يرتبط الاتحاد العام للعمال الجزائرين منذ أن بزغ الى الساحة في خضم الثورة التحريرية في 24 فبراير 1956 بمختلف المراحل التي قطعتها الجزائر من سنوات الكفاح من أجل الانعتاق من الهيمنة الاستدمارية الى العقود المتتالية للبناء والتشييد الى اليوم مواصلا مساره في العمل من أجل تعزيز الاستقرار ومواصلة المسيرة الوطنية.
من نقابة للمقاومة دفاعا عن كرامة وعزة العمال الجزائريين بقيادة مؤسس اتحاد العمال الشهيد عيسات ايدير الى نقابة شريكة في التنمية وإعادة بعث الاقتصاد الوطني حاليا مرورا بدور لا يستهان به خلال فترة الحزب الواحد.
بين فترات ذات نبرات قوية وأخرى أقل بالنظر لمختلف الاوضاع التي مرت بها البلاد، حافظ الاتحاد على هويته في طليعة القوى الوطنية التي تلتزم بالخط الوطني المرتكز على قيمة المصلحة الوطنية من خلال الدفاع عن الوطن وعالم الشغل في ظل المبادئ والقيم التي حملتها ثورة أول نوفمبر والتي تصب في صالح المواطن.
بعد مرحلة التسعينات التي عرفت تغيرات في عالم الشغل جراء انهيار عوامل الاستقرار الاقتصادية والمالية رافقتها سنوات سوداء من الارهاب الذي استهدف مقدرات الامة بتدمير وتخريب مكاسب أنجزت بالدماء والعرق لأجيال متعاقبة، استعادت “اوجيتيا” مركزها الريادي في المشهد الاقتصادي والاجتماعي منسجمة تماما مع التطورات العميقة التي عرفتها البلاد نحو بر الأمان والتخلص من كابوس الارهاب لتلتقط مجددا خيط التنمية الشاملة في ظل الوئام والمصالحة الوطنية.
لم تكن مهمة اعادة بعث العمل النقابي سهلة بالنظر لثقل التراكمات من جانب وإفرازات حتمية فرضتها التعددية التي امتدت الى الساحة النقابية من جانب آخر. وبالفعل كان قبول التعايش مع التعددية النقابية حتمية لا يمكن القفز عليها، في ظل تمسك الاتحاد العام للعمال الجزائريين مرتكزا على رصيده التاريخي بمواصلة المسار وعدم الرضوخ للأمر الواقع حاملا معه جملة من التناقضات والاختلالات التي تحرص قيادة المركزية النقابية على معالجتها لضمان آداء نقابي بمعايير ذات فعالية.
وبقدر ما حافظ الاتحاد على مواقع متينة في عالم الشغل خاصة القطاع الاقتصادي، فإنه فقد بعض قلاعه التي آلت لسيطرة نقابات لا تملك كل تلك المرجعية لاتحاد العمال، كما هو في قطاع الوظيف العمومي خاصة في قطاع الصحة العمومية وقطاع التربية الوطنية الوطنية. هذا الاخير الذي يعاني من تغوّل بعض النقابات التي تستبيح اليوم المدرسة الجزائرية واضعة المصلحة المادية الخاصة والفئوية هدفها الأول والأخير.
مثل هذه القطاعات الحساسة التي لا يمكن ان تترك عرضة لابتزاز أطراف صعدت الى السطح في مرحلة معينة وفي غفلة من المجتمع- الذي تعاطف معها في بدايات نشاطها مشتكية الحيف والظلم والتسلط قبل ان تسقط أقنعتها-، يمكن للاتحاد العام للعمال الجزائريين أن يستعيد الانتشار فيها على أسس جديدة وقابلة لاستقطاب التأييد من خلال إعادة صياغة خط سير أكثر صدقية وإقناع من ممارسات سبقت ألحقت ضررا بالنقابة العتيدة.
ولا يزال الاتحاد العام للعمال الجزائريين طرفا فاعلا في الساحة النقابية بحيث يضمن توازن عالم الشغل في انتظار أن يتعزز تواجده في بعض المواقع على غرار القطاع الخاص الوطني والأجنبي الذي لا يزال يعاني من ضعف التمثيل النقابي.
ويستمد الاتحاد ديناميكيته في الساحة من رصيد السنوات الطويلة من الممارسة النقابية ومواكبة كافة المراحل التي مرت بها البلاد ومن فلسفة اعتماد الحوار المستمر في معالجة الملفات والتصدي للمشاكل التي تعترض عالم الشغل. ومن خلال التفاوض الذي يرتكز على معادلة “الأخذ والعطاء” ( الكسب والتنازل) وفقا لمتطلبات كل مرحلة حققت النقابة العتيدة جملة من المكاسب في السنوات الأخيرة مستفيدة من الإرادة السياسية لقيادة البلاد من أجل النهوض بالمجموعة الوطنية قاطبة مؤسسات وعمال وإعادة بعث النمو.
وفي هذا الإطار طوّر إتحاد العمال من أسلوب نضاله بالرهان على الحوار الاجتماعي كقيمة تتجاوز نجاعتها أساليب تقليدية لطالما ارتبطت بالعمل النقابي على غرار اللجوء إلى الإضراب عن العمل. وبالفعل لم يعد الإضراب وسيلة مضمونة الكسب أمام قوة وجدوى الانخراط في الحوار مع الشركاء على أساس مواقف ومبادئ تشكل روح معادلة التنمية بالمفهوم الشامل من تعزيز للاستثمارات وتنمية للإنتاج الوطني وحماية للقدرة الشرائية للمواطنين. وهي قناعة مشتركة تتقاطع مع الخط العام الذي سطّرته الدولة