سجلت قاعة الموقار عودة المخرج القدير محمد لخضر حمينة، باحتضانها، أمس الأحد، العرض الشرفي الأول للفيلم الطويل «غروب الظلال»، الذي يروي في قرابة الساعتين رحلة ثلاث شخصيات متناقضة، عبّر الحوار بينها عن فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وصوّر كيف يحاول الضمير الإنساني أن يستفيق ويطلب الغفران، ولكن بعد فوات الأوان..
الفيلم من إنتاج الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي ووزارة المجاهدين، المركز الوطني للبحوث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة الفاتح نوفمبر، وكذا سان سات انترتايمنت، بدعم من وزارة الثقافة وصندوق دعم صناعة وتقنيات السينما (فداتيك).
تمت برمجة عرض صباحي مخصص للصحافة، فيما عرفت الفترة المسائية العرض الرسمي بحضور عدد من المسؤولين والفنانين ومحبي الفن السابع، وذلك بحضور مخرج الفيلم محمد لخضر حمينة والممثلين لوران هانكان، سمير بوعاتر ونيكولا بريديه.
ويقص صاحب سعفة «كان» الذهبية، قصة إنتاج الفيلم، قائلا إنه قد كتب ملخص السيناريو منذ عقدين من الزمن، وصادف أن التقى حمينة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 2008، الذي طلب منه إخراج فيلم جديد، فجاء ردّ حمينة بعد يومين بأن أرسل هذا الملخص الذي لم يتجاوز 20 صفحة، وحصل فيلمه على الموافقة. وقد تكلف الإنتاج ما بين 5 و6 ملايين يورو، فيما يتطلب إنتاج فيلم أوروبي من ذات المستوى خمسة أضعاف هذه التكلفة، يقول حمينة.
تدور أحداث الفيلم سنة 1957، في قلب العرق الكبير بالصحراء الجزائرية، أبطاله خالد المجاهد ضد الاستعمار الفرنسي، الذي درس في الجامعات الفرنسية وامتلك بذلك العلم الذي هو أحسن سلاح ضد المستعمر، والإيمان بالاستقلال والحرية، وهو اليد التي تحمل هذا السلاح وتستعمله ضد الغزاة.
وفي المعسكر المقابل نجد الرائد سانتوناك، الذي يعتبر نفسه حامي الإمبراطورية الفرنسية والمدافع عن مبادئها؛ «مبادئ» دافع عنها في الهند الصينية ورآها تتهاوى في معركة ديان بيان فو، ولكنه حافظ على نفس الممارسات من تعذيب وقتل وتسميم للآبار... وبين الإثنين يقف الجندي لامبير، المستنكِف الضميري الذي حظي بالحماية منذ أن كان في باريس، وهو ذلك الجندي الذي يرفض الظلم ويأبى تبني الأساليب الوحشية اللاّإنسانية للجيش الفرنسي ومن خلاله قائده في الوحدة الرائد سانتوناك. وخلال إحدى عمليات «الإعدام بإجراءات موجزة»، رفض لامبير أن يعدم خالد وذهب إلى حد تجريد سانتوناك من سلاحه ثم يجد الثلاثة أنفسهم في رحلة عبر الصحراء، أين يقابل كل واحد منهم حقيقته وحقيقة الآخر.
وعن سؤال «الشعب» حول سبب اختيار هذه الصورة السينمائية، التي رأينا شبيهاتها في «دورية نحو الشرق» لعمّار العسكري أو «الأفيون والعصا» لأحمد راشدي، أجاب حمينة أنها الطريقة المثلى التي وجدها لكي يخلق تلك المواجهة بين ضمير كل شخصية من الأبطال الثلاثة للقصة.
وشدد حمينة على أن يشاهد جمهور الشباب مثل هذه الأفلام، التي لا تتحدث عن الضغينة والأحقاد، بل عن التعرف على تاريخ بلد ومعاناة شعب، وهذا هو سبب تصوير حمينة لفترة طفولة وشباب شخصيات الفيلم، لما لهذه الفترة من أهمية في بناء شخصية الإنسان... «إننا في خطر لأننا نفقد معنى تاريخنا»، يقول حمينة. كما لم يفوّت المخرج الفرصة للتأكيد على أهمية التربية.
وقد وظف المخرج العديد من تقنيات الكتابة السينمائية، مثل الفلاشباك، وكذا التقنيات التصويرية مثل الليلة الأمريكية «la nuit américaine» التي أتقنها مديرو التصوير الجزائريون منذ الخطوات الأولى للفن السابع في بلادنا.