طباعة هذه الصفحة

تقديس أفلان أول نوفمبر: الاستلهام عن طريق الذكاء

«الثورة ستنطلق حتى مع قرود شفة»

بقلـــم الدكتـــــور شمس الدين شيتور ترجمة: أمين بلعمري

محمد بوضياف عضو مجموعة 22 ومنسق مجموعة 06

تحيي الجزائر الذكرى 60 لثورة 1 نوفمبر 1954 المجيدة. وسيتم ذلك دائما بنفس السيناريو، حيث نقدم في العادة ثورة طبعت تلك الفترة الزمنية، كما تركت بصمتها على تاريخ حركات التحرر في العالم الثالث.
جميعنا يتذكر نداء أول نوفمبر: «أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا - نعني الشعب بصفة عامة والمناضلين بصفة خاصة - نعلمكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكم الأسباب العميقة التي دفعتنا إلى العمل، بأن نوضح لكم مشروعنا والهدف من عملنا، ومقومات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي. (...) ونظن أن هذه أسباب كافية لجعل حركتنا التجديدية تظهر تحت إسم: جبهة التحرير الوطني. وهكذا نتخلص من جميع التنازلات المحتملة، ونتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية أن تنضم إلى الكفاح التحريري دون أدنى اعتبار آخر. الهدف، الاستقلال الوطني بواسطة: - إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية - احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.(...)
أيها الجزائري(...) واجبك هو أن تنضم إليها لإنقاذ بلدنا والعمل على أن نسترجع له حريته، إن جبهة التحرير الوطني هي جبهتك، وانتصارها هو انتصارك». (نداء أول نوفمبر).
لا يمكن لأيّ كان أن ينكر أن الشعب الجزائري عانى كثيرا على مدار 132 سنة، أي ما يفوق 48.000 يوم من البؤس ومن الدم والدموع التي تزال ماثلة في بصماتنا الوراثية والتي تفسر جانبا كبيرا من التيه الذي نعيشه حاليا.
الفرد الجزائري في ذلك الوقت، كان شابا مفعما بالمثل، سواء ذلك الذي ترعرع على خشونة العيش، أو ذلك المتعلم، كلاهما اقتنع أن الكيل قد طفح. وسط محيط مغلق بطبقة من رصاص تبدو وكأنها استمرت لألف سنة، قرر 20 نفرا من الشباب الوطنيين إشعال الثورة. ستستمر بطولاتهم لقرن آخر. وعليه وخلال مسار يقارب 2800 يوم من القصف والإعدامات العرفية والمجازر الفظيعة، تم طرد الغزاة من البلاد. الثمن كان غاليا: قضى مئات الآلاف من الجزائريين ومئات آلاف أخرى من المقاتلين، حرقت آلاف القرى وشرد أكثر من مليوني جزائري تعرضوا لصدمات لم يتعافوا منها بعد.
عشية الاستقلال كنّا محطمين نهائيا وكان صيت ثورة نوفمبر المجيدة مصدر مشروعيتنا الدولية. بعد ذلك خَفَت وهيج الثورة في شكل طقوس دون قناعة لإعطاء الانطباع بالاستمرارية. كيف يمكننا الكلام عن الثورة وعن «مشعل ثورة نوفمبر الذي يجب أن نعطيه للشباب، في حين يبقى أولئك الشباب بعيدين عن الحركية الوطنية؟ إن الثورة حملتها سواعد شباب لا يتجاوز سنّهم في الغالب الثلاثين سنة! أولئك الأبطال كانوا أناسا عاديين، قاموا بواجبهم دون انتظار شيء بالمقابل ولم يصنعوا ثروات من هذه الثورة التي لاتزال سجلا تجاريا يحمل اسم «أسرة ثورية» تقصي كل الجزائريين الآخرين. على حساب أولئك الأبطال الذين جعلوا الجزائر تقلع نحو الاستقلال. نحن أقزام على أكتاف عمالقة.

هل أدت جبهة التحرير الوطني مهمتها التاريخية؟
 
ما الذي قمنا به بعد الاستقلال؟ هل كنّا أوفياء لقسم أول نوفمبر؟ هذا التساؤل علينا طرحه كل مرة تجب فيها علينا المساهمة في بناء البلاد بنوع آخر من الجهاد في هذه الأوقات العصيبة. وعليه، يجب علينا الاعتراف أن جيل الاستقلال يعرف القليل عن حقيقة هذه الثورة وعن عظمة الرجال والنساء الذين أحدثوا ثورة في مفهوم التحرر نفسه، خاصة وأننا في سنة 2014، حيث 3 جزائريين من أصل أربعة ولدوا بعد الاستقلال، تفصل بينهم وبين تاريخ بلدهم مسافة طويلة.
الشبيبة لم تعد تهتم بالماضي الذي لقنّاها إياه بطريقة سيّئة، وجدت نفسها ستين سنة بعد ذلك فاقدة للاتجاه ومهتزّة في المسائل المتعلقة بالهوية. في وقته أكد الرئيس الراحل محمد بوضياف، أن «مهمّة جبهة التحرير الوطني اكتملت يوم 3 جويلية 1962» وذلك عشية استقلال الجزائر. في الواقع، الكل يعتقد أن الوقت قد حان لكي نعيد هذه الأحرف الثلاثة، رموز الإرث التاريخي الوطني إلى التاريخ.
الأفلان يعطينا الانطباع أنها أصبحت شبحاً فقد قيمته بمرور الوقت، الأفلان التاريخي هو الأفلان محرك ثورة نوفمبر الذي يستحق كل التقدير. لا يجب أن يصبح سجلا تجاريا لمحترفي السياسة. أولا وقبل كل شيء، علينا أن نعيد لقيصر ما كان لقيصر. الأفلان الذي ناضل من أجله الكثير من الوطنيين وعانوا وقدموا حياتهم من أجله ليس الأفلان الحالي. علما أن الأفلان يجب أن يكون علامة شرف وتاريخ الجزائر الذي لا يمحى، يجب أن يطالب به كل الجزائريين والجزائريات وليس الأسرة الثورية وحدها التي تقدم نفسها على أنها وريث الثورة الجزائرية العظيمة.
الإجماع، الحوار والمصلحة العليا للوطن وحدها تمكن الجزائريين من المصالحة بينهم وتضع حدّا لحرب المواقع الصماء بين نظرتين مختلفتين؛ واحدة لجزائر تابعة لمحيط شرق - أوسطي، وأخرى ترى أن الخلاص يأتي من الغرب.
 لقد حان الوقت ليكون للجزائر معالمها، خاصة وأن سبيل النجاح الاجتماعي الحالي ليس ثمرة مجهود يومي وعمل متقن والمداومة لعشريات لنستحق المقابل، ولكن السبيل هو الذي يسمح للاعب كرة قدم من الحصول خلال شهر ما يجنيه أستاذ جامعي الذي عليه أن يولد من جديد عدة مرات للحصول على هذه المبالغ.
عشية الاحتفال بثورة أول نوفمبر، جزائر الجمهورية الثانية، كما نطلق عليها في أمنياتنا، ستكون تلك التي يبنيها الجميع من مختلف التيارات، الشرط الوحيد في ذلك: حبّ الجزائر. الهوية الحقيقية للجزائريين، حقوقهم وواجباتهم في «العيش معاً سواء كنا من الغرب أو من الشرق، من الشمال أو الجنوب».
ما هي جزائر 2014؟ بلد يبحث عن نفسه؟ لم يطلّق بعد شياطين الجهوية؟ المحاباة؟ الجزائر التي تتعثر وهي تحاول الانطلاق، الجزائر التي سجلت الكثير من التأخير؟ التي تعيش على ريع بطريقة غير عقلانية، لأنها ليست جزائر المجهود، جزائر العرق والإبداع. ليست كل هذا في نفس الوقت! أود أن أقول في الأخير، إن مستقبل هذا البلد يقوم على ماضٍ يقبل به جميع مواطنيه دون إقصاء. الأبعاد المختلفة علينا أن نتحملها بهدوء، كل مواطن في هذا البلد العظيم عليه أن يتبنّى هوياته المختلفة بطريقة هادئة. بلدنا عليه أن يهتدي إلى طريق الطمأنينة. عليه تحرير الطاقات من خلال تأهيل قيم العمل والجهد والاستحقاق. ليس هناك حل آخر.

من أجل أول نوفمبر جديد يقوم على الذكاء

أول نوفمبر أبي ينتمي إلى التاريخ، على عكس روح نوفمبر التي جعلت شبابا ينتشلون بفضل تضحياتهم السامية الجزائر من مخالب النظام الكولونيالي موجودين دائما في داخلنا. على كل واحد منّا بعثه من خلال تقديم المثال في التضحية والإيثار. ولحصول ذلك، وحدها: قول الحقيقة، النزاهة والعمل، هي الأشياء التي ستسمح لسابقينا بالاستراحة في آخر المطاف عندما يعرفون أن المشعل بين أيدٍ أمينة بصفة نهائية.
ماذا يعني أن تكون مستقلا عندما تعتمد على الخارج في المأكل والملبس والنقل وفي حياتنا اليومية؟ لقد فقدنا استقلالنا بالتدريج على مدار 50 سنة عندما قبلنا بضعفنا، الريع عطل تشغيل خلايانا العصبية، إلى درجة أصبحنا معها نستورد كل شيء، الجزائر أصبحت تكتفي باستهلاك ما لا نمتلكه. عملة الليبيرالية الجديدة: «لا تفكر، انفق فقط!» وجدت تطبيقها المذهل في الجزائر فإلى متى؟ بمعنى آخر، فإن الوقت حان لنقد الذات من أجل أن نغرس في قلوب الجزائريين «الرغبة في العيش معاً وجعل الوطن كما يعبّر عن ذلك رينان بطريقة جيدة شعارا يوميا. وفي هذا الصدد، تعتبر الخدمة الوطنية أحد محركات تقوية الهوية الجزائرية، لهذا يجب تأهيلها على عجل من خلال خارطة طريق تمكنها من المساهمة في بناء البلد عبر سياسة الأعمال الكبرى. العالم تغيّر. المأزق المالي على أبوابنا. الذئاب ينتظرون القطيع؟، علينا أن نتقن فنّ المراوغة حتى لا نتحطم نهائيا، خاصة وأننا لا نمتلك المضادات الحيوية للدفاع، ليس لدينا خلَف والأحزاب السياسية الحالية ستكون نافعة إذا حثت الجزائريين على العمل، باختصار: ثورة جديدة تكون ثورة الذكاء.

ضرورة الاستمرار
بواسطة الويب 2.0

علينا اختراع أول نوفمبر جديد يجنّدنا، يمكنه الاستجابة لتحديات القرة 21 فيما يتعلق بالأمن الغذائي، مشكلة الماء والتغيرات المناخية وفوق ذلك تحديات الطاقة، مادام هذا الريع ليس في خدمة التنمية. لقد حان الوقت لكبح هذا النزيف ولفهم أن أحسن مخزن هو باطن الأرض. نظامنا التربوي يتفكك والجامعة في طريق الانقراض. من دواعي الفضول أن نلاحظ أن الجامعة لم تعد مشرفة. مَنْ مِنّا رأى السلطة تكرّم شبابا نظير اختراعاتهم أو بحوثهم العلمية، أو أساتذة متميّزين؟
في عالم تزداد خطورته يوما بعد يوم على الصعيد الطبيعي ـ موقفنا ضعيف فيما يخص التغيرات المناخية ـ وعلى الصعيد الاقتصادي، المالي والعسكري كذلك، ما الذي علينا القيام به؟ علينا «تحديث» أول نوفمبر، الذي يجب أن يتكيف مع أدوات القرن 21. هناك أغنية تتداول في موقع فايسبوك عنوانها «آم 22» أدّاها مجموعة من الشباب، استغلوا رسالة أول نوفمبر وقدموها على طريقتهم بطريقة هزلية واستطاعت أن تصل إلى فهم شباب لديه حساسية من لغة الخشب. تروي أغنية الراب تلك قصة 22 جزائريا الذين اجتمعوا في فيلا بالمدنية والذين قرروا ضرورة اللجوء إلى الكفاح المسلح لتحرير الجزائر.
تلخيصا للكلام، الثورة الجزائرية يستعيدها الشباب ثورة ذكاء هي الحل بكل تأكيد. وحده قول الحقيقة يسمح للجزائر بإعادة ربط العلاقة مع الوطنية التي، وعكس ما يعتقده البعض، أنها لم تعد من الموضة، إنها محفّز قوي فهمنا جيّدا علم لكل بيت – كما يفعل الأمريكيون - شيء جميل ولكن لا يمكنها أبدا تعويض العلم الجزائري الذي يجب أن نغرسه في قلوبنا وفي أعماقنا وتأكيد ذلك بتصرفاتنا اليومية بأننا نستحق هذا العلم فعليا ونستحق هذه الجزائر الرائعة.
إنه ليس من المثالية النضال من أجل جزائر هادئة. إلى متى استبعاد مشروعية الكفاءة والخلايا العصبية القادرة على إخراج الجزائر من فخ الكود متعدد الأوجه؟.
إذا لم نفعل شيئا لإعادة بعث أول نوفمبر بأدوات الويب 2.0، ستضمحل هذه الرمزية، في حين أننا بحاجة وأكثر من أي وقت مضى، إلى إسمنت يوحّدنا، يمكنه أن يضمن هذه الرغبة في العيش معاً والنظر إلى المستقبل، ليس من خلال التنكّر لمعركة من سبقونا، ولكن ترجمتها في معارك جديدة صعبة بدورها في عالم أكثر خطورة.
إن أحسن ما نقوم به، تكريما للشهداء، هو وضع نظام تربوي وجامعة فعالة. هذا هو أول نوفمبر القرن الـ21.