طباعة هذه الصفحة

الباحث الصحراوي محمد عالي لمن في حوار مع «الشعب»

الخيمة سلاح المقاومة الصّحراوية من أجل تقرير المصير

أجرت الحوار: أمال مرابطي

فرضت الخيمة الصحراوية نفسها عاملا حضاريا وموروثا ثقافيا يتطلّب المحافظة عليه، كونه من أبرز المقوّمات التي ساهمت في تذليل الصّعاب أمام الإنسان الصّحراوي، في علاقته مع الطبيعة القاسية. هي مسكّنه والمكان الذي يوفّر له لحظة الاستقرار المنشودة.
 لتسليط الضوء على الموروث الثقافي للصحراء الغربية، وأهمية الخيمة والثقافة في مواجهة الاحتلال المغربي ودورها في الحفاظ على الهوية الصحراوية، كان لـ «الشعب» هذا الحوار مع الباحث الصحراوي محمد عالي لمن.

❊ الشعب: شيّد الصّحراويون في المناطق المحتلة يوم 10 أكتوبر 2010 مخيّما في ضواحي مدينة العيون المحتلة، عرف بمخيم «أكديم ازيك»، وقد قامت القوات المغربية بتفكيك المخيم بشكل رهيب أدهش العالم بأسره، وأصبح الشعب الصحراوي بعدها يحتفل بهذا اليوم وخصص له مهرجانا سنويا، أي مكانة يحتلّها المخيّم في الّنضال التحرّري والاستقلال؟
❊❊ محمد عالي لمن: طبعا الخيمة لها أهمية تاريخية وحضارية ونفسية، وهي في المراكز الحيوية والأساسية لدراسة ثقافة شعب الصحراء الغربية، كما أنّها محطة للإقامة والكرم والضيافة والسمعة والشرف، وخيم الصحراويين لم تغلق يوما ولها أربعة أبواب مفتوحة.
وعلى هذا الأساس في جميع الدراسات والكتب التي قمت بتأليفها كان لمفهوم الخيمة بعدا محوريا، ولا شك أنّنا نشترك مع البلدان العربية والإسلامية في هذه القيمة وخاصة مع الشعب الجزائري الشقيق.

❊ كيف؟
❊❊ عندما يتفحّص الباحث أو الكاتب معنى ومغزى قصيدة الشاعر المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري حينما قال:
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر
  وعـاذلاً لمحـبّ البــــدو والقــفـر
لا تذممـنّ بيوتـاً خـفّ محملــــهـا
     وتمدحـنّ بيـوت الطيـــن والحـــــــجـر
لو كنت تعلم ما في البــــــدو تعذرنـي
لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً
 بساط رملٍ بـه الحصبـاء كالــدرر
أو جلتَ في روضةٍ قد راق منــظرها
بكـل لـونٍ جميـل شــــــيّـق عطـــــر

فإنه يدرك عمق الأصالة والتواصل بين الشعبين الصحراوي والجزائري.
الخيمة كانت حاضرة كسلاح أساسي في المقاومة الصحراوية، ففي انتفاضة 1970م بمدينة العيون (بحي الزملة) نصّب الشعب الصحراوي خيم في وجه المحتل الاسباني وفي وجه المحتل المغربي، وكان مخيم «اكديم زيك» من مظاهر مقاومة المحتل المغربي.
كان بناء أول خيمة في مخيم «اكديم ازيك» يوم 10 أكتوبر 2010، بداية الشرارة الأولى للربيع العربي الحقيقي حاملا مضمون الحرية والانعتاق تأكيدا على تمسك الصحراويين بحقهم في الاستقلال رغم القوة العسكرية الكبيرة التي دفع بها نظام المخزن لقمعهم وترهيبهم.
ويعبّر بناء المخيم عن إرادة شعب اغتصبت أرضه وضمّت عنوة إلى دولة أخرى، بحجج واهية تتناقض ومبادئ القانون الدولي، كما كشف الهجوم على مخيم (أكديم إزيك) من قبل قوات الاحتلال المغربي بالصحراء الغربية عن «قمة البشاعة» الاستعمارية في كامل صورها خلال سنة 2010، ففي نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر2010 قرّر حوالي 30 ألف صحراوي نصب «مخيم الحرية والكرامة» باكديم ايزيك على بعد 10 كيلومترات من مدينة العيون المحتلة، كشكل من أشكال الكفاح السّلمي المفضّل عند الشعب الصحراوي، وتعبيرا عن حقه في تقرير المصير عن طريق الاستفتاء.

❊ المخيم فاجأ المحتل المغربي وكسّر تعتيمه الاعلامي والسياسي، كيف كان ردّ فعله؟
❊❊ قام النّظام الملكي في المغرب بتحضير هجوم دموي في جنح الليل على مخيم به أزيد من 8000 نسمة لتدخل الجيوش فجرا وتبيد العشرات بالرصاص الحي والدهس بالسيارات والضرب المبرح، لتتحول أروقة المدينة إلى مطاردات للصحراويين واستعانت بالجيش المغربي في زي مدني ليرتكبوا جرائم في حق الصحراويين. وقد خلّف هجوم قوات الجيش المغربي يوم 8 نوفمبر 2010 عشرات القتلى ومئات الجرحى والمفقودين، وأغلقت الرباط كل المنافذ المؤدّية إلى مسرح الأحداث، مانعة دخول العديد من النواب الأوروبيين والعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان.
والتحضيرات لتخليد هذه الذكرى كانت في شكل مهرجان جهوي ثقافي بولاية اوسرد  بمخيمات اللاجئين الصحراويين، من خلال محاضرات ومداخلات سياسية وثقافية حول رمزية هذا اليوم.

❊ هكذا كانت الثقافة الوجه الآخر للمقاومة الصحراوية وسلاحه الفتاك في إيصال رسالة الحرية وكسب المزيد من التأييد؟
❊❊ الثقافة وسيلة من وسائل الكفاح والنضال ضد الاحتلال، ومن خلال المثقفين من الكتاب والفنّانين والشّعراء، يمكن أن يصل صوتنا للآخر في وقت أصبح فيه العالم قرية واحدة بفعل وسائل الاتصال.

❊ حدّثونا عن دواوينكم وما الأقرب إليكم من أعمالكم؟
❊❊ طبعا نحن نعمل في إطار وزارة الثقافة الصحراوية، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة الصحراوية، قمنا في هذه الفترة بإعداد مجموعة معتبرة من دواوين الشعراء الصحراويين والموسوعات الثقافية، وكلها تصب في عمق واحد هو أن الثقافة الصحراوية من أجل التحرير والبناء.

❊ ما هي جهودكم لحماية ونشر الثقافة والتراث الصحراوي؟
❊❊ هو عمل نشعر بأنه صعب وطويل يحتاج إلى صبر وتكاثف جهود الجميع من أجل تدوين وجمع ثقافة شعب الصحراء الغربية، وقد قطعنا ولله الحمد خطوات معتبرة سواء من خلال مقابلات معمقة مع شيوخ من الآباء والأمهات، أو ما يعرف (بمشروع رد عليا يا داه)، وفي الحقيقة هو مشروع مثير للاهتمام استطعنا من خلاله جمع وتدوين كم هائل من عناصر الثقافة الصحراوية التي هي في رؤوس جيل معين.

❊ أيّ من الكتاب الصحراويين الذين يثيرون اهتمامكم؟
❊❊ أقرأ لعديد من الكتاب الصحراويين، وخاصة كتاب «أدب السجون في المناطق المحتلة» من الصحراء الغربية، إلى جانب الكتاب والمثقفين العرب.

❊ ما هي الطبوع التي تميز نشاطات أهل الصحراء الغربية؟
❊❊ ثقافة شعب الصحراء الغربية متنوعة ومتميزة كل جزء منها يكمّل الآخر، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، فكل نشاط إنساني ذو طابع ثقافي مهما كانت نوعيته، وبالأحرى إذا كان في مجتمع ذو طبيعة متحركة مثل المجتمع الصحراوي.

❊ ما هي اللغة التي يستعملونها في كتاباتهم ويجدونها الأقرب لتبليغ رسالتهم وتوضيح الحقائق في المنطقة؟
❊❊ اللغة الرّسمية هي اللغة العربية واللهجة المعروفة عند المجتمع الصحراوي هي اللهجة الحسانية التي يتكلم بها ما يعرف بمجتمع «البيظان».

❊ ما هي الصعوبات التي تواجهكم لكسر حصار الاحتلال المغربي؟
❊❊ لاشك بأنّ واقع اللجوء والهجرة القسرية التي فرضت على الشعب الصحراوي لها تأثيرها، فنحن نعمل في ظروف صعبة وامكانيات شحيحة، ولكن هذا واجبنا، وهي تضحيات يجب أن نقدّمها في سبيل تحقيق حق شعبنا في الحرية والاستقلال.