طباعة هذه الصفحة

الصــــداقــة الجـــــــزائــريــة - الفـــــرنسيــة

التسوية النهائية لملفات الماضي العالقة

بقلـــم الدكتـــــور شمس الدين شيتور ترجمة: أمين بلعمري

«عوض البحث عن سبب أحداث موغلة في القدم لدى الآخرين، يمكننا خدمة جميع الأطراف بالإلتفات معا إلى المستقبل والنظر إلى ما لدى الآخر من إيجابيات يمكن تجنيدها خدمة للمصلحة المتبادلة».
(جون بيار شوفنمان وزير فرنسي سابق)

إنه حدث وقع فعلا: صبيحة أحد الأيام من شهر جويلية 1830 تعرضت الجزائر لعدوان، قتل سكانها وألحق بهم الأذى والجروح وتم تجريدهم من ممتلكاتهم وأراضيهم. شعب تم اضطهاده وتحطيم بنيته الاجتماعية على مدار 132 سنة من أجل كتلة بشرية جرفها التيار جاءت لاستعماره والحصول بذلك على امتيازات اعتماداً على وصمة عار حضارية متمثلة في قانون الأهالي - الذي لا يختلف في شيء عن قانون السود - قانون استعباد حقيقي وضعته فرنسا لويس الرابع عشر.
بكل صراحة كيف يمكن القبول بمقترح المحترم السيد شوفنمان هذا «الديغولي اليساري» الذي أعجبنا في مناسبات عديدة بمواقفه المتعلقة بسياسة الاستقلال تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، أي القبول بماضٍ لا يجب العودة إليه. في حين لايزال هذا يؤطّر مخيلتنا على الدوام.


السيد جون بيار شوفنمان، الذي نقدمه على أنه صديق للجزائر، وصل هذا الأسبوع ليطمئن الجزائريين بأنه لم يتغير هناك شيء وهذا رغم الاغتيال الذي طال سائحا فرنسيا. وفي الرسالة ذاتها، طلب من الجزائريين التطلع إلى المستقبل بكل وضوح ونثر التراب نهائيا على تاريخ الجزائر المؤلم.
إنه حدث وقع فعلا: صبيحة أحد الأيام من شهر جويلية 1830 تعرضت الجزائر لعدوان، قتل سكانها وألحق بهم الأذى والجروح وتم تجريدهم من ممتلكاتهم وأراضيهم. شعب تم اضطهاده وتحطيم بنيته الاجتماعية على مدار 132 سنة من أجل كتلة بشرية جرفها التيار جاءت لاستعماره والحصول بذلك على امتيازات اعتماداً على وصمة عار حضارية متمثلة في قانون الأهالي - الذي لا يختلف في شيء عن قانون السود - قانون استعباد حقيقي وضعته فرنسا لويس الرابع عشر.
بكل صراحة كيف يمكن القبول بمقترح المحترم السيد شوفنمان هذا «الديغولي اليساري» الذي أعجبنا في مناسبات عديدة بمواقفه المتعلقة بسياسة الاستقلال تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، أي القبول بماضٍ لا يجب العودة إليه. في حين لايزال هذا يؤطّر مخيلتنا على الدوام.
من المؤكد أننا لا نطلب من أولئك الفرنسيين العودة إلى بلدهم الأصلي. كما لا يكفّ عن فعل ذلك القادة الإسرائيليون اقتداءً بشارون تجاه الجالية اليهودية الفرنسية. لا نهدد بذلك، لأن أولئك الفرنسيين نعتبرهم فرنسيين بحصة كاملة. من الطبيعي أن الصفقة هي القبول بقوانين جمهورية لديها إرادة قوية في إدماج الآخرين ولديها قيم لا ترهن مسبقا الهوية الأصلية للآخرين التي تعتبرها إثراءً للثقافة الفرنسية.
لا ألقي باللائمة على السيد شوفنمان على حبّه لبلده والذي عليه أن لا يلومني بالمقابل على كوني أنقل بوفاء حيثيات 132 سنة من الإهانة حين يطلب مني تجاوزها من أجل حسابات الربح والخسارة.
ألوم بكل ما أوتيت، كل شركاء هذا البعد التجريدي لهذه الصداقة بين الجزائر وفرنسا في الوقت الراهن؛ صداقة تجد نفسها خرساء أمام التاريخ والثقافة وأمام البعد الاجتماعي؛ صداقة لا تفضل في آخر المطاف إلا جانب «الأعمال».
لديّ انطباع مؤلم وغير مسبوق، أن لغة غير مستساغة استُعملت معنا في شكل جمل سطحية تعطي الشعور بالنشوة، ولكنها لا تحرز أي شيء من التقدم.
شأن السيد جون بيار شوفنمان شأن السيد جون بيار رافاران، يختصران الجزائر في بعدها كأمّة كبيرة وبالمحصلة لا يرون فيها إلا سوقا كبيرة تستحق مكانة متميزة، خاصة وأنه منذ عامين تجاوزت الصين فرنسا في الميزان التجاري بما يقارب حوالي 10 ملايير دولار للصين، مقابل 9 ملايير لفرنسا.
وإن كان الأمر كذلك مع الصين، فإن ذلك من باب النظام الطبيعي للأشياء ومن باب المنافسة العادية في العلاقات التجارية، ولكن فرنسا تخلط بين متطلبات قُربها من الجزائر لتُصاب بالدهشة لكونها ليست في المرتبة الأولى، هذا ليس منطقيا.

الجزائر «الصيد المحمي» لفرنسا؟

على أي أساس يمكن لفرنسا المطالبة بالحصول على علاقات متميّزة مع الجزائر؟ من خلال تقطير التأشيرات ومنحها على جرعات؟ أو الهجرة الانتقائية التي جعلت زبدة الجامعة الجزائرية تتواجد بأراضيها دون أن تنفق فلساً واحداً على ذلك، علما أنه وبحسب اليونسكو أن بكالوريا + 5 سنوات في الجامعة، تكلف حوالي 100.000 دولار أمريكي؟ معاملة الحراقة الجزائريين في المناطق التي يحشدون فيها؟ مستقبل المهاجرين الجزائريين في فرنسا؟ أم من خلال السياسة الخارجية لفرنسا التي تغيّرت وأصبحت غير معروفة؟
كلمة للتاريخ وللمصابين بضعف الذاكرة، الجزائريون خاضوا حروبا عديدة منذ 1836 (حرب المكسيك، حرب الشام، هزيمة سودون سنة 1870، حرب 14-18، حرب الريف، حرب 39-45، حرب الفيتنام). من أجل فرنسا، سالت دماء الجزائريين، أزهقت أرواحهم. ليس هناك أدنى شك، أن ذلك كان عملا إيجابيا قام به الجزائريون من أجل فرنسا.
هناك عمل إيجابي آخر قدمته الجزائر لفرنسا وهو استعمال اللغة الفرنسية في الجزائر. إبان الاستقلال كان هناك مليون شخص فقط يتكلمون أو يفهمون اللغة الفرنسية. واليوم، في سنة 2014، هناك بطريقة أو بأخرى، حوالي 20 مليون جزائري يتحدثون لغة فولتير. الجزائر هي - البلد الفرنكوفوني الثاني - دون أن تكون في منظمة الفرنكوفونية التي تعتبر أنها لاتزال تحوي بقايا استعمارية لسياسة فرنسا - افريقيا في شكل وصاية لمرحلة ما بعد الاستقلال على مستعمراتها السابقة، والجزائر قدمت للغة الفرنسية أكثر مما قدمته الدول الأخرى مجتمعة.
علما أننا نستهلك في الغالب بلسان البلد الذي نتكلم لغته ومن هذا المنطلق، وبطريقة غير عقلانية، نستمر في الشراء من فرنسا، رغم أنه في مرات ثمة أشياء فيها ما يقال.
نتيجة أخرى لا تقل شأناً عن ذلك، تتعلق بالخضوع الثقافي الذي يجعل أن كل شيء قادم من فرنسا تتم مباركته دون أدنى حد من النقد، سواء كان بالإيجاب أم بالسلب.
جون بيار شوفنمان جاء لرأب الصدع مع الجزائر ولتأكيد أنها أكثر من أي وقت مضى شريك في مكافحة الإرهاب، ولكن لماذا إعلان ذلك من تيزي وزو؟ كنّا نأمل رؤية شوفنمان يتنقل إلى مناطق أخرى من الجزائر لكي لا يضخّم منطقة القبائل، وهذا حتى إذا كانت النوايا فيه حسنة فقد تبدو الخطوة مشبوهة، في الوقت الذي تحاول فيه الجزائر تعزيز هويتها.
كان من المفيد للبلدين كذلك، أن يعلن رئيس الجمعية الفرنسية عن نيته في الاستثمار في الجانب الثقافي. ولكن وللأسف، يظهر جليّا أن الجانبين الاقتصادي والتجاري أخذا مقدمة الترتيب. بصفة عامة ليس هناك فرق بين زيارات جون بيار رافاران، مبعوث حكومة اليمين التي تمت رسكلتها في حكومة يسار، وبين زيارة جون بيار شوفنمان، لأنه ورغم الكلمات المعبّرة عن العظمة والمهام المنوطة بالبلدين في القرن 21، هناك دائما الإرسال الأقوى نفسه: الأعمال! أو بعبارة أخرى «البزنس» كما جرت العادة!

كيف أنظر إلى الصداقة الجزائرية - الفرنسية

هناك من وجهة نظري كأستاذ جامعي، نافذة للفرص شكلها «آخر رجال الموهيكانز»، أولئك الوطنيون على الضفتين الذين لديهم الإرادة في قلب الصفحة في إطار الشرف. لا أعتقد أن الجزائريين ينتظرون تأسفا وندماً واعتذارات من فرنسا، ولكن هناك بكل تأكيد مجازر قد ارتكبت. وفي آخر المطاف اعترفت أمة امبريالية عظيمة بأخطائها في فيتنام، فلماذا لا تفعل فرنسا كذلك؟ يبدو لي أن العامل الاقتصادي أخذ قسطا كبيرا لدى أطراف أخرى.
هذه الجمعية تقوم بدور مجدٍ من خلال استدعاء التاريخ، فلماذا لا تناضل من أجل إعادة أرشيفات بلادنا التي يتم تقديمها على جرعات. وفي السياق ذاته، لاتزال متاحف فرنسا تحتفظ بكل القطع الأثرية المنهوبة على مدار 132 سنة والذي نقول إن المهم أنها متواجدة بالجزائر، فقد تم استرجاعها في حالة كارثية بين مارس وجويلية 1962! وفي الإطار نفسه لماذا لا تعاد إلى الجزائر رفات «جماجم» الثوار الجزائريين، على غرار سارتجي بارتمان التي أعادتها فرنسا إلى جنوب إفريقيا في عهد نيلسون مانديلا؟
التنكر الثقافي الفرنسي، بدأ مع إحراق المكتبات الجزائرية ومع كل فرد عسكري من جيش إفريقيا خرب وسرق المصاحف. مكتبة سيدي حمود بقسنطينة أصبحت بسبب ذلك رمادا. نصل بذلك إلى جوان 1962 إلى تصفية كل الحسابات، حيث أحرقت منظمة الجيش السري (أو.أ.أس) 600.000 كتاب، بينها كتب بنسخة واحدة...
لماذا لا تهتم هذه الجمعية بالجانب الثقافي، كيف نعيد إلى السكة ما تم سرقته، تخريبه وإحراقه. لماذا مولّت فرنسا مكتبة الاسكندرية التي دشنها متيران في بلد إنجليزي اللغة والانتماء؟
هناك ورشات حقيقة من نوع آخر وليست المسألة فلوساً، ولكنها مسألة كرامة بين شعبين قبل كل شيء، شعبان قررا أن يقطعا جزءاً من الطريق معا، كما يعبّر عن ذلك جيدا الرئيس الراحل بومدين: يمكننا قلب الصحفة ولكن لا يمكننا تمزيقها إنها جزء منّا. إنها تذكرنا بتيه هويتنا الناتجة عن هزة أرضية حصلت صباح ذات جويلية 1830 والتي لانزال نشعر بهزاتها الارتدادية إلى اليوم.
بطريقة مجردة، يمكننا التفكير في جامعة تكنولوجية، علمية وثقافية لا علاقة لها باستيراد مهزلة نظام (ال.أم.دي) الذي نقدمه على أنه هدية. يمكننا التفكير في إطلاق ورشة إنشاء مكتبة رقمية تسمح لنا بالحصول على كل المخطوطات التي لاتزال رهينة (المكتبة الوطنية الفرنسية)، وعلى كل كتب التراث الكوني.
هكذا أرى مساهمة هذه الجمعية. إذا كان هذا الهدف سنكون كثر في تقديم يد العون إلى هذه النظرة الحقيقية للقرن 21 الذي لا يمتّ بصلة إلى النظرة التجارية الطاغية اليوم حتى إذا غلّفناها بعبارات تسرّ أسماع الجزائريين والتي تحمل بالتوازي الكثير من الآلام، لأنها تساهم في إضعاف روح النقد وفي استمرار استعمار فكري يجب حذف برمجته.
الماضي بين فرنسا والجزائر لا يمكن تجاوزه إلا إذا وضعت الأمور في نصابها وإلا إذا كان الإخلاص في كل عمل نقوم به في إطار صون شرف وكرامة الشعبين.