وأنا أتلقى خبر وفاة الممثل القدير سيد علي كويرات، انتقلت مخيلتي بعيدا إلى فيلم «العصا والأفيون»، الفيلم الذي قدم فيه الفقيد كل قدراته الفنية، متقمصا شخصية المجاهد البطل «سي علي»، الذي لا ينحني ولا يركع أمام قساوة المستعمر... لست أدري، كلما تذكرت سيد علي كويرات تذهب أفكاري إلى هذه المرحلة من مساره الفني، رغم أنه ساهم في المشهد السينمائي والمسرحي بعشرات الأفلام والأعمال المسرحية والتلفزيونية، ربما لأن الدور الذي قاده إلى تقمص شخصية علي المجاهد، أثارت الكثير من التجاذبات والأسئلة التي ربما لا يهضمها الكثير منا، فقد كان له الدور البارز في الأحداث المفصلية التي قام عليها الفيلم واقترانه بالشخصيات التي كانت إلى جانبه، من الذين افتقدناهم أيضا... المشاهد الجزائري الذي لا يعرف كويرات الممثل والشخصية الفنية، يعتقد وهو يشاهده، لأول مرة، يتحدث إلى القبطان الفرنسي في القبائل الكبرى، كأنه الوصي الوحيد والناطق الرسمي لسكان الدشرة... حتى فرّوجة والعيد وبشطارزي لم تكن لهم تلك الحبكة والعقدة التي رسمها المخرج في صورة الفقيد... طبعا لاعتبارات عديدة، من بينها أنه جامع لكل الأدوار وصادق عندما يتعلق الأمر بمصير الثورة.
جمع بين الجد والهزل… بين المتعة والتشويق… بين القسوة والرأفة... بين الخير والشر… كلها ثنائيات مثلها بصدق وإحساس بارع، لرجل متمكن يعلم ماذا يريد.
نهاية سي علي في «العصا والأفيون»، كانت نهاية مأسوية لم يكن ينتظرها أحد، حتى جلادو فرنسا الاستعمارية، تفاجأوا للقرار الذي صدر من الحاكم الفرنسي بإعدامه رميا من الطائرة، ربما هو الانتقام من الرجل، لأنه رفض الركوع لفرنسا، أو ربما هي النهاية التراجيدية التي أرادها المخرج لشخصية سي علي المقاوم والمكافح... شتان اليوم بين سي علي الأمس، وسيد علي اليوم، لو أن الزمن يعود إلى الوراء قليلا لتمكن الرجل من مغالبة المرض... لكن هيهات… هيهات، القدر أراد له أن يرحل من سرير المرض الذي حمله لأشهر عدة... وكأني به يقول للمرض، اتركني وشأني أنا الرجل الذي لا يركع؟؟؟؟؟ فابتعد عن المشهد السينمائي والمسرحي بعدما أنهكه المرض، وقليلا ما كان يحضر لقاءات تقام لتكريمه، فيعتذر، بكل أسف، لأن المرض لا يستأذن أحدا...
مثل سيد علي كويرات في الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، منها، «وقائع سنين الجمر، هروب حسان طيرو، عودة الإبن الضال، الشبكة رايحة والضحايا»...
كما مثل في عديد المسلسلات، من بينها «المشتبه فيهم، الأجنحة المنكسرة، اللاعب»… وغيرها من الأعمال الأخرى، كما أن له أيضا بعض المسرحيات.
هكذا تنطفئ شمعة أخرى أضاءت المشهد السينمائي والمسرحي الوطني، «علي موت واقف» يرحل من سرير المرض.