طباعة هذه الصفحة

المقـامة المصمـوديّـة

البشير بوكثير

إهداء: إلى روح الداعية الحبيب، والأديب الأريب ،»النذير مصمودي» رحمه الله تعالى، أرفع هذه المقامة الهزيلة، علّها تطرّز وشيَ خميلته المزدانة الجميلة .

حدّثنا الشيخ الإمام، عن داعيةٍ همام، هجرَ المنام، وعاش للإسلام، قال:
هاقد نادى المنادي: هل من مُجير أيّتها العير؟
فأجاب الحادي: علينا بالنزول عند ضفاف هذا الغدير، لنهْنَأ بالماء الفُرات النّمير، فقد وصلنا موطن «مصمودي النّذير»، الدّاعية النّحرير، والصّحفيّ الألمعيّ القدير، الذي أحببناه صغارا، وعشقناه كبارا، لأنّه لم يكن يوما مُدْبِرا خوّارا، بل كان ولازال كاتبا أديبا، وسياسيّا أريبا، ومُحلّلا فطِنا لبيبا.
له سدادٌ في الرّأي والفكر، وبُعدٌ في المآل والنّظر، ومِراسٌ في قراءة التاريخ والعصر، فلا تجزع يا «نذير» إذا رماكَ بَـزّ غرير بالخوَر، فنحن في زمنِ تطاولِ العصفور على النّسر، بل في زمن النّفاق والإعوجاج، والاختلال والارتجاج، والزّمنُ - كما تعلم- جزءٌ من العلاج؟!
هو داعية وإمام، فارس وضرغام، شغل الورى والأنام، وملأ دنيا الناس بالحقائق لا الأوهام، لأنه هجَر المنام، وعانق ذرى الجوزاء والغمام، فأتى بالدّرر الحِسان، وقلائد الفكر الثِّمان، من خميلة أساطين العلماء، وجهابذة الأدباء، ومصاقعة البلغاء والظرفاء، ودهاقنة الفُصحاء النّبهاء.
له في الدعوة إلى الله تعالى باع، سلاحه القرطاس واليراع، حاورَ الأندادَ وحتّى الرّعاع، وخفضَ للجميع الجناح َوالشّراع، فأشرق نورُ فكرهِ مثل الشعاع، وحقّق الدهشة والإمتاع، فشاع ذكرُه وصِيتُه بين الورى وذاع.
راسلتُه صغيراعن نظرية» داروين»، وعن علاقة العلم بالدّين، فردّ بقول فصْل مبين، لايقبل التأويل ولا الزيف ولا المين. ومن شدّة حبي وهيامي، وصبّابتي وغرامي، حفظت الرسالة إلى الآن، لأنها وثيقة من فارس الدعوة والبيان، وهي لديّ أغلى من الدّرر والعقيان، وأحلى من ثمار البستان، وهي دليل وبرهان، على حفظ الودّ القديم للمشايخ والخلاّن.
خطُّه يضاهى خطَّ «ابن مقلة»، وكلامه أحلى من عسل النحلة، ألمّ بكل مذهب ونِحلة، يستحق الكرم الحاتميّ مختزلا في شخشوخة وخبز الملّة.
التقيتُه في قبيلة الفيسبوك، فوجدتني أمام حضرته مثل الصعلوك، أو المتحذلق الفذلوك، الذي يثرثر ويجترّ الكلام ويلوك.
قد شابَ شَعرُه، ولم يشبْ فكره وإحساسه وشِعره، فإن شابت الذوائب، فإنّ الأقمار في الداجيات زينة ُالكواكب، لأنّه في طليعة الكتائب، وهمع السحائب، لنصرة إخوانٍ لنا في البوسنة التي حاقت بها النوائب والمصائب، فكان مع الرفق الكرام، الأسد الضرغام، الذي لا يهاب المنيّة والحِمام.
فقد طاف معظم البلدان، ناشرا أريج الدعوة والأمان، على هدي السّنّة والقرآن، بالموعظة الحسنة وحلاوة اللسان، ونقاء وصفاء الجنان، فلا غرو أن تحتضنه «سراييفو» بالأحضان، وتسلم له زمام قيادة جحافل المجاهدين الفرسان.
حملَ هموم الأمّة على العواتق والأكتاف، موطئا لخلاّنه وأترابه الأكناف، لأنه من طينة الأقحاح الأشراف، المنافح عن مآثر الأسلاف، وليس من الرهط المولعين بهزّازات البطون وتحريك الأرداف.
عاشر الأطهار، وخالط الأخيار الأبرار: الشيخ النحناح، وبوسليماني الشهيد الجحجاح، أكرمْ بهما يا صاح، في جزائر الشهداء والفطاحلة الأقحاح!
هو السلسبيل النمير، ينضح بالعلم الغزير، ويعبق بشذى الأدب الجمّ الوفير، خافضا جناحيه للكبير وللصغير.
تبحّر في علوم الأولين، وغاص في كتب السابقين واللاحقين، ونهل من معين المُحدِّثين والمُحْدَثين، وتشرّب ورعَ الواصلين الزاهدين، واتّخذ خدنه رياض الصالحين، ومدارج السالكين، وروضة المحبّين ونزهة المشتاقين.
عشق الصحافة والإعلام، فحقّق الغاية والمرام، وكان «الشاهد» الرائد والقائد، لكشف ممارسات العصر البائد.
يمزج بين السخرية والجدّ، ليكشف مامن كشفه بُدّ، كما يحنّ طورا لذكريات الصّبا ومرابع هند ودعد، فيحرّك لواعج العشاق، ومواجع الصّبّ المشتاق.
هو رمز من رموز بلادي، وخليفة من خلائف أسلافي وأجدادي، فكيف لاأترنّم به في كل نادي، ولا أهيم بحبّه في كل وادي؟