«المؤسسـة مصـدر حقيقـي لإنشــاء مناصــب العمـل وإنتاج الــثروة”
يشرح مصطفى مرزوق رئيس الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين في هذا الحوار أبعاد التنظيم الجديد للنسيج الاقتصادي العمومي بالتوجه إلى إنشاء مجمعات تضم مؤسسات صناعية، كما يوضح الموقف من الشراكة بين القطاع العام ونظيره الخاص محددا شروط نجاحه في الميدان، كما يحدد الدور الذي يلعبه الاتحاد كطرف فاعل في الساحة الاقتصادية مبرزا الدور الكبير للحوار الاجتماعي في ضمان وتيرة فعالة للمؤسسة الجزائرية عامة والعمومية خاصة في ضوء التوجه إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مما يستدعي تحرير المبادرة في ظلّ القانون والشفافية، وفيما يلي مضمون الحوار:
الشعب: يعرف القطاع الاقتصادي العموي إعادة تنظيم جديدة، ماذا تنتظرون من هذه المرحلة خاصة فيما يتعلق بالانتاج؟
مصطفى مرزوق: إن إعادة تنظيم المؤسسات الاقتصادية العمومية كما يجري إنجازه بإشراف وزارة الصناعة يهدف في الجوهر إلى جمع المؤسسات في شكل مجمعات قوية تحقق ديناميكية من أجل تعزيز النسيج الاقتصادي للبلاد والتوصل إلى تحريره من التبعية للمحروقات. وإرادت الحكومة باللجوء إلى الصيغة التنظيمية الجديدة بإدماج مؤسسات في مجمعات بأن تتحول المؤسسة إلى مركز لإنتاج الثروة ونحن ننتظر صدور ورقة الطريق، وأظهرت التصريحات الرسمية من الجهات المشرفة على العملية أن المجمعات الصناعية تتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار بحثا على توسيع مجالات نشاطاتها من خلال مخطات التنمية وأن المؤسسة هي مصدر الثروة والحلقة الأساسية في بناء الشراكة العمومية والخاصة وكذا تنشيط إقامة شراكة مع متعاملين أجانب. ويتم مرافقة هذا المسعى بإرساء استراتيجية للبحث والتنمية قصد تمكين المؤسسة الجزائرية في النتيجة المحصلة من تقوية تنافسيتها وتعزيز موقعها في السوق المحلية والطموح إلى الحصول على حصص في الأسواق الخارجية.
بالطبع أن نجاح كل تنظيم هيكلي يتوقف على مدى الصلاحيات المخولة وأملنا أن يتم انتقاء مسؤولين مسيرين للمجمعات الصناعية من ذوي الكفاءة والقدرات على تحقيق الأهداف المسطرة، ونسجل في هذا السياق من خلال الكفاءات المعينة لتولي عدد من المجمعات المعلن عنها قبل فترة وجيزة من طرف وزارة الصناعة أن الموارد البشرية التي حظيت بالثقة كمسيرين يراهن عليهم لرفع التحدي تتوفر على الكفاءة ونتمنى لهم التوفيق.
لدى الشركاء بما في ذلك الحكومة قناعة بإنجاز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص كهدف حيوي، برأيكم كيف يتم إنجاز هذا الهدف؟
المطلوب من هذه الشراكة أن يتم تجميع كافة القوى والموارد التي تتوفر عليها المنظومة الاقتصادية خارج المحروقات من أجل تموقع المؤسسة الاقتصادية الجزائرية بشكل جيد ومربح في السوق الوطنية أولا والتوسع بالتدريج نحو مختلف الأسواق الخارجية خاصة الإقليمية.
الحقيقة أن هناك موارد وقدرات قوية في مؤسسات القطاعين ويمكن البناء عليها لتشكيل شراكة قانونية بحيث تتحوّل المؤسسة إلى مصدر اقتصادي حقيقي منشئ لمناصب العمل وإنتاج الثروة، لكن حتى يتجسد هذا وبشكل سليم هناك شرط جوهري هو أن تكون المشاريع التشاركية بعيدة كلية عن أي مضاربة، ولذلك فإن إحاطتها بالشفافية أمر جوهري وضروري لتأمين انطلاقة قوية ومتينة، خاصة وأن الظرف الراهن يحفزّ على المبادرة ويضمن فرص النجاح خاصة وأن الجدل الإيديولجي حول طبيعة المؤسسة الجزائرية وتمييزها بين عمومية وخاصة قد زال وانتهى بعد أن أصبح من الماضي وكذا بعد أن تبينت محدودية الرهان على الاستثمار الأجنبي المباشر بسبب عدم تحقّق الأهداف المرجوة منه.
وهنا أشير إلى أن الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين من أنصار المؤمنين بأن الجزائر يبنيها أبناؤها، كما نرحب بكافة المشاريع الجادة وتصبّ في خدمة مصلحة البلاد قبل مصلحة الأشخاص. وللتأكيد على هذا التوجه أي الدور الاقتصادي للمؤسسة العمومية أعيد بالذاكرة إلى موقف اتحاد المقاولين العموميين في مطلع التسعينات، حينما أعلن أن المؤسسة العمومية تنخرط في ميكاميزمات السوق مثل باقي المؤسسات الخاصة.
كما بودي أن أوضح في هذا الصدد، بأن ليس لدينا أي طابوهات وإذا كان هناك متعامل اقتصادي جزائري يعرض أفضل مما يعرضه متعامل أجنبي لإقامة شراكة ضمن العمل بأداوت الشفافية فسيرحب به بسرعة، علما أن هناك حاليا جملة من المقاربات في انتظار ورقة الطريق للمجمعات الجديدة، كما توجد أفكار حول مشاريع تحتضن مشاريع شراكة ذات جدوى.
المؤسسة العمومية مدعوة هي الأخرى للاستثمار في الخارج وفقا للترتيبات الأخيرة التي أعلنها بنك الجزائر قبل مدة، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
التحدي الأول في الظرف الراهن بناء أسس التخلص من التبعية للمحروقات وهو أمر ضروري، غير أن الأولوية تتمثل في العمل على بناء منظومة إنتاجية تكفّل بتلبية الطلب الداخلي كمًّا وجودة وسعرا، أي بامتلاك عنصر التنافسية في سوق مفتوحة، ثم لم لا، تليها مرحلة التوجه إلى التصدير نحو أسواق خارجية يمكن التموقع فيها، خاصة وأن عمليات في العمق قد تحققت لدى المؤسسة العمومية من تحديث وتجديد لأداوت الإنتاج وتكوين للموارد البشرية وهي عناصر تشجّع على ذلك، خاصة وأن هناك مؤسسات تملك قدرات في هذا الشأن أي ولوج أسواق خارجية، كما أن العمل بأسلوب جمع القدرات في مواجهة تلك الأسواق عند الاستيراد منها يساعد المؤسسات على تقليص النفقات واقتصاد الموارد، إنها ايجابيات الأسلوب الجديد في بعث روح المؤسسة القائمة على المبادرة والثقة في الكفاءات الوطنية.
تواجه المؤسسة الاقتصادية عراقيل في الميدان، ماهي طبيعتها إن وجدت، وما مدى تأثرها بالمحيط من حولها؟
الواقع أن المؤسسة لا يمكنها أن تتطور إلا في محيطها، وقد سجّلنا في هذا الموضوع عدة إجراءات أعلنها الوزير الأول ترمي إلى تحسين محيط الأعمال والاستثمار، والملاحظ أن هذا المحيط يعرف تحسنا ملحوظا ومستمرا إذ توجد مثلا حالة وعي وشعور بالمسؤولية الاقتصادية لدى مختلف الأطراف المعنية على غرار الجمارك وهذا المسار يتطلب ديناميكية مستمرة وفعالة يجب القيام بها من طرف الجميع.
بالنسبة إلينا بصفتنا مسيرين أرى أنه يجب علينا التوقف عن ترديد خطاب يغلب عليه التشاؤم، واعتماد بدله مقاربة لخطاب ايجابي من خلال تواجد المسير في الميدان بديناميكية على اعتبار أن أحسن مسير هو من يستوعب محيط مؤسسته ويتعامل معه بأسلوب الاستشراف والقدرة على توقع المؤشرات ومن ثمّة التأثير في المحيط نفسه بالعمل يوميا في تذليل العراقيل والمعوقات.
وبودي الإشارة هنا إلى وجود لجنة تطوعية مشتركة على مستوى وزارة الصناعة تتكفل بإعداد اقتراحات ترمي إلى تحسين مناخ الأعمال، بالإضافة إلى ما يتحقّق من نتائج ملموسة بفعل قرار الحكومة بالسعي إلى رفع التجريم عن أفعال التسيير مما يعزز الثقة في مسيري المؤسسات العمومية والتوصل إلى التمييز بين المبادرة والسرقة ويترتب على إنهاء الشعور بالتخوف لدى المسير نتائج مباشرة، خاصة وأن المؤسسة تحتاج إلى اتخاذ القرار في وقته ويجب أن يعمل بمبدأ تحمل المخاطر بحكم قانون السوق.
أشير أيضا إلى مسألة التكوين وبالتالي عائق اليد العاملة المؤهلة وذات الإتقان، وهو ما خصصت له موارد كبيرة للنهوض بالتكوين والتأهيل المهنيين ويجب الانتقال إلى إنجاز المؤسسات والمراكز لذلك علما أن هناك عدد من مدارس التكوين المتخصصة في المهن والمناجمنت قد كشف عنه وزير الصناعة. وأقول أن التصحيح الاقتصادي مسألة تعني جميع الجزائريين لبناء اقتصاد متنوع خارج المحروقات الآيلة للزوال مثل الشعوب التي نجحت في تحقيق الفعالية الاقتصادية.
في هذا الإطار هل توضح مسعى اتحاد المقاولين العموميين لإنعاش المؤسسة الاقتصادية، وما هي نظرتكم للحوار الاجتماعي؟
لقد تأسست منظمة الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين (ايناب) في بداية التسعينات وهي تمثل أغلب المؤسسات ومرت بمراحل منها المشاركة في مواقف وطنية مصيرية دفاعا عن الجزائر. وبالمناسبة أسمح لي بالتعبير عن العرفان لمن قادوا الاتحاد سابقا مثل الراحل بن منصور وعلي سليماني وبن يونس الذين حافظوا على الاتحاد كقوة اقتراح تشارك في كل النقاشات الاقتصادية وفي دورات الثلاثية بشكل فعال باعتماد الحوار.
وقريبا سوف تنعقد الجمعية العامة لمنظمتنا من أجل القيام بتجديد هياكلها وتشبيبها حتى يأخذ الاتحاد مسارا ديناميكيا ويكون بالتالي عنصرا فعالا في إقامة جسور تواصل مع القطاع الخاص الوطني من أجل جعل المؤسسة الجزائرية مصدرا لخلق الثروة لفائدة المجموعة الوطنية وخدمة لمصلحة البلاد.
وبخصوص الحوار الاجتماعي يجب التنويه بأن الجزائر تعتبر في هذا المجال مثالا يحتذى به إقليميا بفضل توصل الثلاثية إلى توقيع العقد الاقتصادي للنمو وقد تمّ قبل فترة فقط إيداعه بمكتب العمل الدولي بجنيف. غير أنه يجب العمل دوما على توسيع الحوار إلى القاعدة وتكريسه في المؤسسة التي تبقى المكان الملائم للنقاش حول المسائل ذات الصلة بعالم الشغل ومن ثمة صياغة القرار الجيد الذي يصبّ في الصالح العام ويخدم في أبعاده المواطن والوطن، خاصة بالنسبة للشباب (75℅ أقل من 35 سنة) الذي يتطلّع إلى حل مشاكله وتلبية احتياجاته وأولها الشغل الذي يحفظ كرامة الإنسان. ويكون هذا بالانفتاح بين المؤسسة وقطاعات أخرى مثل الفلاحة والسياحة وهي قطاعات يمكنها أن توفر هذا (أي فرص العمل) مع ضرورة الانتشار في أعماق البلاد لتغطية الفضاءات الجغرافية وتحويلها خاصة في الجنوب والهضاب العليا إلى مصادر لإنتاج الثروة الاقتصادية.
في النهاية كيف تتصوّرون مستقبل المؤسسة الاقتصادية العمومية في ضوء التوجّه إلى الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية؟
تعلمون أن العالم تحوّل إلى قرية ولذلك يجب أن ننحرط في ديناميكية تقسيم العمل، غير أن الانضمام إلى تلك المنظمة ينبغي أن يخدم المصالح العليا للبلاد، بحيث يجب الدفاع عما يستحق ذلك مع الحذر من التفريط في عناصر قوة الاقتصاد الوطني. وبودي هنا أن أؤكد أن السياسيين المعنيين على درجة عالية من المسؤولية حول هذا الملف ويديرونه بذكاء ورصانة. والمطلوب أن يكون التعامل معه بشفافية وكفاءة في التفاوض ذلك أنه لا يمكن البقاء لوحدنا كوننا فى عالم يجب أن نتعامل معه بفعالية وقدرة على الابتكار كل يوم.
من هذا المنطلق، ينبغي أن تكون المؤسسة الاقتصادية العمومية مؤسسة مثل غيرها من المؤسسات، وإذا كانت الدولة هي المالكة للمؤسسة العمومية فيجب أن يترك لها المجال للتطور والنمو وفقا لمقتضيات السوق بما في ذلك إبرام شراكات رابحة بالمعايير القانونية وقواعد الشفافية والمرونة. وفي حالة إخفاقها تخضع لقواعد القانون التجاري، علما أن المسيرين مطالبون بالسهر على حماية وتنمية وكذا ديمومة المؤسسات العمومية بالمبادرة والانفتاح على المحيط والعمل بقواعد التسيير الحديث والقانون في معركة البقاء في السوق.