طباعة هذه الصفحة

سعـــدان شبايكي، رئيس جمعية الاقتصاديين الجزائريين لـ “الشّعب”:

تجاوز “الأزمة” عبر تنمية الادخار ومكافحـة الاقتصــاد المـوازي

أجرى الحوار: سعيد بن عياد

يشخص الدكتور سعدان شبايكي، أستاذ بجامعة الجزائر 3 ورئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين التوّجهات النقدية والمالية لسنة 2014  التي قدّمها بنك الجزائر محددا نقاط القوة والضعف، كما يدعو في هذا الحوار إلى العمل على تنمية الادخار الوطني كخيار يساعد على تقليل حدة الصدمة المالية جراء انهيار أسعار المحروقات. وفي ذات الإطار يقترح إعادة صياغة نمط الاستهلاك المحلي لتجاوز التحديات التي تلقي بظلالها على الساحة جراء انكماش احتياطي الصرف، ومن ثمة اللجوء إلى ضبط الاستيراد. كما يتوقف عند دور البنوك في تمويل الاستثمار ومكافحة تهريب رؤوس الأموال ضمن مسار فعّال لمكافحة الفساد الذي يستنزف الموارد، وفيما يلي مضمون الحوار:

«الشّعب”: مؤشرات الوضعية المالية والنقدية تطلق ضوءا أحمرا بالنظر لتراجع احتياطي العملة الصعبة وتدني قيمة العملة الوطنية. ما هي قراءتك لتلك الارقام وما هي القدرات لمواجهتها دون اخلال بالوضع الاقتصادي والاجتماعي العام؟
 سعدان شبايكي: صحيح المؤشرات الأولى تنبئ بوضعية غير مريحة قد يعيشها الاقتصاد الوطني ذلك أن الانخفاض المسجل في الاحتياطي من العملة الصعبة سببه الرئيس هو انخفاض سعر البترول الذي انجرت عنه أسباب ثانوية تتمثل في:
فاتورة الواردات التي لم تنقّح بعد ولم يصدر بشأنها تنظيم فهي لا تزال تستهلك حصة الأسد من عائدات البترول إلى غاية الآن والمتفحص للاستيراد في سنة 2014 يجد مبدئيا أن نسبة 35%  منها تضم مواد لا لزوم لها (مواد تجميل و تنظيف ، لعب و مفروشات، قرطاسية، مأكولات كمالية ،.....) و بالإمكان توفيرها محليا أو على الأقل تنقيحها فهي أحيانا مكررة .
•ضعف أداء ميزان المدفوعات الذي يحتاج إلى تسيير دقيق عن طريق المتابعة الدقيقة لهيكل المدفوعات و المقبوضات ليسهل بعد ذلك معرفة ما يمكن اتخاذه من سياسات في الإتجاه الصحيح.
إن مواجهة هذه الوضعية في ضوء ما تشهده سوق الطاقة يفرض ما يلي :
إعادة النظر في نموذج الاستهلاك المحلي للطاقة، فالجزائر هي البلد التي يوجد بها أرخص لتر بنزين في العالم. ومن ثمة فإن نموذج الاستهلاك الوطني مضر على أكثر من صعيد فالاستهلاك المفرط للبترول و مشتقاته أدى إلى توسع في حظيرة السيارات و أدى إلى تلوث بيئي خطير يستنزف هو الآخر موازنة الدولة بما يسببه من أمراض و مستوردات لقطع الغيار، وبناءً عليه فإنه يجب ربط أسعار الطاقة محليا بأسعارها في السوق الخارجي و لا يعني الربط الرفع الدائم، بل رفع السعر المحلي عندما ينخفض السعر الخارجي وهكذا.
استثمار جزء بسيط من الاحتياطات من العملة الصعبة في الخارج في مجالات تدر عائدات مالية سنوية (عقارات ، استثمارات منتجة ، ...)
إعادة النظر سريعا وتنظيم الاستيراد ( انتقل من 8 مليار دولار في سنة 1999 إلى 60 مليار دولار في سنة 2013 ) الذي كانت تكاد فاتورته تستهلك العائدات المالية البترولية و أصبحت الآن تحتاج إلى أموال من خارج العائدات البترولية لتغطيتها.
إيجاد آليات جديدة ليصل الدعم، الذي ينهك موازنة الدولة، إلى مستحقيه وذلك بتغيير الآليات القائمة الآن التي جعلت من الدعم مائدة مفتوحة للجميع.
مشكلتـــــان أمــــــام الادخـــــار
 بالمقابل كشفت الحصيلة المالية لبنك الجزائر معطيات مشجعة مثل تمويل الجهاز الاقتصادي ومراقبة التضخم. لكن ماذا عن الادخار المالي الوطني وكيف يمكن النهوض به خاصة بالنسبة للأسر؟
 إن الادخار المالي في الجزائر يعاني من مشكلتين هامتين:
الأولى تتعلق بالبيروقراطية والروتين الممل المتولد عنها الذي يطبع عمل بنك الصندوق الوطني للادخار، فهو لا يزال يسير بالعقلية البالية التي تنفّر المدخرين في التعامل معه فإذا أردت مثلا أن تحصل على شهادة فوائد لمجموعة سنوات فلابد من الانتظار طويلا أو اللجوء إلى البحث عن تدخلات.
والمشكلة الثانية تتمثل في ابتعاد أموال ما يزيد عن نصف الجزائريين عن المؤسسات المالية بسبب قضية الفائدة.
ولذلك فإن تعبئة الادخار مسألة تحتاج إلى براغماتية أولا و قرار سياسي ثانيا،  ويعني ذلك أن الدولة مدعوة الى البحث عن آليات تعبئة هذه المدّخرات التي أصبحت تصّب في خانة الاقتصاد غير الرسمي(السوق الموازية)، الذي كله مخالفات قانونية ناهيك عن أنه خطر على التنمية والاستقرار العام للمجتمع، ناهيك عن الخطورة الكبيرة على الاقتصاد، ذلك أن نسبة النقد المتداول فيه خارج الدائرة الرسمية التي تقارب الـ 45 % و هذا الأمر تنجر عنه تعقيدات اقتصادية كبيرة ناهيك عن الكسب و التهرب الضريبي(الفساد).
إن تعبئة المدخرات لصالح الاقتصاد تفرض نفسها اليوم بإلحاح مفرط وكما أشرت إليه فإن البحث عن آليات جديدة لتسهيل تسيير الادخار و ربط ذلك بفوائد مادية و معنوية بالنسبة للأسر أمر ضروري وربما مستعجل.
 بالتأكيد إن انهيار أسعار المحروقات منذ منتصف جوان 2014 ألحق ضررا بالموارد المالية للجزائر، كيف يمكن تعويض تلك الخسارة المالية علما  ان الدولة أكدت التزاما بمواصلة تنفيذ برامج  الإستثمار والتنمية مستقبلا؟
 ذكرت في الإجابات السابقة أن تعويض هذا الضرر يمكن عن طريق :
إعادة النظر في أسعار الطاقة في الجزائر (بترول و مشتقاته و كذلك الكهرباء و الماء) لأنها مواد تباع أحيانا بنصف كلفتها وهذه ذهنية اقتصادية غير منطقية
إيجاد صيغ تمكن في إيصال الدعم إلى مستحقيه العمل على التواجد خارجيا في مجال الاستثمار بتشجيع المؤسسة الجزائرية على ايجاد مكان لها في السوق الخارجي تفعيل دور الممثليات الدبلوماسية في الخارج للبحث عن كافة الفرص المتاحة للمؤسسة الجزائرية و للإستثمار خارجيا وداخليا استثمار جزء بسيط جدا مبدئيا من احتياطات البلد من العملة الصعبة في الخارج عبر صندوق سيادي قائم على معايير دقيقة.
منظومة تمويلات اجتماعية متكاملة
 هناك من يدعو إلى إعادة النظر في السياسة الاجتماعية بل بعضهم ينادي بوقف  الدعم. كيف يمكن  تمويل الجوانب الاجتماعية وفقا لمعايير العقلانية في الإنفاق  بذهنية اقتصادية؟
 إن خيار التوفيق بين الجانب الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر أمر لا أحد ينكره و لا أحد يدعو إلى التراجع عنه بل الأمر فقط يكمن في غربلة السياسة الاجتماعية المنتهجة عبر سبل جديدة تجعل ما يوجه للجانب الاجتماعي يأتي بنتائجه فتتحقق الأهداف المسطرة بما يقود الى بناء منظومة تمويلات اجتماعية متكاملة كفيلة بأن تنتج في المديين المتوسط مكاسب تساهم في بناء النمو. وقد بذلت الجزائر ولا تزال الكثير من الجهود في هذا المجال الذي يتطلب إحاطته بضوابط وأدوات مراقبة تساهم في ترشيد البرامج وعقلنة الإنفاق.
للأسف  يتحمل الجهاز الاقتصادي تبعات  الفساد الذي أعلنت الحكومة مكافحته، كيف يكون ذلك بحيث يمكن  بناء منظومة  لمراقبة الموارد ومنع تبديدها دون المساس بقواعد اقتصاد السوق وحرية المبادرة؟
إن مكافحة الفساد في رأيي المتواضع تبدأ أولا بإعادة مصداقية المرفق العام لدى المواطن الذي اعتاد سماع الحديث عن مخالفات وجرائم وو.. و لكن تمر كمرور الأحداث العادية إلى درجة أنه ترسخ لديه اللاعقاب.
 غير أنه لابد من اعتماد سياسة اتصال شفّافة مع المواطن كلما تعلّق الأمر بقضايا فساد و أخيرا التطبيق الصارم للقانون بحيث يجب رد الاعتبار لمفهوم المال العام وإحاطته بكل الأدوات التي تحصّنه من خلال المرافقة والمراقبة لعمليات وبرامج الاستثمار والتسيير.
 يقع على عاتق البنوك دور جوهري في مراقبة حركة رؤوس الأموال ومكافحة تهريبها من جانب و أيضا تأمين القروض لتمويل الاستثمار من خلال مرافقة مشاريع المؤسسة الإنتاجية. ما هي قدرات  الجهاز المصرفي في القيام بهذا من أجل دفع النمو؟
 البنوك في الجزائر لا تزال بعيدة من جانب المناجمنت (التسيير الحديث) عن متطلبات الاقتصاد و التنمية و الاستثمار . فيكفي أن نعرف أن اعتماد بطاقات التسديد لا يزال غير معمّم، فلو اعتمد ذلك فإنه سيشكل بداية لتحولات لاحقة تنصرف إلى التحكم في المال عموما وتوجيهه نحو الاستثمار المنتج بالسرعة المطلوبة في الزمان و المكان المطلوبين خاصة وان السوق مفتوحة وجذابة.
مضاربة مكشوفة للعملة الصعبة
لكن بالمقابل لايزال نشاط  الإقتصاد الموازي حقيقة مثل المضاربة في  العملة الصعبة. ما مدى تأثير هذه الممارسات على قيمة العمل المنتج من حيث عنصر القيمة المضافة في وقت  تبذل فيه الدولة جهودا في  الاستثمار المنتج؟
 حقيقة، لقد أشرت إلى ضرر الاقتصاد الموازي الذي سببه التهرب من الضرائب أصلا فهو يعرقل النمو الاقتصادي، وسبب يوسع من مساحة الاحتكار ويغذي الندرة ويؤدي أحيانا إلى التضخم والتهريب وكلها أعمال تقع في خانة الفساد. وليس خفيا على أحد تطور هذا الاقتصاد في الجزائر الآن و وصوله إلى درجة تشكيل خطر على المجتمع يضر بالاقتصاد وبالمؤسسات وبالتالي فإن الاقتصاد الموازي عموما التلاعب بالعملة ينذر بأوخم العواقب مما يستدعي اتخاذ الترتيبات اللازمة لكسر شوكته.
عودة الى حركة رؤوس الأموال، لقد برزت ظاهرة استنزاف الموارد المالية بشكل يهدد الإقتصاد  الوطني. كيف السبيل إلى الحد من هذا الإستنزاف والتحكم في التحويلات . وماذا عن دور البنوك الأجنبية في ذلك؟
 أولا فروع البنوك الأجنبية الموجودة في الجزائر هي فروع لبنوك رائدة في مجال المال و الأعمال، وتعمل في ظروف مواتية هنا على اعتبار مستوى الأداء الإقتصادي القائم في الجزائر مقارنة مع بلد المصدر. وتساهم بالتالي في تهريب الأموال بأشكال قانونية في الوقت الذي لا تزال  بنوكنا لم تتطور إلى المستوى الذي ينافس هذه البنوك و من ثمة فإن الدولة مدعوة إلى تطوير الأداء في مؤسساتنا المصرفية على المستوى المناجريالي أولا ثم اعتماد التقنيات الحديثة لتعبئة الأموال والدخول الى عالم الإستثمار عبر الإستشراف خاصة. ويمثل الاستشراف، خاصة المالي، بمتابعة المؤشرات العالمية أحد المسارات التي ينبغي للمنظومة البنكية ان تعتمدها ليس بذهنية بيروقراطية سلبية إنما بعقلية تقوم على الذكاء الاقتصادي والقدرة على ادراك التغيرات وتأثيراتها مبكرا.