طباعة هذه الصفحة

المأزق المزدوج في الأزمة الأوكرانية

موسكو وواشنطن ..دفاع عن المصالح وتعزيز للمواقع

س/ناصر

تتصاعد حدة الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأمريكا على خلفية استمرار القتال والعنف في شرق وجنوب شرق أوكرانيا وتمدّد المعارك، حيث تمّ قصف الميناء الاستراتيجي “ماريوبول” ما جعل العلاقات بين البلدين روسيا وأمريكا أكثر تعقيدا.
جاء في المدة الأخيرة تصريح رسمي غير مسبوق على لسان الرئيس بوتين، أنهم فيه الجيش الأوكراني بأنه بات فيلقا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لا يخدم المصلحة الوطنية الأوكرانية، لكن تحقيق أهداف جيوستراتيجية مثل ردع روسيا غير أن الإدارة الأمريكية قابلت تلك التصريحات بجملة مضادة لوحت فيها بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا.
كما اتهم البرلمان الأوكراني موسكو بأنها تدعّم من وصفهم بالمتمردين والإرهابيين.وباتت الاتهمات متبادلة والتي تزامنت مع اتساع رقعة العمليات العسكرية واستهداف ميناء استراتيجي بصاروخ أودى بحياة العشرات، وهو ما رأى فيه الغرب مقدمة للسيطرة على الميناء وهذا يعني اتفاق وقت إطلاق النار الموقع عليه في سبتمبر الأخير.ويقدم الخطاب الرسمي الروسي موقف موسكو من الأزمة الأوكرانية بأنها ناجمة عن سعي “الناتو” لتوسيع مناطق نفوذه شرقا نحو بلدان الاتحاد السوفياتي سابقا. وهذا ما يؤدي إلى لعبة المعادلة الصفرية بحسب “الدكتور أندريه” الأستاذ بمعهد موسكو للعلاقات الدولية فموسكو في هذه الأزمة الأوكرانية تدافع عن مصالحا القومية في وقت تحاول فيه واشنطن انتهاز الأزمة لتعزيز مواقعها في الشرق الأوروبي بالجوار الروسي.ويتطلب حل الأزمة الأوكرانية بالمنظور الروسي تنازلات مؤلمة من كييف في مفاوضات مع ممثلي الجمهوريتين المنفصلتين بإقرار الحكومة الأوكرانية المركزية بأنها فقدت السيطرة الفعلية على جزء من الدولة، ما يتطلّب عمليا الرجوع إلى تطبيق اتفاق “مينسك” لوقف إطلاق النار. دافع عن هذه الفكرة رئيس الهيئة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي “فيودور لوكيانوف” قائلا أن السيناريو الأمثل لموسكو يتمثل في وحدة أوكرانيا مع منح صلاحيات حكم ذاتي واسع للإقليمين المنفصلين وضمانات تصون حقوقهما داخل كيان الدولة الجارة. وفي هذه الحالة يمكن أن تقدّم روسيا المساعدة لهما في إطار جهود دولية ستبذل لأجل إعادة إعمار أوكرانيا.غير أنه من الصعب التوصل للاتفاق، لأن الولايات المتحدة تنظر إلى الأزمة الأوكرانية عبر مؤشر مصالحها الاستراتيجية الخاصة في أوروبا من زاوية احتواء روسيا. لذلك، فمصير أوكرانيا الشرقية مستقبلا بالغ التعقيد يستحيل التكهن بتفاصيله الآن والحل الذي ترغب به موسكو وتتعامل به إزاء جمهوريتي “دونيسك ولوغانسك” الذين لم تعترف بهما لحد الآن على عكس ما جرى مع جزيرة “القرم” واعتباره الحدث الأهم لروسيا في حديث بوتين، ولو كانت روسيا راغبة في تقسيم أوكرانيا لسارعت للاعتراف بهاتين الجمهوريتين وفي الوقت ذاته، فإنها تزود “دونيستك ولوغاستك” بقوافل دعم إنسانية وتسعى روسيا إلى حلّ تقبل به بروكسل وواشنط ضم القرم، إضافة إلى أوكرانيا موحدة بحكم ذاتي موسع للمناطق الجنوبية الشرقية مع التشديد على ضرورة عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو.من جهتها، إدارة أوباما لا تظهر وجود نية لديها للدخول في صراع مباشر مع روسيا وتكتفي بالضغط على موسكو من خلال حلف “الناتو” لإطالة أمد الأزمة لتوريط روسيا أكثر وتخريب علاقتها مع بروكسل ومع بلدان أخرى كانت ضمن الاتحاد السوفياتي سابقا.وتفيد تقديرات الكثير من المخضرمين والمحللين الساسيين في موسكو، بأن الولايات المتحدة نجحت في جرّ روسيا إلى حرب باردة جديدة ومن بينهم غورباتشوف الذي صرّح مؤخرا بأن الحرب الباردة نشبت وتجري بشكل علني وأضاف أنه لا يستطيع استبعاد أن الحرب الباردة لن تؤدي إلى حرب ساخنة وعّبر عن تخوفه من أن الغرب قد يغامر ويُقبل على ذلك.وقد أوضح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال “فاليري” في اجتماع لقيادة الهيئة في ٣٠ جانفي ٢٠١٥ أن العرب يستخدم أساليب جديدة في المواجهة مع روسيا وسائل عسكرية وغير عسكرية سياسية ومعلوماتية.
فقد بدأت منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية تكتسب طابعا عالميا لاسيما بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، وروسيا طبعا لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي وستضطر إلى اتخاذ إجراءات مناسبة.