طباعة هذه الصفحة

بعد الإطاحة ببليز كومباوري

هل ضربت سياسة “فرنسا- إفريقيا” في الصميم؟

أمين بلعمري

تعيش إفريقيا تغيرات جيواستراتيجية أملتها سياسات النفوذ و المنافسة من أجل الظفر بمقدرات هذه القارة التي أصبحت محط أنظار القوى الكبرى التي تخوض سباقا محموما لا مكان فيه للرحمة في عالم يعرف هزّات اقتصادية عنيفة  وهي هزات قد تعود بالقارة إلى عهود الاستغلال و الاستعمار.

 فالأوضاع التي تعيشها هذه القارة من انتشار لظاهرة الإرهاب و الأوبئة و الانقلابات العسكرية  كلها مؤشرات غير إيجابية  توحي بأن غد إفريقيا لن يكون سعيدا و ستكون مسرحا لمواجهات غير معلنة و حالات من الفوضى و انعدام الاستقرار و الحالة البوركينابية تدعم هذا التوجه الجديد .
بوادر أزمة متعددة الأبعاد في بوكينافاسو  
إن الانتفاضة الشعبية التي شهدتها بوركينافاسو قد تكون العامل المفجر للكثير من الدول الإفريقية في سيناريو شبيه بما وقع في الدول العربية تحت مسمى “الربيع العربي”. وإن كان الحراك العربي يختلف في ملامحه كونه مدرج ضمن أنجدة خارجية . فقد استطاع الشعب البوركينابي و خلال 84 ساعة فقط إنهاء حكم بليز كمباوري الذي استمر لأكثر من ربع قرن و هذا الوقوع السهل لكمباوري و نظامه قد يفتح شهية الشعوب الإفريقية الأخرى و يغريها في (ربيع إفريقي)  خاصة و أنها تعرف نفس المعطيات السياسية الموجودة في بوكينافاسو التي كانت تعتبر بالأمس القريب نموذجا للاستقرار السياسي، حيث لم  تشهد منذ 1987 أي انقلاب عسكري بعد ذلك الذي أوصل كمباوري إلى سدة الحكم بعد الإطاحة بالنقيب توماس سانكارا المعروف بمواقفه المناهضة للامبريالية وبإصلاحاته بعد الإطاحة ببليز كومباوري
هل ضربت سياسة “فرنسا- إفريقيا” في الصميم؟الكبيرة، التي كثيرا ما أثارت حفيظة الاليزيه في عهد الرئيس فرانسوا ميتران في أوج  سياسة فرنسا-إفريقيا . وهي سياسة أصبح فيما بعد بليز كمباوي من أكبر محاورها في منطقة غرب إفريقيا إلى غاية الإطاحة به يوم الجمعة الماضي بعد انتفاضة شعبه الذي رفض التمديد من خلال تعديل المادة 37 من الدستور التي لا تسمح له بخماسية ثالثة .
المشهد الذي أفرزته إقالة أو استقالة الرئيس كمباوري هو مشهد مأزق حقيقي دخلت فيه البلاد خاصة و أن الجيش الذي أخذ بزمام المبادرة وسط الفوضى العارمة التي تعيشها  البلاد يعرف نوعا من الارتباك فقائد الجيش الجنرال هونوري طراوري الذي أعلن نفسه قائدا للمرحلة الانتقالية سرعان ما انقلب عليه أحد ضباطه و هو قائد عمليات  الحرس الرئاسي برتبة مقدم الذي بدوره أعلن نفسه رئيسا انتقاليا للبلاد و أغلق الحدود البرية و الأجواء و باشر المشاورات المتعلقة بإنشاء الهيئة الانتقالية في البلاد. كل ذلك يتم وسط نداءات دولية و أمريكية على وجه الخصوص تطالب العسكر بتسليم السلطة للمدنيين و هذا مؤشر على بداية دخول البلاد في عزلة دولية سترافقها في حال لم تسلم السلطة للمدنيين عقوبات اقتصادية و سياسية ستغرق البلاد شيئا فشيئا في أزمة سياسية و عسكرية شبيهة بتلك التي حلّت في مالي و بجمهورية إفريقيا الوسطى قد تفتح مجددا الباب لسيناريو تدخل فرنسي محتمل في هذا البلد الذي تتواجد به قاعدة للقوات الخاصة الفرنسية “بارخان” المكلفة بمهمة مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي.  

تحولت الى لاعب إقليمي أساسي
بوركينافاسو تقود وساطات
ناجحة لحل أزمات إفريقيا

على الرغم من أنه جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري دموي قاده  عام 1987 ضدّ رفيقه في السلاح الرئيس السابق توماس سانكارا، نجح  الرئيس المخلوع بليز كامبواري في التأسيس لسمعة جيدة لجمهورية بوركينافاسو في المنطقة الإفريقية، من خلال أدوار الوساطة التي لعبتها؛ من أجل التوصّل إلى حلول لأزمات هزت بلداناً إفريقية عديدة، أبرزها مالي و كوت ديفوار.
لقد تمكّنت بوركينافاسو تحت سلطة  الرئيس المطاح به شعبيا قبل أيام ، من القيام بعدة وساطات  في مواقع شتى من القارة الإفريقية وصفت بأنّها ناجحة من قبل المحلّلين. فلقد بدا دورها حاسماً في الأزمة المالية، على الأقلّ حين انتهت بحمل السلطة المركزية في باماكو  وممثّلين عن المجموعات المسلّحة الرئيسية المتمركزة شمال البلاد على الجلوس  إلى مائدة المفاوضات. نجاح دفع بالحركة “الوطنية لتحرير أزواد”، أبرز الحركات المسلّحة في مالي، إلى إنشاء مقرّها العام في العاصمة البوركينابية، واغادوغو.
إضافة إلى الملف المالي، كان لبوركينافاسو ، أدوار وساطة في العديد من الصراعات العرقية والسياسية التي اندلعت في البلدان الإفريقية، من ذلك الأزمة السياسية والعسكرية التي هزت كوت ديفوار بين عامي 2002 و2010، والأزمة السياسية في غينيا عام 2009.كما أصبحت بوركينا فاسو خلال حكم كامباوري حليفا أساسيا في العمليات الغربية ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي في غرب إفريقيا.
د. ف


 انقلابات
خلال 54 عاما
 

شهد تاريخ دولة بوركينا فاسو 6 انقلابات عسكرية منذ استقلالها في 1960، ما جعل لديها رصيدا ضخما من الاضطرابات قادها نحو تغييرات عاصفة أطاحت بأنظمة لتعقبها أخرى.
انقلاب 4 جانفي 1966
في الخامس من أوت 1960، أصبحت  بوركينا فاسو التي كانت تلقب ب«فولتا العليا” جمهورية مستقلة برئاسة “موريس ياميوجو” رئيس حزب التجمع الديمقراطي الإفريقي، والذي سرعان ما أصبح الحزب السياسي القانوني الوحيد بالبلاد، بعد قمع المعارضة.
وبحلول جانفي  1966، أضحت البلاد غير راضية على حكم “ياميوجو”، خصوصا بعد أن أقرّت الحكومة سياسة التقشّف المالي، وهو ما دفع باتحاد نقابات العمال إلى الإضراب العام احتجاجا على عدم أمانة الحكومة.
 وخلال الاضطرابات، وأمام عجز “ياميوجو” عن احتواء الاحتقان الجماهيري، استولى الجيش على الحكم وأصبح الجنرال” أبوبكر سانجولي لاميزانا” رئيسًا للدولة.
2-انقلاب 25 نوفمبر 1980
الجفاف أتى على آمال المزارعين، وأربعة من النقابات الأساسية للتعليم دعت إلى إضراب الأساتذة احتجاجا على القرارات التعسّفية التي طالت زملاءهم.. ثمّ سرعان ما توسّعت الاحتجاجات لتشلّ جلّ القطاعات بما فيها الحكومية منها بسبب استشراء المحسوبية والفساد.
وفي ال25 من سنة 1980، انتشرت قوات اللجنة العسكرية للتغيير من أجل التقدّم الوطني في المواقع الساخنة بواغادوغو، تمكّن على إثرها العقيد “سايي زيربو” من الإطاحة بالرئيس “لاميزانا” واعتلاء السلطة.
 انقلاب بتر ما اعتبرته بعض الأطراف في الداخل والخارج آنذاك نموذجا للديمقراطية في المنطقة، خصوصا بعد اعتماد دستور الجمهورية الثانية، وإعادة انتخاب “لاميزانا” في العام 1978 رئيسا للدولة.
3-انقلاب 7 نوفمبر 1982
انفجار أزمة في اللجنة العسكرية للتعديل من أجل التقدم الوطني وضع شقّيها في المواجهة.
الأزمة انتهت بانقلاب حمل “توماس سانكارا” إلى السلطة، ليفسح المجال إثر ذلك للطبيب الرائد “جان- بابتست أويدراوجو” لتقلّد مهام الدولة رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية وافتقاده للخلفية الايديولوجية.
4- انقلاب 4 أوت 1983
بعد اتّهامه بخدمة مصالح الهيمنة الأجنبية والاستعمار الجديد، عزل الرئيس “أويدراوجو” شيئا فشيئا ، وهو ما منح الفرصة للوزير الأوّل الأسبق “توماس سانكارا” (والذي لعب دورا في انقلاب 1982) للإطاحة بالحكومة العسكرية بواغادوغو.
العملية أسفرت عن 13 قتيلا و15 جريحا، وعن ميلاد “المجلس الوطني الثوري” حاملا معه وعودا بالإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية وسياسة خارجية مناهضة للأمبريالية. كما تمّ التخلّي عن
تسمية “فولتا العليا” لتحمل البلاد رسميا اسم “بوركينا فاسو”، وتعني “بلاد الرجال المستقيمين”.5- انقلاب 15 أكتوبر 1987
اندلعت مواجهات عنيفة في ما عرف لاحقا بيوم “الخميس الأسود” بالقصر الرئاسي بين الموالين والمتمرّدين، المواجهات انتهت بمقتل “توماس سانكارا” وبانقلاب حاكه المستشار الرئيسي “بليز كامباوري”، تمّ فرض حظر التجوال وحلّ المجلس الثوري.
 أياما بعد ذلك، أعلن طبيب عسكري عن وفاة “سانكارا” بطريقة طبيعية، واتهمه بعدها “كامباوري” بـ “خيانة روح الثورة” قبل أن يتولى السلطة الى يوم الجمعة الماضي.
6- انقلاب 31 أكتوبر 2014
أمام الإصرار الكبير الذي أبداه نظام “بليز كامباوري” إزاء تعديل دستوري، يرمي إلى مراجعة المادة 37 من الدستور البوركيني بما يسمح للرئيس بولاية ثالثة، أعلنت المعارضة العصيان المدني، قبل أن تنضمّ إليها النقابات والمجتمع المدني، لتشكّل مختلف هذه المكونات جبهة مقاومة لأطماع كامباوري الذي لم يجد بدا من تقديم استقالته، ومغادرة البلاد إلى كوت ديفوار ،لتعلن بذلك بوركينا فاسو، عن حلول “الربيع الإفريقي”، في سيناريو بدا شبيها، إلى حدّ ما، بتفاصيل الانتفاضة التونسية، مع اختلاف في بعض الجزئيات.
 في سطور

حتى أواخر أكتوبر  ٢٠١٤، كانت بوركينافاسو تعد واحدة من أكثر بلدان إفريقيا استقرار وارتباطا بالغرب بالرغم من فقرها والتهاب محيطها حيث النزاعات والحروب والانقلابات.
^ الموقع و المساحة
 بوركينافاسو، أو فولتا العليا سابقا، هي واحدة من دول الصحراء الكبرى، تقع في غرب إفريقيا، تحدها من الشمال مالي ومن الشرق النيجر، والطوغو وغانا من الجنوب، في حين تقع على الجنوب الغربي منها كوت ديفوار.
تبلغ مساحة بوركينافاسو  274،200 كلم2 ، وعاصمتها واغادوغو.نظام الحكم جمهوري و هرم السلطة يتكون من رئيس دولة و رئيس وزراء.
^ اللغة و الدين
الفرنسية هي لغة البلاد الرسمية، ولكن السكان يتحدثون لغات الموري، الديولا (البمبارا)، وأمازيغية الطوارق. وقد بدأت اللغة العربية تدرس في بعض المدارس أيضاً. وتنقسم البلاد إلى 12 مقاطعة إدارية.
أما عن الدين ، فلا توجد إحصائيات دقيقة لنسب الأديان في بوركينا فاسو، ولكن استناداً لإحصائيات حكومية في البلاد أجريت عام 1996 فإن60 % من السكان مسلمون معظمهم سنّة،و 16.6 % كاثوليك، و3 % بروتستانت، و23.7 % يتبعون ديانات محلية .
^التضاريس والمناخ
رغم أنها من دول الصحراء الكبرى إلا أن أرض بوركينافاسو تجمع  أودية نهرية عديدة، ويصرف معظمها إلى نهر فولتا مثل فولتا الأبيض وفولتا الأحمر وفولتا الأسود، وتنتشر المستنقعات في المناطق المنخفضة مثل مستنقع (جوروما) موطن ذبابة (تسي تسي) الضّارة.
مناخ بوركينا فاسو من النوع المداري، ممطر في الصيف، وجاف في الشتاء.  
^ النشاط الاقتصادي
تعتبر الزراعة أهم نشاط في البلاد، حيث يعمل أهل  بوركينا فاسو في الزراعة والرعي،وأهم المحاصيل الزراعية  هي  الأرز والذرة والفول السوداني والقطن والسمسم، ولها ثروة حيوانية هامة .
أما عن الثروات فهي تملك المنغنيز و الذهب و الفوسفاط و الملح و الرخام و الحجر الجيري.
^ شيئ من التاريخ
كانت بوركينا فاسو  تشكل قسماً من مملكة (ملى) الإسلامية ثم خضعت لمملكة (صنفي) الإسلامية وبعد تفتيت المملكتين تكوّنت مملكة بفولتا واتّخدت من مدينة (وغادوغو) عاصمة لها.
 خضعت  بوركينا فاسو للاستعمار الفرنسي أيام تقدمه في إفريقيا عندما وقّع مع مملكة الفولتا معاهدة في سنة 1896 ، وألحقت  بمستعمرة السنغال العليا، ثم أصبحت مستعمرة منفردة في سنة 1916، وعرفت بفولتا العليا. وعندما قام سكانها  بمحاولات لنيل استقلالهم فتتوا أرضهم فوزعت على كوت ديفوار ومالي والنيجر، وفي سنة 1947، استعادت فولتا العليا وحدة أراضيها في مستعمرة واحدة، ثم نالت استقلالها في سنة 1960 .

 ^ فرنسا.. الغائب الحاضر
استقلت بوركينا فاسو عن فرنسا عام 1960، لكنها ظلت تتحدث رسميا بالفرنسية واحتفظت باريس بنفوذها هناك وظلت لاعبا رئيسيا في معظم الاضطرابات والتحولات.

جاء بانقلاب و غادر بآخر
كومباوري .. عسكري حكم لأكثر من ٢٧ عاما


كامباوري هو عسكري وثوري حكم جمهورية بوركينا فاسو لأكثر من 27 عاما، واضطر للاستقالة في 31 أكتوبر 2014  إثر احتجاجات شعبية حاشدة تطالب برحيله.
المولد والتكوين
ولد كومباوري في الثالث من فيفري عام 1951 في مدينة زيناري بضواحي العاصمة واغادوغو، وينتمي لعائلة من الموسي وهي العرقية الكبرى في بوركينا فاسو.
تلقى تدريبات عسكرية في الكاميرون وفي المغرب عام 1976، حيث التقى بصديقه زعيم بوركينا فاسو الثائر توماس سانكارا.
لعب بليز كامباوري أدوارا رئيسية في حقبة ساناكرا اليسارية وشغل منصبي وزير العدل ووزير الدولة لرئاسة الجمهورية.
الوصول للسلطة في عام 1987 قاد كامباوري انقلابا دمويا ضد رفيق دربه وصديق طفولته توماس سانكارا، وتولى السلطة في البلاد.
وقتل في الانقلاب سانكارا الذي يطلق عليه في بوركينا فاسو مهندس الثورة الديمقراطية الشعبية.
نفذ كامباوري في بداية عهده “عملية تصحيح” من أجل طي صفحة عهد سانكارا. وبعد تصفية المعارضين غادر كامباوري السلك العسكري وأقر التعددية الحزبية في عام 1991.
تعديل الدستور
وقد عدل الدستور أكثر من مرة لضمان البقاء في الحكم لفترة أطول. وأُعلن فوزه بالرئاسة في أربع انتخابات في أعوام 1991 و1998 و2005 و2010.
وخلال 27 عاما من الحكم، فرض بليز كامباوري نفسه وسيطا لا غنى عنه في أزمات إفريقيا، وظل يحظى بثقة واشنطن وباريس.
رحيل تحت الضغط
 وفي 31 أكتوبر 2014 طوت بوركينا فاسو صفحة كامباوري، حيث اضطر للتنحي استجابة لاحتجاجات شعبية غاضبة ضد مساعيه لتعديل الدستور والبقاء في الحكم بعد عام 2015. وقد غادر كامباوري البلاد على الفور إلى كوت ديفوار.
د.ف