طباعة هذه الصفحة

متى يدفع المستورد الفلاحي نحو الاستثمار؟

ف/ بودريش

يبقى القطاع الفلاحي رغم تحسن أدائه خلال السنوات الأخيرة ينتظر منه الكثير على صعيد تكثيف إنتاجه لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وطرح منتوجه عبر الأسواق الخارجية لاسيما الدولية منها بالنظر إلى جودة المحاصيل الفلاحية الجزائرية، ويأتي تراجع سعر برميل النفط، ليعجّل من التفكير الجدي كي يأخذ هذا القطاع الحيوي مكانته في دعم وتنويع الاقتصاد الوطني، ورغم السياسة المنتهجة والتي تصبّ في مجملها في دعم الاستثمار الفلاحي والتشجيع على استغلال الأراضي، إلا أن العملية تحتاج إلى المزيد من التنظيم والدقة ومرافقة الفلاح إلى غاية وصوله إلى السوق لقطع الطريق أمام الانتهازيين من هواة الربح السريع، فلا يمكن الاستمرار في ضخّ الأموال دون وضع خارطة واضحة تحدّد فيها الأهداف التي ينبغي تحقيقها في الخماسية المقبلة.  
ينتظر من الاستثمار في القطاع الفلاحي خاصة من طرف فئة الشباب آفاقا واعدة مستقبلا، ويفترض أن يستمر في تشجيع هذه الفئة للتوجه بقوة من أجل استغلال واسع للأراضي الزراعية من خلال تشجيعهم ومرافقتهم ويتطلب الأمر في نفس الوقت تقديم حصيلة بعد سنوات من انطلاق تلك المشاريع، علما أنه حسب آخر الإحصائيات تمّ تسجيل أزيد من 60 بالمائة من المشاريع الممولة من طرف الوكالات التي تمول المشاريع وفي صدارتها، وقدر الغلاف المالي بما يفوق الـ 65 بالمائة من إجمالي الموارد المالية المرصودة لتمويل المشاريع في مختلف القطاعات الأخرى.
نسبة نمو  بـ 11 بالمائة
وإن كانت الأرقام الأخيرة تشير أن القطاع الفلاحي سجل نموا محسوسا وزيادة معتبرة في إجمالي الإنتاج الفلاحي، حيث قفز إلى ما قيمته 2761 مليار دينار أي ما يناهز 35 مليار دولار، لكنه سنة 2013 لم يتجاوز حدود 2550 مليار دينار أي حوالي 32 مليار دولار، وتمثل تلك الأرقام نحو 72 بالمائة من إنتاج متطلبات المواد الغذائية.
ورغم بلوغ نسبة نمو القطاع الفلاحي في الخماسية المنقضية نحو سقف 11 بالمائة، إلا أن المستهلك لم يتلمس تلك الزيادة في الوفرة بالنظر إلى المنحى التصاعدي للأسعار والتي لم تعد تلتهب في شهر رمضان والأعياد بل في كل مواسم السنة وحتى فصول الإنتاج بما فيها فصلي الربيع والصيف، وهذا ما يطرح وجود أزمة في التسويق يتسبب فيها كما يعتقد البعض من جمعيات حماية المستهلك، الوسطاء والسماسرة، ولا يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي في ظلّ استيراد المواد المتوفرة والتي يمكن مضاعفة إنتاجها في الجزائر، في وقت يفترض على أولئك المستوردين أن يضخوا أموالهم في الاستثمار الفلاحي لا في استيراد هذه المنتوجات على غرار البصل والثوم والبطاطا والعديد من الفواكه التي يمكن أن تنتج في الجزائر.وتبقى آفاق الاستثمار واعدة بالنظر إلى التسهيلات التشريعية والقروض المتدفقة وأمام توسيع المساحات المسقية إلى 2 مليون هكتار، ويمكن الاستعانة بالتجارب الناجحة، حتى وإن كانت من دول أجنبية وفتح المجال لتقارب الفلاحين والمستثمرين في هذا المجال لتبادل الخبرات وتشجيع أحسن المستثمرين على توسيع مشاريعهم الفلاحية.
رهان تكثيف أنظمة الدعم  
وإن كان القائمون على هذا القطاع ينوون خلال الخماسي المقبل، الذي يمتد إلى غاية آفاق عام 2019، تكثيف أنظمة الدعم حتى يتبوأ القطاع المكانة التي يستحقها في النمو الاقتصادي، إلا أن الفلاح في الوقت الراهن مازال بعيدا عن المرافقة التي من المفروض أن لا تتوقف عند
دعمه بالقروض ومنحه الأرض للاستغلال وتجسيد


مشروعه سواء ذلك الموجه لإنتاج الحليب أو اللحوم أو الخضر والفواكه، بل مواصلة الأخذ بيده عند تسويق منتوجه ووصوله إلى المستهلك وكذا تحويل الإنتاج سواء تعلق بالطماطم أو الفواكه أو الحليب أو اللحوم للمصانع وكذا البطاطا نحو التخزين إذا كان الإنتاج وافرا. ويذكر أن وزارة الفلاحة تنوي خلال السنوات المقبلة الشروع في تكثيف أنظمة الدعم لمواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة التي شهدها القطاع في العالم المتطور وفي صدارة كل ذلك تجديد الدعم بهدف جلب الأبقار الحلوب من الخارج لترقية شعب إنتاج الحليب واللحوم الحمراء، وكذا توسيع أنواع الدعم الخاصة بالعتاد الفلاحي المتطور لتعويض النقص الفادح في اليد العاملة التي يشتكي منها المستثمرون في هذا المجال ونذكر منها عتاد زرع وجني منتوج البطاطا والطماطم الصناعية وما إلى غير ذلك إلى جانب الرفع من طاقات التخزين والتبريد والقفز بعد كل ذلك إلى إنجاز وحدات تحويل الخضر والفواكه.
وفرة  الأسماك ولهيب الأسعار  

جاءت تصريحات وزير الفلاحة عبد الوهاب نوري خلال الأيام الأخيرة لتؤكد بشكل صريح وفرة في منتجات الصيد البحري وتربية المائيات، حيث شدّد على ضرورة تسيير المخاطر على صعيد الصحة العمومية وكذا الصحة الحيوانية في هذا القطاع، لكن المستهلك لم تنعكس عليه هذه الوفرة المسجلة في الإنتاج كون أسعار السمك الذي يعد الأخفض تسعيرة في السوق بالنسبة لجميع أنواع الأسماك قفز سعرها إلى حدود 500 دينار، ولم يعد الطبق الحاضر على مائدة الطبقة المتوسطة كما ظلّ لسنوات طويلة، إذا ينبغي إعادة النظر في منظومة التسويق والتفكير السريع في إيجاد حلول من أجل وضع حد لمن يقف وراء لهيب الأسواق، بدل المساهمة في رفع الأسعار كي لا تبقى السوق في قبضة من يتسمون بالجشع، خاصة أن الدولة تقدم دعما للفلاح والصياد لكن المستهلك لا يستفيد ولا ينتفع لا من قريب ولا من بعيد.