دق عدد من الأطباء المتخصصين وفعاليات المجتمع المدني المهتمة بمشاكل الشباب ناقوس الخطر من تنامي ظاهرة استهلاك والمتاجرة بالمخدرات بولاية بومرداس، حيث ازدادت انتشار حتى بين تلاميذ الوسط المدرسي والمراهقين بالخصوص، في وقت تفتقد فيه الولاية لمراكز العلاج والإقلاع التدريجي من حالة الإدمان التي تتطلب متابعة نفسية واجتماعية مستمرة لضمان عدم العودة إلى حالة الضياع والموت البطيء..
َلم تعد الإحصائيات والأرقام المقدمة من طرف مختلف المصالح المعنية بمحاربة آفة المخدرات والكمية المحجوزة يوميا التي تصل أحيانا إلى القناطير خاصة بمنطقة الغرب الجزائري تثير المواطن ولا مراكز المكافحة، بل دخلت في بعض الأحيان في الوضعية الاجتماعية العادية نتيجة استمرار بارونات المخدرات في النشاط وسهولة الوصول إلى هذه السموم من طرف الشباب والمراهقين، حيث وجد فيها البعض وسيلة سهلة للربح السريع دون اعتبار للقيم الاجتماعية والدينية وحتى الأخلاقية التي تراجع وزنها في البنية الاجتماعية، بل أصبح ينظر إليها من باب التخلف وعدم إدراك المصلحة الشخصية حسب التعابير المتداولة حاليا بين الشباب.
وعن هذا الملف بالذات وأسباب الانتشار السريع لآفة المخدرات في المجتمع الجزائري، تؤكد الطبيبة المختصة ورئيسة مصلحة الطب الداخلي بمستشفى الثنية السيدة سعدوني فتيحة في تشريحها للوضعية “أن الجزائر تحولت إلى بلد عبور للمخدرات من طرف البارونات الذين استغلوا الوضعية الاجتماعية والبطالة للشباب والمراهقين لتورطيهم في هذه المتاهات، بسبب الإغراءات المالية والرغبة في الربح السريع من قبل بعض الشباب الذين وجدوا في عملية الترويج ونقل المخدرات من منطقة إلى أخرى مقابل مبالغ مالية كبيرة فرصة لاكتساب المال دون أي مجهود بدني أو فكري ودون اعتبار للقيم الاجتماعية والدينية، وهو ما يدل على حجم التفكك العائلي وتراجع دور الأسرة والمجتمع في حماية الطفل والشاب، ما أدى إلى توسع الآفة وانتشارها حتى داخل المدارس الابتدائية” تقول الطبيبة..وعن طرق الوقاية والمكافحة وكيفية معالجة الأشخاص المدمنين وإنقاذهم من حالة الضياع، اعترفت السيدة سعدوني صراحة بصعوبة المهمة في ظل هذه الظروف لكنها ليست مستحيلة “إن معالجة الظاهرة ليست سهلة كما نتصور، بل تتطلب وجود إرادة وتضافر جهود الجميع من مصالح الأمن، الأطباء المتخصصين، فعاليات المجتمع المدني، الأسرة، المسجد ومراكز العلاج وهي العوامل الغائبة في الوقت الحالي، فبالإضافة إلى حالة الفراغ الرهيبة التي يعاني منها الشباب في الكثير من المناطق وخاصة النائية منها نتيجة غياب مراكز الترفيه الثقافية والرياضية التي زادت من تغذية الظاهرة، نسجل افتقاد تام لمراكز المعالجة النفسية والاجتماعية للمدمنين بولاية بومرداس وفي العديد من مناطق الوطن، حيث سجلنا العديد من الحالات التي عبرت صراحة عن رغبتها في الإقلاع لكن وجدت صعوبة في ذلك بسبب انعدام التكفل بالمريض بعد التوقف عن تناول المخدرات، خاصة وأن حالة الإدمان التي تعقد وضعية الشخص صحيا ونفسيا تتطلب وقتا طويلا للمعالجة والمتابعة المستمرة من قبل النفسانيين والمساعدين الاجتماعيين وهي المسائل الغائبة حاليا، ما يجعل المدمن سرعان ما يعود إلى طبيعيته في حالة إحساسه بمضاعفات صحية بعد التوقف عن تناول المخدرات..
في الأخير دعت السيدة سعدوني التي تنشط كثيرا على الساحة بالتنسيق مع الجمعيات والمراكز الصحية المهتمة بمكافحة المخدرات والتدخين وكل الآفات السلبية في المجتمع، إلى أهمية تفعيل دور الوقاية المسبقة عن طريق تكثيف النشاطات التوعوية الجوارية والحملات التحسيسية لفائدة الشباب وداخل المؤسسات التعليمية من أجل الحد من انتشار الظاهرة، مع التركيز أكثر مثلما قالت على ملأ الفراغ الذي يعاني منه الشباب عن طريق خلق نشاطات رياضية وترفيهية والتوسيع من عملية إنجاز المرافق الشبانية التي تعتبر جزءا
مهما من مكافحة المخدرات واحتوائها قبل الاتساع، دون إغفال إجراءات الردع القانونية ومحاربة الآفة بقوة من طرف مصالح الأمن وفي مصدرها الرئيسي ونواتها الصلبة المعروفة، قبل الوصول إلى العمليات التجارية البسيطة وطرق الوقاية.