طباعة هذه الصفحة

من شأنه دفع جهود حل الأزمة الليبية سياسيا

اتفاق سلام تاريخي توقعه الأطراف المالية بالجزائر

أمين بلعمري

كما كان متوقعا كانت الجولة الخامسة من المفاوضات المالية الجارية بوساطة دولية قادتها واحتضنتها الجزائر جولة الحسم النهائي لمفاوضات ماراطونية استغرقت سبعة أشهر وخمس جولات من الحوار تم خلالها إرساء جو من الثقة والجدية مهّد لحوار مالي بيني توج أخيرا بالتوقيع أمس على اتفاق سلام بين الأطراف المالية، اتفاق من شأنه أن يعيد الاستقرار والطمأنينة إلى هذا البلد الجار ومصالحة الماليين مع أنفسهم ضمن مالي موحد لا مكان فيه للإقصاء والتهميش.
إن القناعة التي تبلورت لدى كل المعنيين بهذه المفاوضات سواء من قريب أو من بعيد مفادها أن الوقت قد حان لتتويج جهود استغرقت أكثر من نصف عام باتفاق نهائي لأزمة الشمال وهو الاتفاق الذي وقع عليه بالأحرف الأولى بالجزائر العاصمة أمس وفد الحكومة المالية وممثلي الحركات السياسية -العسكرية لشمال مالي.
الجزائر التي تقود الوساطة الدولية واحتضنت الجولات الخمس من مفاوضات السلام في مالي، كانت تقدمت نهاية الأسبوع الماضي، إلى كل أطراف الأزمة، بنص اتفاق السلام نهائي أو ما عرف بـ “ الاتفاق من أجل السلام والمصالحة في مالي” وهذا للسماح لكل الأطراف المعنية بالمفاوضات من إبداء ملاحظاتهم على هذه الوثيقة التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى أمس الأحد تطبيقا لمسار الجزائر للسلام والمصالحة في مالي، لتكون غرّة مارس هذه فاتحة خير على الشعب المالي الذي انتظر هذه اللحظة التاريخية بشغف، خاصة وأن هذه الخطوة من شأنها أن تفتح صفحة جديدة في المستقبل السياسي لهذا البلد وستكون قاعدة انطلاقة لمالي جديد متصالح مع نفسه في كنف السلام، يشرك كل مكونات الشعب في بعث قاطرة التنمية التي طالما عرقلت إقلاعها أزمة الشمال المعقدة التي شلت حركة هذا البلد الذي سيجد نفسه مجبرا على تسريع الخطى لاستدراك ما أهدر من وقت كان يمكن استغلاله في قطع خطوات على صعيد تحقيق التنمية بأبعادها الثلاثة: الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية.
ونص الاتفاق النهائي والتاريخي الذي وقعته أطراف الأزمة في مالي على إعادة بناء الوحدة الوطنية للبلد على أسس مبتكرة تحترم الوحدة الوطنية وتراعي التنوع الأثني والثقافي، كما جاءت فيه الإشارة إلى كلمة “أزواد” كحقيقة اجتماعية وثقافية برمزية تتقاسمها مختلف المجموعات في الشمال المالي، ولم تهمل الوثيقة كذلك عامل التنمية حيث دعت إلى الإسراع في مباشرة وتجسيد التنمية الاقتصادية وكذا إعادة إرساء الأمن في أقرب الآجال وهذا من خلال ترقية مستدامة للسلم والاستقرار في مالي وتطبيق قواعد الحكم الراشد على أرض الواقع وكذا الشفافية في تسيير الشأن العام واحترام حقوق الإنسان  وإرساء العدالة والقضاء على سياسات الإفلات من العقاب، كما نصّ الاتفاق كذلك على ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
الأكيد أن التوقيع على اتفاق السلام في الجزائر يعتبر خطوة معتبرة في هندسة السلام وترقية ثقافة السلم والحوار في القارة الإفريقية وأن الحوار أصبح يفرض نفسه كآلية وحيدة في حل أزمات القارة ومختلف الأزمات العالمية العالقة، علاوة على أن هذا الإنجاز الهام الذي حققته الدبلوماسية الجزائرية وفريق الوساطة الدولية بمساندة المجتمع الدولي يؤكد مرة أخرى أن وجهة نظر الجزائر كانت الأقرب إلى الواقع المالي وكيفية التعاطي مع أزمة هذا البلد بحكم علاقات تاريخية وأواصر أخوة وجوار، أملت على الجزائر الالتزام بمرافقة الماليين في مسار المصالحة والسلام وهي نفس العوامل التي تملي اليوم على الجزائر وترشحها لكي تكون قاطرة لحل سلمي للأزمة الليبية ولم يعد اليوم بإمكان أحد إنكار أن الجزائر أصبحت اليوم دولة مصدرة للسلم والاستقرار إلى كل دول المنطقة، كما أنها أصبحت حلقة مهمة من حلقات تعزيز الأمن والسلم الدوليين وهذا هو جوهر وروح منظمة الأمم المتحدة والهدف من تأسيسها.
 من جهة أخرى يستحق الحدث التذكير أن الجزائر التي كافحت الإرهاب بلا هوادة ولا تزال تؤكد من خلال هذا الإنجاز التاريخي أن تعزيز السلم والقضاء على كل بؤر التوتر وحلحلة الأزمات هي إحدى الاستراتيجيات الهامة في مكافحة الظاهرة الإرهابية وتجفيف منابعها من خلال مقاربات مبتكرة تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.