تفتقد معظم الأحياء الشعبية بتيبازة للفضاءات الترفيهية للأطفال، لاسيما تلك التي أنجزت حديثا بحيث يعمد القائمون على مشاريع السكن إلى إدراج أكبر عدد من السكنات بالمواقع المختارة على حساب وسائل الراحة والترفيه، ممّا أفرز واقعا اجتماعيا مريرا أضحى يشكو منه عامة الساكنة بالنظر إلى اضطرار الأطفال للعب بالشوارع بدلا من الفضاءات الخاصة بهم.
ففي جولة ميدانية قادتنا إلى العديد من مشاريع السكن المنجزة خلال العشرية الأخيرة، تبيّن ميدانيا بأنّ فضاءات تسلية وترفيه الأطفال لم تعد تندرج ضمن اهتمامات القائمين على ذات المشاريع، بالرغم من جدية التوجيهات التي بادر بها فخامة رئيس الجمهورية المتعلقة بهذا الشأن، والتي مفادها تجنب تحويل الأحياء السكنية إلى مجرّد مراقد للنوم، بحيث أفرز هذا الواقع جنوح الأطفال للعب بالشوارع في ظروف تحمل في طياتها الكثير من المخاطر واحتمالات السوء، كما يلجأ الساكنة في الكثير من الحالات إلى المطالبة بتكثيف الممهلات على مستوى الشوارع والأزقة لهذه الأسباب، لاسيما وأنّ العديد من الشوارع المحاذية للأحياء تحولت إلى فضاءات قارة لمختلف الألعاب ككرة القدم
والكريات والغميضة وغيرها. ولم تتجرّأ مختلف بلديات الولاية على إدراج فضاءات للعب ضمن مشاريعها التنموية، باعتبارها ليست من الأولويات التي يطالب بها المواطن لتبقى بذلك فئة الأطفال عرضة لأخطار عدّة بالشوارع، تأتي في مقدمتها حوادث المرور والانحراف الاجتماعي.
وأفرز انعدام وسائل الترفيه والتسلية بمختلف الأحياء الشعبية بالولاية إلى تصاعد وتيرة الاستثمار في الفضاءات الترفيهية من طرف مختلف الجهات العمومية والخاصة، في بادرة تهدف في ظاهرها إلى استدراك النقص الفادح المسجّل في هذا المجال، إلاّ أنّ الوجه الخفي من ذات المشاريع له طابع تجاري بحت كثيرا ما يضيف عبئا كبيرا على كاهل الأولياء.
وفي ذات الاطار، فقد حظي أحد المستثمرين الشباب بصفقة إنجاز فضاء حر للألعاب والتسلية بالقرب من مدينة بوهارون بعدما استفاد من قرض مالي قدّم له في إطار دعم تشغيل الشباب، بحيث استغلّ الشاب قدوم العائلات للتنزه والراحة بالغابة المجاورة على مدار السنة لاقامة مشروعه الاستثماري الذي باركه أهل المنطقة والجيران، باعتباره يوفر لهم العديد من فرص الشغل والعمل الزائد لاسيما خلال أيام نهايات الاسبوع
والعطل. ومن المرتقب أن يتحول ذات الموقع إلى قبلة واعدة لأولياء الأطفال مستقبلا بالنظر إلى انعدام فضاءات مماثلة بالمنطقة خارج موسم الاصطياف، كما تترقّب مصالح الوكالة الوطنية لتسلية الشباب حصولها على رخصة استغلال حديقة التسلية بعاصمة الولاية قريبا عقب تقديمها لعرض يتعلق بهذا الشأن لأمانة اللجنة الولائية لمنح رخص استغلال الفضاءات الغابية للترفيه والتسلية، مع الاشارة إلى أنّ الوكالة كانت ولا تزال تستغلّ ذات الفضاء منذ 9 سنوات خلت بموجب عقد أبرمته مع مديرية الشباب والرياضة وبلدية تيبازة، وهي الآن تتأهّب لتجسيد مشاريع ترفيهية أكثر فاعلية وتقبّلا من لدن فئة الأطفال مقارنة مع المرحلة السابقة بالنظر إلى خصوصية الرخصة المرتقب الحصول عليها، والتي تمتد على مدار 20 سنة كاملة مثلما أشار إليه سليم ثابت، مدير مخيم الشباب بتيبازة والمسيّر المؤقت لهذا الفضاء حاليا، غير أنّ قلّة الامكانات المتوفرة بالحديقة طيلة العشرية المنصرمة لم يمنع العائلات
والجمعيات والهيئات المختلفة من نقل أبنائها إلى الحديقة، مع الاستعانة بفرق محلية للتنشيط والتسلية.
وغير بعيد عن حديقة التسلية بعاصمة الولاية، يتربّع مركّب عبد الوهاب سليم الثقافي، تسيّره مصالح الديوان الوطني للثقافة والاعلام والذي يعكف بدوره على التكفل بجانب مهم من ترفيه وتسلية الأطفال من خلال برمجة عروض ترفيهية ومسرحية أمسية كل جمعة على مدار السنة، إضافة إلى برامج متنوعة خاصة يتم إدراجها خلال العطل الفصلية والسنوية، وهو الفضاء الذي أضحى يستقطب المزيد من أبناء الولاية بالنظر إلى خصوصية العروض المقدمة، والتي تتيح للطفل الاسترخاء والتخلص من ضغط الدراسة.
ولا يختلف عن ذلك برنامج دار الثقافة بالقليعة، الذي يعدّ لهذه الفئة ورشات للتكوين والتسلية على امتداد الموسم الدراسي، إضافة إلى برامج خاصة بالترفيه والتسلية خلال العطل، إلا أنّ ذات البرامج تبقى موجهة لفئة دون غيرها، بحيث تبقى الفئات المحرومة غير القادرة على نقل أبنائها إلى هذين الفضائين في أمسّ الحاجة لبدائل أخرى تتناسب ووضعياتها الاجتماعية المزرية.
اللاّهثون وراء الرّبح السّريع
يشكو مختلف القائمين على تسيير الفضاءات الكبرى للترفيه والتسلية للأطفال بالولاية، من مزاحمة اللاهثين وراء الربح السريع لهم، لاسيما أولئك الذي يستغلون الموقع لتحصيل حقوق توقف المركبات، والتي لا تقلّ عن 100 دج في أسوء الأحوال، بحيث يعمد هؤلاء الى التربّص بضحاياهم
وإرغامهم على الدفع عن طريق الترهيب بالرغم من كون الموقف يكون عادة مرفقا بفضاء الترفيه، ولا يعقل بأن تسيره عدّة جهات، ممّا أفرز حالة من الرعب والامتعاظ لدى العديد من زوار ذات الفضاءات، الذين التقينا بهم عن طريق الصدفة.
وفي سياق ذي صلة، قال المسؤول عن التحصيل بحديقة التسلية لعاصمة الولاية، بأنّه يجد أحيانا صعوبات جمّة لإقناع الزوار بالدفع مقابل الدخول إلى الحديقة بالنظر إلى كون المتطفّلين قد قبضوا منهم حقوق ركن سياراتهم بالموقف المجاور بطريقة غير حضارية، مع الاشارة إلى أنّ ذات الموقف يفترض بأن يكون تابعا للحديقة ولا يحق لأحد الاستفادة من حقوقه.
الأمر نفسه يتكرّر بمنطقة شنوة بالقرب من مركب عبد الوهاب سليم، بحيث لا يتأخّر المتطفّلون عن قبض حقوق توقف المركبات عند حلول مختلف المناسبات الدورية، التي يشهد خلالها المركب تظاهرات ثقافية أو ترفيهية مميزة، مع العلم أنّ حضور التظاهرات لا يكون بالمجان عادة، ومن ثمّ فإنّ ولي الطفل يجد نفسه محاصرا من لدن جهات عدّة تطالبه بالدفع مقابل الترفيه في ظروف آمنة.