يشخص الخبير عبد الرحمان مبتول وضعية أسواق المحروقات في ضوء المؤشرات الراهنة ويحدّد تسعة (09) أسباب وراء تراجع أسعار البترول وهي:
1- ركود الاقتصاد العالمي ومنها تباطؤ اقتصاديات بعض البلدان الصاعدة مثل الأرجنتين، البرازيل والهند وخاصة الصين التي حققت نسبة نمو بـ7 ٪ بفضل الرفع من نسب الفوائد وقطاع البناء والأشغال والري الذي يساهم بأكثر من 25 ٪ في الناتج الداخلي الخام ويضاف إلى هذا فائض الإنتاج مقارنة بحجم الطلب.
2- إدخال الغاز والبترول الصخري الأمريكي الذي أخلط تماما الخارطة الطاقوية العالمية، إذ انتقل من 5 ملايين برميل/يوم من البترول إلى 8,5 مليون برميل/يوم حاليا ويتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى 9,5 مليون ب/ي في 2015.
3- الخلافات داخل منظمة (أوبيب) والتي لا يحترم بعض أعضائها الحصص الموزعة على البلدان الأعضاء. ويوجد خلاف بين إيران والسعودية (أكثر من 35 ٪ من إنتاج أوبيب) والتي لا تريد خسارة حصصها في السوق، وتعتبر العربية السعودية البلد المنتج الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يؤثر على العرض وبالتالي على الأسعار.
4- الإستراتيجية التوسعية لـ«غازبروم” (الروسية)، بالنسبة للبترول أو الغاز خاصة من خلال الخطين الناقلين “نورث” و«ساوث ستريم” لتموين أوروبا بـ 125 مليار متر مكعب من الغاز، فإن روسيا بحاجة إلى تمويل دون أن تتأثر صادراتها بالتوترات الناجمة عن أزمة أوكرانيا (الدليل أن قرار بروكسيل المتخذ في نهاية أكتوبر بمواصلة تموين أوكرانيا رغم التوترات)، علما أن حصتها في السوق الأوروبية تقدر بـ 30 ٪ سنة 2013، وأثبتت التجربة أن روسيا عوضت حصص السوق لما كانت “أوبيب” تخفض من حجم حصص بلدانها الأعضاء.
5- عودة إنتاج 800 ألف برميل/يوم إلى السوق الليبية حاليا مع توقع إمكانية الوصول إلى 2 مليون برميل في اليوم، العراق بـ3,7 مليون ب/ي وهو البلد المصنف بالخزان الثاني عالميا بكلفة إنتاج أقل بـ20 بالمائة مقارنة بمنافسيها وبإمكان العراق إنتاج أكثر من 8/9 مليون ب/ي ثم إيران بـ2,7 مليون ب/ي مع قدرة الزيادة إلى 5/7 مليون ب/ي. ويضاف إلى هذا الاكتشافات الجديدة في البحر خاصة في منطقة شرق المتوسط (20.000 مليار متر مكعب من الغاز مما يفسّر بعض الشيء التوترات الحاصلة في هذه المنطقة) وفي إفريقيا ومنها الموزمبيق، الذي يمكنه أن يتحول إلى ثالث خزان للذهب الأسود في إفريقيا إلى جانب عامل آخر يتمثل في التكنولوجيات الجديدة التي تسمح بتقليص الكلفة على مستوى الآبار الهامشية.
6- الفعالية الطاقوية في أغلب البلدان الغربية مع توقّع تقليص بـ30 ٪ ( اقتصاد الطاقة ذات الصلة بإنتاج الإسمنت وحديد البناء) تستدعي من الجزائر التي تواصل بناء برنامج ضخم بـ2 مليون سكن بالطرق التقليدية للبناء مواكبة اقتصاد الطاقة.
7- التوجهات الراهنة تقود إلى تقسيم وتخصص دولي مع التركيز على الصناعة ذات الاستهلاك القوي للطاقة في آسيا التي تستوعب 65 ٪ من الاستهلاك العالمي في أفق سنة 2030 خاصة الهند والصين اللذين تجاوز الاستيراد لديهما ما تستورده أمريكا في 2013/2014. ويتوقع أن تكون العلاقة بين الممون والزبون لصالحهما أكثر كما هو الحال للصين بالنسبة لفنزويلا والاكواتور من خلال المزايا المقارنة.
8- المضاربة من طرف الوسطاء على مستوى أسواق البورصات واحتلال جماعات إرهابية لحقول البترول والغاز خاصة في العراق وتسويق الذهب الأسود بسعر 40 إلى 50 دولارا للبرميل .
9- تسعير الدولار والاورو بقيمة مرتفعة ينجر عنه انخفاض.
وفيما يتعلق بتأثيرات الوضع على الاقتصاد الوطني، يدعو مبتول إلى التفكير حول الطرق والوسائل الضرورية لتنشيط النسيج الإنتاجي من طرف المؤسسات العمومية والخاصة المحلية والدولية الخلاقة للقيمة المضافة الداخلية. فالتركيز يكون على المؤسسة المنشئة للثروة واقتصاد المعرفة في إطار المعايير الدولية. وأشار مذكرا إلى أنه طرح هذا الخيار أمام القاضي الأول للبلاد بمناسبة انعقاد الندوة التي عقدتها وزارة الصناعة حيث قال أن الاصطلاحات الاقتصادية والاجتماعية القادمة تكون مؤلمة ولذلك يجب أن تبادر الجزائر التفكير مبكرا لإنشاء “لجنة أزمة” (أو لليقظة)، مشكلة من خبراء مستقلين وليسوا موظفين قصد تفادي التجربة المؤلمة لسنة 1986 التي أدت إلى كارثة في 1994 (جدولة المديونية) ويواصل موضحا بالقول أن الجزائر يمكنها أن تستفيد من استقرار مالي ومديونية خارجية ضعيفة جدا ومن احتياطي للصرف يعادل 200 مليار دولار مع 173 طن من الذهب قصد إنجاز التحول الصعب والتوصل إلى تفادي الصدمة الاجتماعية ويتطلب هذا التحدي أيضا أخلقة الحياة العامة والاقتصادية خاصة من أجل إرساء مناخ الثقة بين الشركاء كافة وبالذات بين المواطنين والدولة. وتوقف عند قراءة للأرقام موضحا أن مداخيل الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك تعرف تراجعا بتسجيلها 73 مليار دولار بين ٢٠١١/٢٠١٠، ثم 63 مليار دولار في 2013 و60 مليار دولار كما أعلنها وزير الطاقة في 2014 بمعدل سعر 102 دولار للبرميل . وبمعدل سعر 80 دولار فإن مداخيل سوناطراك يعادل أقل من 50 مليار دولار وبمعدل 70 دولار تقدر المداخيل بحوالي 40 مليار دولار، وبالطبع تستدعي مثل هذه المؤشرات اتخاذ ما يساعد عل مواجهتها وتجاوز آثارها أو على الأقل التقليل من حدة الصدمة.