حدد عبد الرحمان مبتول، الخبير الدولي في المناجمنت الاستراتيجي، ثلاث مسائل تشكل جوانب ضعف في النظام الاقتصادي، يتعلق الأمر بتراجع أسعار البترول والتهرب الضريبي إلى جانب تحويل الأموال إلى الخارج بطريقة قانونية أو بالتهريب.
وأوضح في تصريح لـ”الشعب”، أن السياسة الضريبية تشكل في كافة البلدان موضوعا حساسا. وحتى تكون فعالة وناجعة، ينبغي اعتماد نظام تحصيل للضرائب يؤثر إلى أدنى حد على توازن الميكانيزمات التي تقود إلى مستوى اقتصادي أمثل ويرتكز على اقتطاعات ضعيفة ومتدرجة من أوعية ضريبية واسعة، مشيرا إلى تصريح الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان بأن “5000 مليار دينار ضرائب غير محصلة”، أي ما يعادل 47 مليار أورو (أي أكثر من 37 مليار دولار)، وهي موارد مالية يمكن باسترجاعها تغطية جانب من الخسارة المتوقعة لمداخيل المحروقات جراء انهيار الأسعار، مما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذه الفجوة بمنهجية تعتمد قاعدة لا إفراط ولا تفريط.
وتعاني المنظومة الاقتصادية والمالية من انعكاسات ما يصنّف في خانة الفساد. ومن أبرز معطياتها، يشير محدثنا إلى إفادة المدير العام للمراقبة الاقتصادية وقمع الغش بوزارة التجارة، أنه من ضمن 35 ألف مستورد مقيدين بالسجل التجاري سنة 2013، يوجد 15 ألف ضمن البطاقية الوطنية للمتهربين من الضرائب، إضافة إلى رصد 155 مليار دينار من المبادلات التجارية بدون فواتير في الفترة من 2010 - 2012.
وأضاف، أن هذا الرقم يمثل 20٪ من الحصيلة الحقيقية، ما يضع التحويلات وحركية السيولة النقدية تحت المجهر للتدقيق في مساراتها، خاصة وأن التقديرات تفيد بارتفاع فاتورة التحويلات إلى الخارج إذا استمر اتجاه الاستيراد في التصاعد دون وضع مكابح تكون بمثابة صمامات أمان تقلل من حدة الصدمة المالية المرتقبة في ضوء تقلبات أسواق المحروقات ورصد انهيار منتظم للأسعار.
ومن ضمن ما ينبغي التكفل به، مكافحة تهريب الأموال إلى الخارج أو تحويلها بطرق الغش والتحايل التي تصدر من متعاملين يستفيدون من فجوات أو تواطؤ.
ويتأكد الدور الكبير الذي ينبغي أن تلعبه المنظومة البنكية، في تتبع حركة رؤوس الأموال وتأطير مسارات السيولة دون التأثير على المبادرة الاقتصادية النزيهة أو عرقلة متعاملين لديهم مكانة في النظام الاقتصادي والمالي. ولذلك، يضيف الدكتور مبتول، ينبغي اللجوء إلى آليات ذكية والسعي إلى تحويل الادخار والتوفير من طابع الرأسمال النقدي إلى ثروة حقيقية.
ويقود هذا إلى تشخيص واقع المجتمع وتحديد مواطن الخلل في التصرفات والسلوكات ذات الصلة بالاقتصاد بكل جوانبه، بحيث ينبغي التركيز على أخلقة حياة المجتمع بكل فئاته. وأكد، أن الظرف يتطلب مضاعفة طلب الحساب عن كل عملية تمويل عمومية كأساس لبناء اقتصاد منتج، مع الحرص على حماية موارد احتياطي الصرف وصندوق ضبط الإيرادات في أفق 2018 - 2020.
واعتبر مبتول، وهو أيضا أستاذ جامعي، التعامل الإيجابي مع مضمون اقتراحاته 20 من جهة الوزير الأول في تعليمته التوجيهية الأخيرة، مؤشرا يبعث على التفاؤل إذا ما وجدت تجسيدا سريعا في الميدان وبروح بناءة. ومن بين مقترحاته، الحد من الندوات والمؤتمرات، أن يشمل القرض الاستهلاكي فقط المواد التي توفر نسبة اندماج بـ40 - 50٪ أو التي لديها فائض بالعملة الصعبة لدى التصدير إلى الخارج، فرض رسم الاستهلاك الداخلي على منتجات مستوردة غير أساسية ومضرة بالصحة العمومية، رسم على الاستيراد بواسطة الحقائب وحسب المواد المحملة فيها، تسيير عقلاني للمالية وترشيد النفقات ومكافحة تضخيم الفواتير، فتح نقاش حول نموذج الاستهلاك الطاقوي وتشجيع الطاقة الشمسية وبناء محطات توليد هجينة تعتمد على الشمس والغاز، استهداف التحويلات الاجتماعية، إخضاع الاستثمارات في المحروقات عن طريق سوناطراك لاختصاص المجلس الوطني للطاقة الذي يرأسه رئيس الجمهورية وتجميد المشاريع التي ليس لها طابع الأولوية ولا تحمل انعكاسات اقتصادية واجتماعية. وبالمقابل، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن للجزائر في مواجهة الموقف المستجد أوراق تجعلها قادرة على تقليل حدة الصدمة المالية الخارجية المحتملة في المديين المتوسط والطويل، من بينها تكريس الاستقرار الاقتصادي الكلي ونسبة تضخم ضعيفة، إلى جانب تدني المديونية التي تخلصت منها بالتسديد المسبق مبكرا مع احتياطي صرف معتبر بحوالي 200 مليار دولار مع 173 طن من الذهب.
ولكن للجزائر أيضا قناعة مشتركة تضع المتعاملين والشركاء على درجة من المسؤولية في مواجهة الآمر في ظل الهدوء والتبصر والعزم على تفادي أي أزمة والخروج من دوامتها بأقل الأضرار، بما يسمح لعجلة التنمية بالاشتغال بوتيرة تنتج قدرا معتبرا من النمو خارج المحروقات، بل تحويل هذه الثروة الطبيعية إلى وقود لإرساء اقتصاد بديل لها في المنظورين المتوسط والطويل، لكن شريطة الانطلاق في العمل من الآن، وهي مأمورية وطنية تلزم كافة الشركاء بما فيهم الطبقة السياسية التي يطالبها الظرف بالتزام الهدوء وتضافر الجهود خدمة للوطن والأجيال.