«وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُـحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ»
(سورة البقرة الآية: 216).
النقاش حول المنظمة العالمية للتجارة الذي يشهده المجتمع لم يتخذ من وجهة المنحى الصحيح. وإذا كان من الواقع أنه لا يجب علينا البقاء على الهامش في هذا العالم، فإنه علينا إبداء رغبتنا في الانضمام إلى هذه المنظمة بصفة مستمرة في إطار شراكة ضمن معدالة (رابح- رابح) وليست (رابح - خاسر).
للتاريخ، فإن ما يعلن عن انضمام 150 بلد إلى هذه المنظمة تضاف إلى عشرة دول غربية وبعض دول البريكس، ما عدا ذلك فأن كل الدول الأخرى وبدرجات متفاوتة خاسرة ومتعثرة في إطار عولمة زاحفة ومفصلة على مقاس الكبار.
النقاش حول المنظمة العالمية للتجارة الذي يشهده المجتمع لم يتخذ من وجهة المنحى الصحيح. وإذا كان من الواقع أنه لا يجب علينا البقاء على الهامش في هذا العالم، فإنه علينا إبداء رغبتنا في الانضمام إلى هذه المنظمة بصفة مستمرة في إطار شراكة ضمن معدالة (رابح- رابح) وليست (رابح - خاسر).
للتاريخ، فإن ما يعلن عن انضمام 150 بلد إلى هذه المنظمة تضاف إلى عشرة دول غربية وبعض دول البريكس، ما عدا ذلك فأن كل الدول الأخرى وبدرجات متفاوتة خاسرة ومتعثرة في إطار عولمة زاحفة ومفصلة على مقاس الكبار.
مجموعات على غرار الاتحاد الأوروبي ودول البريكس، آلينا واتحاد شنغهاي (روسيا -الصين) كلها ردود على هذه العولمة. مثال على ذلك: الدعم الفلاحي نتذكر ذلك جيدا، ففي شهر جويلية 2007 في إطار معركة البريكس ضد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي. الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي رفضا خفض دعمها الفلاحي وحضّرا في تكتم تام التقسيم التجاري الجديد للعالم من خلال اتفاقية عبر الأطلنطي تافتا. تافتا، هي في الواقع السوق المستقبلية العابرة للأطلنطي التي ستتقاسمها الولايات المتحدة مع أوربا. (...) الاتحاد الأوربي اقترح على الولايات المتحدة الأمريكية التحرير الكامل لهذه السوق في مجال الطاقة والمواد الأولية. ما يعني أنه على الدول النامية المعاناة أكثر من السياسات المستقبلية لتقسيم العالم بين الأقوياء.
لماذا لا نعمل على انضمام الجزائر إلى المجموعات الكبيرة التي تتشكل خارج إطار المنظمة العالمية للتجارة التي أصبحت مجرد قوقعة خاوية منذ فشل قمة الدوحة قبل عشر سنوات، أين لم نحدد الأسباب العميقة لذلك والمتمثلة في الأنانية. بسبب ذلك تنظم الدول الكبرى نفسها وتنسق لسحق الدول الأكثر ضعفا.
مسلسل انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة
نتذكر جيدا أن الاتحاد الأوربي فرض علينا اتفاق شراكة يعتبر بكل المعايير سوقا وهمية. كل دروس هذا الفشل الذريع علينا استيعابها في التفاوض مع المنظمة العالمية للتجارة.
الجزائر بدأت مسار الانضمام إلى هذه المنظمة العام 1995. نظريا في حال التحاق الجزائر بالمنظمة يمكنها الاستفادة من امتيازات في التجارة العالمية. والحقيقة مغايرة لذلك تماما، فصادرات الجزائر تتشكل من المحروقات بنسبة 98 من المائة وفي حال انضمامنا فإنه يتوجب علينا أتوماتيكيا فتح السوق أمام المنافسة الدولية وبالتالي سنكون موضوع غزو لمنتوجات قادمة من الخارج. إننا غير قادرين على إنتاج سلع نوعية قابلة للتصدير وهذا رغم التأهيل المكلف للمؤسسات القليلة التي أفلتت من قبضة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي اللتين فككتا نسيجنا الصناعي الموروث عن عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.
الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، يفرض علينا تحديد أسعار المحروقات وفق الأسعار المعمول بها دوليا، في حين أن هذه المنتوجات مدعومة. علما أن أسعار الغاز والبترول هي الأقل ثمنا في العالم، والسعودية وفنزويلا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تعتمدان نفس الأسعار. وهذا لا يعني الاستمرار على هذه الحال، سواء تعلق الأمر بالمنظمة العالمية للتجارة أم لا! بالعكس يتوجب علينا التوجه بسرعة نحو الأسعار الحقيقية وتوجيه الدعم إلى الطبقات المعوزة. ومن المؤسف اعتبار ذلك سابقا لأوانه! بيع المازوت بـ13 دينارا في حين نشتريه بسبعة أضعاف هذا السعر. وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فنحن نموّن جيراننا في الشرق وفي الغرب وفي الجنوب، فمدينة كتلمسان مثلا تستهلك أربع مرات أكثر من احتياجاتها.
ماذا تستفيد الجزائري من الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة؟
قدم لنا نبيل سبيحة تحليلا مستفيضا نلخصه في الآتي: «في الواقع الطلب الأول الذي تقدمت به الجزائر للاستجابة إلى شروط العضوية في هذه المنظمة، يعود إلى جوان 1987 وباشرت تدابير تتعلق بالخوصصة، سيما في مجالي الاتصالات والطاقة».
«من بين النقاط الهامة في هذه الخوصصة، التي تشترطها المنظمة العالمية للتجارة والتي لم تغيّر الجزائر موقفها تجاهها، يتعلق بالأسعار. وعليه، فإنها ترى أن بعض الموارد والخدمات تكتسي طبيعة استراتيجية ويمكنها أن تبقى تحت تصرف الدولة. كما أن أسعار بعض المواد الغذائية محددة من طرف الإدارة المركزية والشيء نفسه بالنسبة للمواد الطاقوية (المحروقات والغاز) وكذا الأدوية والنقل.(...) بكل تأكيد فإن منظومة الدعم الحالي تسير بطريقة سيئة وتستفيد منه كل طبقات المجتمع، عوض توجيهه للطبقات الأكثر حرمانا. ولكن وضع برنامج يسمح باستفادة المحرومين فقط، يتطلب الكثير من المجهود وتسيير فعال. وبما أن الدول المتطورة تدعم منتجاتها على نطاق واسع، فلماذا لا تفعل الجزائر كذلك؟ وبهذا وعوض الاستمرار في اقتصاد الريع التي تنهك الاقتصاد من خلال الواردات، علينا وضع استراتيجيات تنموية بعيدة المدى. علينا التركيز أكثر على الإمكانات الجزائرية. علينا غلق حدودنا أمام المنتجات الأجنبية التي يمكننا إنتاجها بكل سهولة في الجزائر. باختصار: وطنية اقتصادية، حمائية ذكية ومؤسسات قوية وشفافة. هذه هي المفاتيح الثلاثة الضرورية لتطوير اقتصادنا»(1).
شهدت ندوة جريدة المجاهد ليوم 15 أكتوبر الجاري نقاشا أجمع فيه المتدخلون، ولأسباب مختلفة، على «نعم للانضمام إلى هذه المنظمة ولكن ليس في الوقت الراهن».
الاتحاد العام للعمال الجزائريين من جهته، لم يتوان في التحذير من العواقب السلبية التي ستنجرّ عن هذا الانضمام. بالنسبة لي، «انضمام الجزائر إلى هذه المنظمة شيء ثانوي». النقاش الحقيقي ليس حول هذا ولكن حول المستقبل الاقتصادي للجزائر. على ماذا سيقوم غدا؟ لا يمكننا الاستمرار في شدّ البطن في كل مرة ينزل فيها سعر برميل النفط؟».
اقتصادنا يقوم على الريع بنسبة 98 من المائة بـ300.000 مستورد، مقابل 30.000 مصدر فقط. إلى متى نحتمل هذا الوضع؟ أنفقنا الكثير على الجانب الاجتماعي وهذا شيء إيجابي، لكن هذا لا يصنع الثروة. علينا التوجه نحو انتقال يقودنا إلى اقتصاد المعرفة، علينا صنع الثروة.
علينا إطلاع المواطنين بهدوء وبطريقة بيداغوجية عبر وسائل الإعلام، خاصة الثقيلة منها، أنهم لا يدفعون السعر الحقيقي للمازوت وأن الجزائر عليها اقتناء هذه المادة بدولار أمريكي واحد لإعادة بيعها بـ13 دينارا في محطات البنزين». وليت الأمر اقتصر على هذا وليس هناك نزيف على الحدود، كما يتبين ذلك عبر مقارنة الأسعار المعمول بها في العالم، فليس من المنطق أن الذي يستعمل الماء في ملء مسبح أو لتشغيل مصنع يدفع نفس الثمن كالذي يستعمله في احتياجاته اليومية. لا مفرّ من مراجعة سياسة الدعم من خلال محاولة حماية القدرة الشرائية لدى الطبقات الضعيفة».
النقطة الوحيدة التي تصبّ في صالحنا، هي أن سعر الطاقة لا تتدخل فيه المنظمة العالمية للتجارة، بحجة أن هناك سوقا تضطلع بذلك. ونفس الشيء بالنسبة لكل الثروات الباطنية للدول المتخلفة التي تحددها بورصات لندن، باريس، أمستردام ونيويورك، أين يخضع ارتفاع الأسعار وانخفاضها للمضاربات وللصناديق التي يمكنها أن تعقد سير الدول الضعيفة.
إن هذا وبدرجات متفاوتة، يعطينا الانطباع بأننا نغرق في كأس ماء ـ لدى الحديث عن المنظمة العالمية للتجارة ـ في حين أن عاصفة انخفاض أسعار النفط لا مفر منها وهو الشيء الذي جعلني في حالة رد فعل، إنه الانخفاض غير العادي للأسعار ولا يمكن تفسيره بالصعوبات التي يعيشها الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب فقط، حيث شدّ انتباهي مقال نشر يوم 15 أكتوبر الجاري والذي جاء فيه، أن هناك مناورة من العربية السعودية للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من خلال جعل البترول الصخري غير مربح بخفض سعر البرميل.
نقرأ في المقال: «السعوديون يعملون على خفض سعر البترول لزيادة تأثيرهم على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط(...) المملكة السعودية مستعدة للقبول بأسعار تكون أقل من 90 دولارا أمريكيا ويمكن خفضه إلى 80 دولارا أميركيا للبرميل خلال سنة أو سنتين وهذا بحسب أشخاص اطلعوا على محادثات تمت مؤخرا. (...) جعل خام البرنت ينزل إلى حدود 85 دولارا يمكنه عرقلة خبطة البترول الصخري الأمريكي، لأن المنتجين سيخسرون الكثير في استخراجه بهذا السعر، ينقل المقال «السعوديون يستثمرون الوضع لاختبار حدود البترول الصخري للولايات المتحدة الأمريكية»(2).
من الواقعي أن أكبر دولة في منظمة الأوبيب لديها «القدرات المالية» لتحمل سعر أقل من 70 دولارا أمريكيا على مدار سنتين، دون أن تواجه صعوبات اقتصادية، وهذا بحسب «إنيريجي آسبكت أل.تي.دي» وهو مكتب استشارات في لندن. هذه الاستراتيجية لا تسمح فقط لديكتاتوريات الخليج بالحفاظ على نصيبها من السوق، ولكن السعوديين وآخرين سيستعملون هذه الاستراتيجية لتعطيل، بل إيقاف مسار التفتح الأمريكي على إيران والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للسماح بتغيير النظام السوري»(2).
وعليه، فمن الممكن أن يترتب عن هذه الاستراتيجية تحطيم دول صغيرة منتجة للنفط على غرار الجزائر. الكل يتذكر أنه في سنه 1986 عملت العربية السعودية على منافسة مارغريت تاتشر وآبار بحر الشمال من خلال إغراق السوق، وكانت نتيجة السباق انخفاض البترول إلى 9 دولارات، وبدأت الجزائر في الاستدانة لتوفير الغذاء لشعبها، بعدها مباشرة اندلعت أحداث أكتوبر 1988...
الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة لا يجب أن يكون أولوية، علينا التركيز على المشاكل الحقيقية التي تؤرقنا. فانخفاض آخر في أسعار النفط دون أن نفعل شيئا لاحتواء ذلك، سيؤدي إلى صعوبات اجتماعية والتي يمكن أن تكون الهدف المنتظر لمهندسي زعزعة استقرار الدول الضعيفة. على العكس، علينا اتخاذ التدابير الأولية التي يمكنها أن تعطينا نوعا من الأمان وذلك بتخفيض نفقات تسيير الدولة بـ10 من المائة وذلك ممكن إذا اعتبر كل واحد منّا أنه معني، لا ينبغي التصديق أن الجزائر أكبر من أن تسقط، لا شيء مستحيل أمام مهندسي النظام الجديد. نحن منذرون وعلينا أن لا نبقى على هامش الحركية العالمية وكما علينا في الوقت نفسه أن لا نتسرع، مادمنا لم نضع بعد تحصينات دفاعية تحمينا وتسمح لنا بالانضمام إلى هذه المنظمة دون أن نخسر بالمقابل. في الوقت الراهن، علينا تثمين عمل الفريق السابق في وزارة التجارة وتأكيد توجهنا إلى المنظمة العالمية للتجارة عندما نرتب أمورنا. ويبدو لي أن الأهم بالنسبة لوزارة التجارة، هو ترتيب الأمور من خلال آجال محددة، إننا في حاجة إلى الآلاف من المهندسين في البيولوجيا والكيمياء ليمكننا مراقبة ما نشتريه بفعالية.
استحداث مخابر ذات مرجعية في المدن الكبرى التي بها موانئ تعتبر ضرورة قصوى، علينا بالمقابل تسهيل عمل وزارة الصناعة والمناجم التي تقوم بعمل مهمّ في مجال المطابقة وهي الخطوة الأولى نحو حماية المنتوج الوطني الذي يستجيب للمعايير والتي يمكن أن نستعملها لاحقا لحماية هذا المنتوج الوطني بطريقة ذكية. وفي هذا الإطار، تعتبر مساهمة الجامعة مفصلية للمساعدة على تجسيد ذلك في أقرب الآجال.