اجتاز الاتحاد العام للعمال الجزائريين عتبة مؤتمره الثاني عشر بتكريس الاستقرار والدفع إلى مستوى أكثر نجاعة في عالم الشغل دون القفز على الواقع النقابي والاقتصادي، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود من أجل الارتقاء إلى درجة المسؤولية الوطنية الكبرى. وفضل المؤتمرون سدّ الباب منذ البداية أمام أي مغامرة قد ينزلق البعض وراءها، عن قصد أو جهل، في ظل تعرض البلاد لمرحلة تحمل تحديات بينما يجري العمل باتجاه تعزيز مكاسب كبيرة تحققت وأخرى تحتاج للتقويم في كنف الهدوء وبعيدا عن أي مزايدات أو محاولات استغلال أوضاع حساسة لأغراض أنانية أوجعلها مطية لتحقيق مصالح غامضة. وبلا شك أن اتحاد العمال يواكب التحولات التي تعرفها البلاد منذ عشريات، بل أن هذه النقابة العتيدة الحاملة لتناقضات تعكس إرث الماضي وتطلعات الحاضر والتي ولدت من رحم المقاومة إبان ثورة التحرير بمبادرة من زعيمها المؤسس عيسات ايدير واكبت مسار الثورة ومقارعة الاحتلال وانخرطت مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية في ديناميكية التنمية والبناء الوطني. ولا تزال تواصل اليوم رسالتها بالمفهوم الإيجابي للممارسة النقابية باعتبارها شريكا اجتماعيا فاعلا يستمد روحه من المبادئ والقيم الأساسية للاتحاد.
يحصل هذا في وقت انزلقت فيه نقابات أخرى تدعي استقلالية مغشوشة إلى ممارسة نشاط نقابي يستهدف الإنسان بالأساس من خلال إخضاع المدرسة الجزائرية بالدرجة الأولى للأمر الواقع والزج بأجيال في غياهب إضرابات لا يتوقف دعاتها عن التلويح بها إلى درجة تحولت في أذهان التلاميذ والأولياء إلى اعتبارها بمثابة تهديد لا يقل عن شكل آخر من أشكال إرهاب معنوي خطير. ومثل هذه الممارسات الغريبة وغير المسؤولة لا يؤمن بها الاتحاد العام للعمال الجزائريين مما يعطيه قوة معنوية يجب أن تحرص قيادة المركزية النقابية أن تنزل إلى الميدان خاصة على مستوى المنظومة التربوية لاسترجاع المواقع وكسر هيمنة بعض نقابات أصبحت كسيف على رقاب التلاميذ، تهدّد أجيالا بكاملها مستفيدة من حالة فراغ تغذيها أوساط حزبية وسياسوية تسعى يائسة لإلهاب الساحة الوطنية، فتراها تطلق شعارات ومواقف تبدو في الظاهر على حق لكنها في الباطن كلها باطل، وإلا لماذا لا تستهجن العبث الذي ترتكبه بعض نقابات في حقل التعليم أضرت بمفهوم التعددية وتتطاول على قوانين الجمهورية في غياب رادع صارم طال انتظاره من المجتمع.
لقد شارك اتحاد العمال على ما يعتريه من جدل وما يحمله من خلافات داخلية هي في الأصل مؤشر صحي ينبغي التعاطي معه بإيجابية من أجل تحقيق نتائج على صعيد التصحيح والتقويم من الداخل، في كافة المراحل والبرامج وكان دائم التفوق في تقديم الأفكار والبدائل باعتباره قوة اقتراح، من منطلق اعتبار المؤسسة الاقتصادية المنتجة الجزائرية عمومية وخاصة وتلك القائمة على الشراكة الأجنبية وفقا لقاعدة 51/49 سلاحا ينبغي أن يكون دائم الجاهزية للدفاع عن الاقتصاد الوطني. وتتضاعف مسؤوليته اليوم لمواصلة الجهود باتجاه تنمية روح نقابية أكبر بكثير من مجرد رفع مطالب بقدر ما ترتقي إلى درجة الشريك المعني بالمساهمة في تجنيد وحشد الإمكانيات والرفع من قوة الإرادة لمواجهة التحديات دون التفريط في مكاسب تحققت بالمعاناة والعرق والتضحية لسنوات طويلة. وبالطبع لا يعد نجاح المؤتمر نتيجة بحد ذاتها، إنما هو قفزة جديدة نحو المستقبل بتجديد العهد مع الدفاع عن المصالح العليا للبلاد من خلال التزام واضح ومضاعفة العمل بما في ذلك السهر على حماية أداوت الإنتاج وتنمية روح التضامن والحرص على مكافحة كافة أشكال الفساد الذي يهدد الاقتصاد الوطني ويستنزف موارده.