سكانها حوالي 77.8 مليون نسمة ويعتبر اقتصادها الثاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن المؤشرات المكرو - مالية والمكرو - اجتماعية مثيرة للقلق، حيث إن نسبة البطالة ما بين 2013 / 2014، بلغت رسميا 12.9% في حين قدرها صندوق النقد الدولي بـ 30% و نسبة التضخم بـ 35.2 % كما بلغت خسارة الموازنة ما بين 2013 / 2014، نسبة 6% من الناتج الداخلي الخام، أي بانخفاض “ناقص” – 1.2% . حسب صندوق النقد الدولي الفائض الحالي فاق 26.3 مليار دولار (أي 6.6 % من الإنتاج الداخلي الخام) في 2012/2013 ( في حين كان 11 % ما بين 2011 / 2012 ) بـ 27.4 مليار دولار (أي 7.5 % من الناتج الداخلي الخام) في 2013 / 2014 في حين انتقل فائض ميزان المدفوعات من 12.2 إلى 3.28 مليار دولار. ويبقى أن الاقتصاد في غالبه يقوم على ريع المحروقات. وعند فرض العقوبات وتعميمها انخفضت المداخيل النفطية لإيران لتبلغ ربع مستواها الأصلي.
كما تمّ الإشارة إليه سابقا بلغ التضخم 35%، وفي مرات وخلال أشهر أخرى إلى مستوى قياسي، حيث ناهز الـ 50%، كما فقدت العملة الوطنية 80% من قيمتها وقفزت النسبة الفعلية للبطالة إلى 30% وبسبب النمو السلبي من خلال سيطرة القطاع العام على الاقتصاد بنسبة 80 %، وقطاع خاص محدود نسبيا وبهذا أصبح الاقتصاد في تبعية كبيرة للمداخيل النفطية التي تغذي المجال الاقتصادي والاجتماعي التي تمثل حسب مستوى رقم الأعمال ما بين 70 / 80 من مداخيل الدولة وفي هذه الحالة، فإن انخفاض أو ارتفاع سعر البترول سيؤثر على مداخيل الدولة وهنا يجب أن نوضح أن مبيعات مشتقات الغاز والمنتجات البتروكيماوية تدرج في قائمة الصادرات غير البترولية. الحصار كان له آثارا سلبية فقد تمّ تسقيف صادراتها من الخام في حدود 1 مليون برميل يوميا حسب بنود اتفاق جنيف المؤقت الذي تمّ تمديده إلى غاية جوان 2015. لهذا تركز الحكومة الايرانية على رفع الحصار لأن، ذلك سيسمح لها بتنشيط اقتصادها عبر التصدير. إيران تمتلك رابع احتياطي عالمي من البترول بأكثر من 160 مليار برميل أي (13 / 14% من الاحتياطات العالمية)، التي تسمح لها بكل سهولة بتصدير مابين 4 / 5 مليون برميل يوميا كما تمتلك ثاني أكبر مخزون من الغاز التقليدي بأكثر من 34.000 مليار متر مكعب أي أكثر من 16%، من الاحتياطات العالمية وهذا دون احتساب أن إيران يمكنها استرجاع حوالي 100 مليار دولار من أموالها المجمدة في البنوك الأجنبية التي يمكنها مضاعفة صادراتها واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى ذلك هناك الإصلاحات الداخلية التي أطلقتها إيران لفترة ما بين 2015 / 2016، بهدف مضاعفة مداخيل الضرائب أين تعمل إيران على المضي في الخوصصة وكذا العمل على خفض نفقات الدولة (نفقات التسيير ومرتبات الموظفين) وتبعا لهذه الوضعية أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 31 مارس 2015، أن حكومته تريد إخراج اقتصاد بلاده من الكساد. والهدف هو الإنعاش الاقتصادي والتحكم في التضخم الذي بلغ ـ حسبه ـ 40% سنة 2014، والبلد سيواجه ركود تضخمي غير مسبوق وطويل الأمد لهذا لا بد من سياسة تنموية تحتاج إلى إمكانيات مالية ضخمة وكذا لرفع العقوبات.
في خطابه، حدّد روحاني 10 نقاط من الناتج الداخلي الخام في حالة تراجع من ضمن مجمل المداخيل منذ 2010، إن الصعوبات في المعاملات المالية الدولية سرّعت ركود الاقتصاد الإيراني الذي بلغ 1 من 3 على 4%، من الناتج الداخلي الخام وخسارة كلية بلغت 2 من 1 على 4%، من الناتج الداخلي الخام لسنتي 2013 / 2014، وأنه خلال السنة الفارسية 1391 (مارس 2012 ـ مارس 2013)، كان النمو سلبي بنسبة 1.1% ويضاف إلى كل ذلك حصيلة صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن الأداء المكرو-اقتصادي للبلاد تقهقر بسبب تشديد العقوبات الدولية سنة 2012، ما يفسّر أن الحكومة الإيرانية بدأت وقف الدعم تدريجيا عن الطاقة وهي بداية مسار ارتفاع سعر الوقود، الكهرباء وخدمات عمومية أخرى. واضطرت لأول مرة إلى بيع الدولار في السوق لدعم العملة الوطنية التي تضررت كثيرا.
وبهذا وجدت الحكومة الإيرانية وخاصة الإصلاحيين أنفسهم أمام تحديات داخلية كبيرة تتطلب إصلاحات بنيوية معتبرة على مستويات ثلاث: المستوى الأول: الدعم المعمم غير المؤطر أصبح مصدرا للتبذير، وكذا حالات الريع و تحويل الأموال التي تشكل سبب آخر لنزيف مستدام للاقتصاد الإيراني الذي يمنع توجيه الثروات إلى الإنتاج داخلي وتنمية البلاد.
المستوى الثاني: على إيران الحفاظ على أمنها ولكن بالمقابل خفض النفقات الكبيرة الموجهة للآلة العسكرية بسبب التوترات الجهوية ومنها الموجهة للبرنامج النووي ذي الأهداف العسكرية والاتفاق ينص على برنامج نووي مدني، البرنامج الباليستي الضخم وسياسات التدخل على المستوى الدولي التي تحتاج إلى مساعدات مالية.
المستوى الثالث: المتضمن إعادة هيكلة السلطة في إيران وخفض نفوذ الحرس الثوري الذي يتحكم في جانب كبير من الاقتصاد الإيراني ودون الخضوع إلى القانون المتعلق بالضرائب يحتكر النشاط الاقتصادي من خلال الحصول على عائدات ضخمة من قطاعات: النفط، الغاز، البتركيماويات، شبكات الهاتف والإعلام الآلي، صناعة السيارات،الحديد الصلب، الاسمنت، المواد الغذائية، المواد الصيدلانية، وهذا علاوة على قطاع الطرقات، البنوك، والتأمين. وحسب محللين يعتبر جهاز الحرس الثوري من أكبر الكارتيلات في العالم حيث يتحكم في أكثر من 50% من الوارادات الإيرانية وربع صادرات هذا البلد.
في الأخير، إن رفع الحصار الدولي على إيران واستئناف نشاطها الاقتصادي يمكنه إبطال مفعول التوترات التي تعرفها المنطقة وأن إيران في حال تنظيمها للانتخابات البرلمانية المقررة في مارس 2016، وفي حال أسفر الاتفاق الإطار ليوم 02 أفريل 2015 عن التوصل إلى اتفاق نهائي قبل 30 جوان 2015، فإن ذلك سيعيد رسم الخارطة الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط.