يشكل استصلاح مليون هكتار من الأراضي الفلاحية على امتداد ولايات الجنوب هدفا استراتيجيا في المديين القصير والمتوسط، من أجل تدعيم القدرات الاقتصادية الوطنية والمحلية والنهوض بالسكان، من خلال خيار تنمية جوارية مندمجة وتكاملية بين القطاعات المختلفة مثل الصناعة الغذائية والسياحة. لقد دقت ساعة الحقيقة ولا يمكن إضاعة المزيد من الوقت وتبديد الإمكانيات في ظل اختلال المؤشرات المالية التي تنذر بتراجع يتطلب رد فعل في مستوى حجم التحدي بتأكيد السير على طريق الفلاحة والتحاق كافة الشركاء بهذه الوجهة.
ويتطلب انجاز هذا البديل حشد الإمكانيات وتجنيد الطاقات التي تضمن بلوغ الأهداف المسطرة بانخراط كافة القطاعات في تجسيد البرنامج الذي يستوعب نسبة كبيرة من حجم الطلب في سوق الشغل من كافة المستويات. ويقع على المؤسسات الإدارية المحلية جانب هام من المسؤولية في الدفع بالبرنامج إلى مستوى فعال بتوسيع مساحة استفادة اليد العاملة المحلية ومرافقتها في تحقيق الحلم والمساهمة في مسار البناء الوطني ضمن رؤية تعزز الانسجام والتناغم الوطنيين.
ولا يكفي أن تسلّم قرارات استفادة للسواعد المحلية الشابة التي تنطلق في تغيير الواقع على الأرض وتركهم يتخبطون في متاهات تستنزف الجهد، إنما المطلوب أن تتحرك دواليب التكوين المهني والمنظومة البنكية والمؤسسات الإنتاجية بالموازاة لمرافقة مسار التحول الاقتصادي نحو التخلص تدريجيا من التبعية للمحروقات. هذه الأخيرة التي تعرف تراجعا في مداخيلها المالية- رغم عودة مؤشر تحسن طفيف في الأسواق العالمية بعد موجة انهيار شديدة- يمكنها أن تلعب دور المرافق لإقامة منظومة اقتصاد بديلة بضخ استثمارات في الفلاحة الصناعية من أجل التقليص إلى أدنى حد ما من فاتورة استيراد الغذاء.
ولا ينبغي أن يتم تنفيذ برنامج الاستصلاح الفلاحي بصيغة بيروقراطية، أي توزيع مساحات وانتهى الأمر، بقدر ما يجب أن تنخرط العملية في سياق مسار اقتصادي واضح المعالم وتكون له جدوى ونجاعة من حيث إنتاج القيمة المضافة وإدخال التكنولوجيات من خلال إقحام مراكز ومعاهد البحث العلمي وتجاوز مرحلة التشخيص والتحليل إلى إنتاج البذور الملائمة وتطبيق نتائج البحوث النظرية في الميدان. ويخص الأمر هنا المتعاملين في الصناعة الغذائية للمساهمة في بناء منظومة فلاحية ذات أبعاد اقتصادية ملموسة بدءا بكسب معركة تقليص الاستيراد وتنمية الإنتاج المحلي في شتى المنتجات والمواد، ولتكن البداية بفروع الحليب واللحوم والحبوب.