أفلت أيام سنة 2014 و قطاع التربية ما يزال يتخبط في العديد من المشاكل ترجمتها المحطات الاحتجاجية
و شعارات الإضرابات لمختلف الأسلاك المنتمية لهذا القطاع، الذي لم يجد لحد الساعة بر الآمان ليرسو عليه، بالرغم من الاصلاحات التي أطلقت و جلسات الحوار التي عقدتها الوصاية مع النقابات السبعة باعتبارهم شركاها اجتماعيا محاولة منها حل المشاكل العالقة بالتكفل بالمطالب المهنية و الاجتماعية المرفوعة مرارا و تكرارا منذ سنوات.
و بين مد و جزر جلست وزير ة التربية الوطنية بن غبريط نورية إلى طاولة الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، لتناقش ملفات ثقيلة لأكثر القطاعات حساسية التي تعيش و ما تزال تعرف حراكا اجتماعيا كبيرا طيلة السنة الدراسية، فهو يضم قرابة 700 ألف موظف و 8.6 مليون تلميذ، منهم قرابة 2 مليون مترشح اجتازوا الامتحانات الرسمية في الأطوار الثلاثة .
و أكّدت مختلف المحطات التي مرّ بها القطاع على تحديات كبيرة خلفتها تراكمات السنون الماضية سواء من الناحية البيداغوجية أو الاجتماعية، بالرغم من الإصلاحات و الندوات الولائية و الوطنية و فتح أبواب الحوار أمام الفاعلين و المتدخلين في الحقل التربوي لهدف واحد و هو رسم خارطة طريق بناء على رؤية واضحة و شاملة لحل المشاكل العالقة و تكييف القطاع مع المتغيرات الحاصلة .
تحسين نوعية التعليم و رفع مردود النظام التربوي
و لهذا حرصت بن غبريط منذ توليها هذه الحقيبة الوزيرة الثقيلة على ضمان تحضير دخول مدرسي سلس من خلال تحسين نوعية التعليم، و رفع مردود النظام التربوي بتفعيل ركائز عملية التحول النوعي للتعليم بتعزيز قدرات القطاع في مجال هياكل الاستقبال و التأطير التربوي و الإداري، و دعم التمدرس و تقوية القدرات الوطنية في هندسة تكوين المكوّنين، و تحسين الخدمة العمومية في القطاع لتحقيق الأهداف المنشودة في مجالات عديدة تتعلق بالمناهج و المواقيت و الوسائل التعليمة، لاسيما مواصلة الترتيبات الخاصة بتخفيض المحفظة المدرسية و اعتماد الكتب المدرسية المحينة للسنتين الأولى والثانية، إلى جانب تعزيز عمليات دعم التمدرس بالتكفل بالمنحة .
و على الصعيد المهني و الاجتماعي قرّرت وزارة التربية إلغاء العمل بالمناصب الآيلة إلى الزوال، وإدماج كل الموظفين الذين يشغلون هذه المناصب والمقدر عددهم بــ 61446 بالأطوار التعليمية الثلاثة “ابتدائي متوسط ثانوي” في منصبي أستاذ رئيسي وأستاذ مكون لأصحاب 10 سنوات خبرة، في حين يجري الأساتذة الذين يملكون 5 سنوات من الخبرة امتحانا مهنيا، سيستفيد 800 أستاذ في التعليم التقني بصفة مباشرة من ترقية إلى أستاذ تعليم ثانوي، أما المصالح الاقتصادية التي تضم 14.400 موظف فتم فتح حوالي 6.000 منصب مالي للترقية في جميع رتب المقتصدين.
كما تم اتخاذ قرار ترقية 240.000 موظف قطاع التربية الوطنية قبل نهاية سنة 2014، أي ما يمثل حوالي 40 بالمائة من مجموع مستخدمي القطاع، عن طريق التسجيل على قوائم التأهيل أو الامتحانات المهنية أو المسابقات الداخلية إلى تحسين ظروف موظفي القطاع بجميع أسلاكه.
إلغاء عتبة الدروس للممتحنين بأقسام السنة الثالثة ثانوي قرار جريء و في سياق آخر و بغية اعطاء شفافية و مصداقية أكبر لشهادة البكالوريا، تقرّر إلغاء عتبة الدروس للممتحنين بأقسام السنة الثالثة ثانوي من خلال ضبط البرنامج والحجم الساعي بما يمكن من إتمام الدروس نهاية شهر ماي.
و جاء هذا بناء على ما تم في الندوة الوطنية المتعلقة بدراسة البرنامج الدراسي الخاص بمرحلة الابتدائي، عبر إعادة النظر في التنظيم الزمني وكذا الحجم الساعي الإجمالي السنوي الخاص بالتعليم المتوسط والثانوي، بغرض ضبط البرامج الدراسي في إطار الحجم الساعي الذي يناسب المحتوى الأكاديمي و من ثم جاء القرار طالما أن البرنامج الدراسي الذي سيتم تخفيفه سينتهي قبل نهاية ماي.
الشركاء الإجتماعيون : معالجة الملفات العالقة
و بالرغم من كل الجهود المبذولة ما تزال نقابات التربية و على رأسها “الأسنتيو” متمسكة برفض السياسة الحالية التي تنتهجها الوصاية في تسيير ملفات القطاع الثقيلة و الدعوة إلى فتح تفاوض حقيقي لمعالجة الملفات الاجتماعية والتربوية المطروحة على غرار ملف الصندوق الوطني لمعادلة الخدمات الاجتماعية، وملف التعاضدية الوطنية لعمال التربية والثقافة.
و إلى جانب ذلك لم تغفل النقابات عن المطالبة بتحيين القوانين التي تسير المدرسة الجزائرية وملفات طب العمل والمناصب المكيفة، السكنات الوظيفية للأساتذة، و مواصلة إدماج الآيلين للزوال، المنح والتعويضات بما فيها ملف منحة المنطقة لولايات الجنوب والهضاب العليا، وملف أسلاك موظفي المصالح الاقتصادية، والاستجابة للمطالب المرفوعة، بما ينصف الطبقة العاملة.
و تأكّد هذا الأمر لاسيما بعد القرار الأخير الذي اتخذته وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، والتوجيهات إلى مديرين، بتطبيق الإجراءات العقابية اللازمة في حق المقتصدين المضربين، من خلال خصم أيام الإضراب من رواتب عمال هذا السلك، مشدّدة على تنفيذ القرار مهما كان امتداده ونوعه ومدته دون انتظار مراسلة من الوزارة، في وقت أكدت فيه أن الحوار ما يزال مفتوحا للشريك الاجتماعي، وهو القرار الذي استاء له عمال القطاع و كذا مختلف النقابات و التي بادرت هي الأخرى في اتخاذ خطوات مناوئة للوصاية ترجمت من خلالها رفض القرار.
و كان هذا الإضراب قد أدى إلى شلّ جميع المعاملات المالية داخل المؤسسات التربوية من مدارس ابتدائية ومتوسطات وثانويات، وعرقلة عملية جرد وتوزيع الكتب قوائم المعوزين بهدف صرف المنحة المدرسية لهم والمقدرة بـ 3000 دينار، ناهيك عن توزيع الكتب المجانية على المعوزين وبيعها لبقية التلاميذ.
و يبقى هذا الإضراب عيّنة من الحركات الاحتجاجية التي عرفها القطاع و كاد يعصف بمصلحة التلميذ و يرهن الموسم الدراسي الذي مرّ بالرغم من كل ما سجله من تذبذب لكن وزارة التربية سائرة في استكمال تنفيذ المخطط التنموي لقطاع التربية و مواصلة سيرورة إصلاح المنظومة التربوية من أجل رفع مستوى التعليم وقيمة الشهادة الجزائرية .