أبرز المتدخلون في منتدى “الشعب” حول الإعلام والثورة، الكفاءة العالية للمجاهدين الجزائريين آنذاك في التصدي للمدّ الدعائي الكاذب والعمل البسيكولوجي الإرهابي لوسائل الإعلام الفرنسية، التي حاولت بقدر ما تملك من قوّة التأثير المساس بشعب مكافح والسعي لإحباط معنوياته وهذا باستعمال أساليب جهنمية، تعتمد على الكذب ثم الكذب، كما كان الأمر بالنسبة للألمان عن طريق غوبلز وهيملر، لجعل كل ما هو وهم حقيقة.
وقد تفطن قادة الثورة لأهمية الإعلام، وهذا بإثراء تجربة الحركة الوطنية ببعث عناوين جديدة في خضم اشتداد الصراع مع العدو في كامل معاقل الثورة.
وقد جاءت جريدة “المقاومة” في ٢٢ أكتوبر ٥٦ تتويجا لهذا التوجه الجديد، الذي يرمي إلى فرض منطق النّديّة مع الطرف الآخر، وعدم تركه يأخذ المبادرة مهما كان الأمر، وهذا عن طريق إعطاء المزيد من الاهتمام إلى هذه الركائز الإعلامية. ففي فترة وجيزة ورغم صعوبة الظروف، فإن المسؤولين قرروا إحلال صحيفة “المجاهد” محلّ المقاومة، لتكون لسان حال الثورة الجزائرية، تدعّمت بطاقم تحرير دائم، يضمن صدورها بانتظام، كان وقعها مؤثرا بشكل كبير على الأوساط السياسية الفرنسية التي تفاجأت حقا لمقرؤيتها وتوزيعها الواسع دون أن تلحق يدهم الآثمة إليها، بالرغم من محاولة مخابراتهم التشويش على بعض الأعداد الصادرة آنذاك، إلا أن إرادة مواجهة هذا العدوّ الغاشم الذي لا يرحم كانت أقوى في إسقاط كل مؤامراته الخبيثة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أن صدى الثورة وهي في عامها الثاني، تطلب الاعتماد على وسيلة إعلامية أكثر حدة، ألا وهي الإذاعة التي دخلت هذا المعترك ببث يومي يصل إلى ساعتين متتاليتين.. وبإمكانيات بسيطة جدا، كانت دائما محلّ قصف الطائرات، نظرا لما خلفته من تأثير قويّ على الجزائريين في احتضانهم لثورتهم والاستماع للأخبار الخاصة بالنجاحات المحققة في الجبال.
وقد سارت جريدة “المجاهد” و«صوت الجزائر الحرة المكافحة”، جنبا إلى جنب من أجل ضرب وتكسير المشروع الاستعماري الاستيطاني، وهذا بتعبئة الشعب الجزائري، من أجل مواصلة النضال لتحرير الوطن، كل الوطن، من براثن الغلاة المعمرين ومن سار على دربهم.
والمعركة الإعلامية التي دخلتها الثورة، كانت على قناعة كاملة، بأن تكون هناك أصوات لهذا الشعب الثائر، تعبّر عن تعلقه الكبير بتحرير الوطن وطرد هؤلاء الغزاة وكذلك إطلاعه اليومي عما يحققه المجاهدون والفدائيون في المدن.
وأكبر مهمة أدتها هذه الوسائل الإعلامية، هي مواجهتها الفائقة لآلة الدعاية الاستعمارية وتأثيراتها النفسية على الجزائريين، التي حاولت من خلالها إطفاء تلك الشعلة الثورية الموجودة بوجدانهم، بالإكثار من نشر وبث أخبار لا أساس لها من الصحة والصور المفبركة عن الثورة.
وبفضل المتابعة اليومية لـ«صوت الجزائر الحرة المكافحة”، تلاشت كل تلك الأحلام الفرنسية وتحطمت على حقائق قضية عادلة. وهكذا خرج الجزائريون بفوز عظيم من هذه المعركة الطاحنة والحامية الوطيس، ليطرد الاستعمار نهائيا في يوم من أيام ٥ جويلية ١٩٦٢.