طباعة هذه الصفحة

معاناة أكثر من ٢٠ سنة تنقلها “الشعب”

عائلة بأولاد الكيحل في عين تموشنت تعيش فقرا مدقعا

عين تموشنت: استطلاع ب.م الأمين

في مكان معزول يقطن عمي سعيد رفقة زوجته و6 من بناته بين عائلة رأس مالها الفقر والعوز. وفي منزل جدرانه من حجر لا ماء فيه ولا تلفاز ولا كهرباء منذ أزيد من عشرين سنة صارعت فيها العائلة ولا تزال ظروف العيش القاسية.

«الشعب” توغلت داخل الجحر، أو ما يسمى بالمنزل لتنقل مأساة هذه العائلة التي تخلت عنها الإنسانية ورمتها الرعاية الاجتماعية خلف ظهرها، هناك بمزرعة عيهار حمزة احمد ببلدية أولاد الكيحل غير بعيد عن عاصمة الولاية عين تموشنت، لا تزال هذه العائلة تعيش تحت خط الفقر...بؤس يلاحظه كل من تقع عيناه على باب المنزل الذي لا يستطيع أن يحمي سكانه من أي طارئ لأنه في حاجة ماسة هو الآخر إلى الحماية.
عمي سعيد لم يستطع تأمين المنزل رغم خلوه من أدنى مقومات الحياة. وفي غياب الملابس الشتوية التي يقاومون بها الظروف المناخية وشدة البرودة. وضعية اجتماعية جد صعبة. فقر وحرمان وحياة أقل ما يقال عنها أنها بدائية. لا جدران ولا سقف عادي قد يأويهم.
شروط الحياة تبدو منعدمة، مياه الشرب عملة نادرة. يفترشون أرضا عارية ويعيشون تحت سقف شطر منه هواء طلق. في أركان المنزل شبه أفرشة بالية وفي أطرافها أدوات طبخ بدائية. أطفال يصابون بأمراض يجهلون أصلها وأب يقف عاجزا لا يعرف ماذا يفعل. مشكلة عمي سعيد لم تتوقف عند المنزل أو الكهرباء الذي افتقده لأكثر من٢٠ سنة، بل زادت في تفكيره على مستقبل بناته الـ ٦ بعد أن توقفت ٤ منهن عن الدراسة فيما يتهدد المصير ذاته ابنتيه اللتان لا تزالا تزاولانها في ظروف قاهرة نظرا لعدم توفر المستلزمات الدراسية وكذا تأمين النقل إلى المدرسة. وما كان إلا على جمعية ناس الخير بالمنطقة والتي اكتشفت أمر هذه العائلة لتتدخل لمساعدتها بإنقاذ طفلتين لا تملكان أي ذنب في الوضعية التي تعيش فيها.
 معاناة يومية
يعرف عمي سعيد أنه يعيش ظروفا تعرف اقتصاديا وعلميا وأكاديميا بخط الفقر، وكل ما يعرفه أن أوضاعه الاجتماعية تتدهور عاما بعد عام، بل هو لم ير خط الفقر يوما، وإنما يعيش مع الفقر يوما بيوم، وبنبرات الحزن والأسى، ودموع تكاد تخنق نبرات صوته، استقبلنا عمي سعيد و هو أب لستة بنات، شاءت الأقدار أن تشرد الحياة عائلته في مكان من غابة لا تعرف إلا كربة الحياة صباحا وظلمة الليل الحالك ليلا، بعدما أغلقت الأبواب في وجهه، ليجد نفسه مجبرا على اتخاذ شبه منزل جدران من الأتربة مأوى لعائلته وزوجته، شبه البيت هو ملك لأحد فاعلي الخير الذي تقرب منه العديد من المرات من أجل إخلائه ولحاجة صاحبه بهذا قبل أن يتراجع هذا الأخير عن قراره ويبقي على عائلة عمي سعيد بين هذه الجدران إلى غاية يوم الفرج. فيما يعاني الأب من بطالة خانقة طبع نمطها المرض والعوز وكذا إهمال المسؤولين، مما زاد من تأزم وضعية العائلة التي تعاني أمراضا صحية متعددة، واضطرابات نفسية تكاد تعقد حياتهم، بعدما اضطرت الظروف أبناءها إلى ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة.
لم تر النور لأكثر من 20 سنة و التلفاز حلم صعب المنال
كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف، عندما شددنا الرحال نحو مدينة أولاد الكيحل غير بعيد عن عاصمة ولاية عين تموشنت. بصعوبة كبيرة تمكنا من العثور على منزل عمي سعيد والتي كان لجمعية ناس الخير الفضل في اكتشاف العائلة القاطنة على بعد كيلومترات عن هذه المدينة، وبنبرة الحزن يرفع لنا عمي سعيد آهاته التي امتزجت بنوع من السعادة التي كان مصدرها الزيارة المفاجئة للجريدة رفقة جمعية “ناس الخير” الوحيدة التي تقربت من العائلة حسب عمي سعيد، ومباشرة بعد ذلك دخلنا بيته وأي بيت ذاك الذي قضى فيه أفراد العائلة  20 سنة كاملة، عانوا فيها مختلف أشكال الشقاء والحرمان، فلا دورات مياه، ولا كهرباء ولا حتى مياه تعيد أحياء عائلة جفت قلوبها، وتآكلت أجسادها من شدة المعاناة.
عمي سعيد صاحب الـ 69 عاما، يروي مأساته لـ “الشعب”، بعدما سدت في وجه عائلته كل أبواب المسؤولين، الذين طرقها الواحد تلو الآخر، لكن دون جدوى، في الوقت الذي أكد فيه أن الوضعية تلك أثرت على نفسيته، في حين تشير هذه المعاناة إلى تدهور حالتهم الصحية، والدليل جسمهم الذي يزيد في النحافة من يوم لآخر، ينظر إلينا عمي سعيد ويحكي قصته عن ظهر قلب، وكأنه كان يحضر نفسه لزيارة صحفية منذ زمن بعيد، جسمه النحيف لم يكن عائقا أمام تحركه يمينا ويسارا داخل أسوار “القربي” أو عفوا المنزل، حتى تظهر صور معاناة عائلته، يتوقف عمي سعيد قليلا ثم ينطلق في سرد قصته المأساوية، فيقول: “ منذ ٢٠ سنة لم أعرف طعم الراحة والسعادة بسبب افتقادي لمسكن عائلي، حيث اضطررت رفقة أفراد عائلتي إلى الاحتماء وسط جدران هي أخطر مما تشكله لنا من حماية، منحها شخص للعائلة كمأوى مؤقت إلى حين إيجاد سكن لائق يأوينا، غير أن أوضاع العائلة لا تزال على حالها”.
حياة بدائية  
 لم تكلف الجهات المسؤولة نفسها عناء إيجاد حل لعائلة تعيش تحت خط الفقر منذ تلك الفترة التي تؤرخ بـ 20 سنة إلى يومنا هذا. صدمتنا فاقت كل التصورات فعندما سألنا عن المطبخ لم نجد سوى لوحة خشبية اتخذت كطاولة وضع عليها صحن وفرن صغير ومجموعة من الملاعق، أما عن الكهرباء والماء فهنا تقع الطامة الكبرى، العائلة لم تذق طعم النور منذ 20 سنة وحياة بدائية افتقدت إلى تلفاز حتى وإن توفر فلن يجد كهرباء.
قارورات الماء تحكي هي الأخرى معاناة العائلة التي تحملها بنات عمي سعيد وتقطع بها مسافة كبيرة من أجل جلب قطرة ماء قد تنفذ من شدة التعب وهم في طريقهم إلى العودة. في حين يضطر عمي سعيد إلى زيارة السوق الأسبوعية لشعبة اللحم من أجل البحث عن ملابس “الشيفون” التي لا يتعدى سعرها 70 دينارا.
دمعة ساخنة وشكوى إلى الله
مشهد يدمي قلب الأم والأب العاطل عن العمل خاصة عندما يشاهدون أطفالهم أمامهم وهم ينظرون إلى أقرانهم، ويطالبون بملابس جديدة، ومصروف وحاجيات أخرى مثلهم، ويكون جوابهم الوحيد “دمعة ساخنة وشكوى إلى الله” بانتظار فرج قريب وما لعبة الأطفال سوى براميل تحمل على الأكتاف مئات الأمتار من أجل جلب قطرة ماء.