يستمر التنظيم الإرهابي «بوكو حرام»، في صناعة الرعب بمدن وقرى نيجيريا والكاميرون، مخلفا مئات القتلى وآلاف الخسائر، ومستخدما هذه المرة الأطفال في تنفيذ الهجمات الانتحارية. في الوقت ذاته، دفعت تشاد بقواتها في المعركة مشّكلة التحالف الثلاثي الإفريقي لدحر الجماعة الدموية.
بينما كانت أنظار العالم موّجهة صوب باريس، عقب حادثة «شارلي إيبدو»، أقدمت «بوكو حرام» على ارتكاب أبشع وأعنف اعتداء لها بمدينة باغا شمال شرق نيجيريا المتاخمة للحدود التشادية، وقدّرت منظمة «أمنسيتي الدولية» مخلفات الهجوم بـ 2000 قتيل أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ الذين بوغتوا بالقنابل اليدوية والأسلحة الأوتوماتيكية.
القلة الناجية من المذبحة، لا تتذكر حسب ما أدلت به من تصريحات لوسائل الإعلام، سوى الجثث المتناثرة في كل مكان، وصوت الرصاص الذي يطلق بشكل عشوائي من طرف عناصر التنظيم. فرق الإغاثة بدورها ذهلت من حجم الدمار الذي مسّ أزيد من 3.700 منشأة من منازل وهيئات إدارية. بعد «باغا» جاء الدور أول أمس، على قرى أقصى شمال الكاميرون، بالضبط في ضاحية موكولو، أين أغار مئات من إرهابيي التنظيم على قريتي مباسا وماكي، فنهبوا وقتلوا وخطفوا 80 شخصا غالبيتهم -كما جرت العادة- نساء وأطفال، أطلق سراح 24 منهم صباح أمس.
انتقال شرارة بوكو حرام إلى الكاميرون، تأكدت بمشاركة الرئيس بول بيا في القمة المصغرة التي عقدت بباريس شهر ماي من السنة المنقضية بعد اختطاف 200 امرأة مسيحية من طرف التنظيم المسّلح، حيث صرّح حينها أن يده مع يد نظيره النيجيري غود لاك جونتان، للقضاء على الجماعة التي برعت في صناعة الموت منذ سنوات.
لقد أثبتت هذه الجماعة الدموية أنها الأخطر والأقوى بإفريقيا في الوقت الراهن، والظاهر أنها لا تهاب تهديدات الحكومة النيجرية ولا جيشها، فالحرب الشاملة التي وعد بها الرئيس النيجيري أزيد من مرة، لم تحقق النتائج المرجوة وهناك من يعتبر أنه فشل فشلا ذريعا، والدليل أن الانتخابات الرئاسية المقررة في 15 فيفري الداخل لن تجرى في المناطق غير المسيطر عليها.
بوكو حرام، اليوم، تقتل، تسحل، تحرق تختطف ووصل بها الأمر إلى إحاطة الأطفال بالأحزمة الناسفة لتفجر في الساحات والأماكن العامة، والأدهى أنها تضرب في دولتين ويحتمل أن تنتقل الى التشاد التي دخلت الجمعة الماضية ساحة القتال. ويعلم الجميع المحيط الجغرافي الذي ينشط فيه التنظيم منذ نشأته، لكن لا أحد يملك المعلومات الدقيقة بشأن عدد مقاتليه ومصدر تزوده بالأسلحة والعتاد الحربي المتطور، كما لم يتأكد بعد من ارتباطه بالشبكات الإرهابية الناشطة في مالي والساحل الإفريقي.
ووثقت الأرقام همجية الجماعة الإرهابية، بأزيد من 13000 قتيل ونزوح 1 مليون ونصف من شمال شرق نيجيريا إلى مناطق أكثر أمنا فيما لجأ البعض إلى دول تشاد.
مضاعفة ميزانية الدفاع
بدأت بنود اجتماع باريس (ماي 2014) تترجم على الأرض، حيث تشكلت القوة الثلاثية التي تضم تشاد، نيجيريا والكاميرون لمحاربة بوكو حرام، بعدما صوت البرلمان التشادي لصالح قرار يسمح للجيش بالخروج إلى الكاميرون ودخول المعركة، وهو القرار الذي تبعته مسيرة شعبية مساندة للقوات المسلحة التي تنقلت على متن 400 سيارة ومدرعة حربية إلى منطقة كوسيري الحدودية.
فيما استنجدت نيجريا بروسيا لاقتناء طائرات حربية متطورة، بعد خلاف مع الولايات المتحدة، عقب اتهام الأخيرة للجيش النيجيري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وضاعفت الميزانية المخصصة لقطاع الدفاع.
نفس الحال ينطبق على ياوندي، أين يعي الرئيس بول بيا جيدا حجم الخطر، وعبّر عن ذلك في عدم توجهه إلى فرنسا للمشاركة في المسيرة الدولية ضد الإرهاب بعد الاعتداء على صحيفة «شارلي إيبدو»، بل وانتقد تغريدة على موقع تويتر القادة الأفارقة الذين شاركوا في المسيرة قائلا: «أن الضحايا الأفارقة الذين يسقطون بالمئات يوميا يستحقون وقفة و تضامنا أيضا وهم أولى بذلك». وتوجه سريعا إلى ألمانيا لاقتناء 100 مركبة عسكرية، تبعتها صفقة مع روسيا للتزود بأسلحة حديثة وأنظمة حربية من آخر طراز، حسب ما كشفه السفير الروسي بالكاميرون، أما الرئيس التشادي إدريس ديبي إنتو، فدعا إلى تشكيل حلف من دول المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا للمساهمة في محاربة التنظيم الإرهابي، وتوجد القوات التشادية في وضع لا تحسد عليه، حيث دفعت الفاتورة الأكبر بشمال مالي، وتعمل على تأمين شريط حدودي ملتهب، بدءا من جنوب ليبيا وشمال إفريقيا الوسطى والسودان.
المؤكد، أن الحرب على بوكو حرام ستستنفذ الكثير من الوقت والجهد والمال، وتحتاج في الوقت ذاته إلى مساندة كافة الدول الإفريقية، خاصة وأن شرارة هذا التنظيم تمتد بسرعة إلى بلدان الجوار آخرها النيجر، أين ثبتت مسؤولية بعض عناصره في التظاهرات العنيفة التي جرت السبت الماضي بمدينة زيندار الحدودية.