طباعة هذه الصفحة

الخبـــــير الاقتصــــادي.. عبــــد القـــادر بريــــش لـ “الشعــــب”:

اقتصادنا يشهـــد نمــــوا يفـــرض مراجعــــــــــــة شـــــروط الشراكة مــــع الأجانــب

هيام لعيون

 

تمضي الجزائر قدما نحو إعادة صياغة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، عقب اتفاق سنة 2005، بعد مضي عقدين من الزمن، بغية الوصول إلى اتفاق حقيقي يخدم مصلحة الطرفين.
 اتفاق يكون بأبعاد إستراتيجية وقائم على أساس الندية والمصالح المشتركة لكلا الطرفين، مع الأخذ بعين الاعتبار تطور الاقتصاد الجزائري والتحول الذي يشهده في مجال تعزيز الصادرات نحو الضفة الأخرى من البحر المتوسط، فالظروف الاقتصادية غيرت المعطيات، حيث يشهد الاقتصاد الجزائري نموا وديناميكية وحركية كبيرة.


قال الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش في حديث مع “الشعب”، أن مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، يجب أن يكون بالتفاوض الجيد مع الطرف الأوروبي على أسس متينة وسليمة، حيث حان الوقت لإعادة النظر في هذا الاتفاق على أسس شراكة حقيقية تقوم على قاعدة رابح ــ رابح، وأن الطرف الأوربي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار التحول الذي يحدث في اقتصاد الجزائر على مستويات عديدة حيث باتت تمليه ظروف ومعطيات ومتغيرات كثيرة.
وأكد بريش على ضرورة إعادة النظر في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقع سنة 2005، والذي تجاوزه الزمن وتغيّرت معه المعطيات لصالح الجزائر، التي لن تقبل بشراكة لا تخدم المصالح المشتركة للجانبين،، حيث تراهن على أن تكون دولة ناشئة خلال السنتين المقبلتين وتطمح في آفاق سنة 2035 أن تجدا لها مكانا ضمن مجموعة الكبار.
 شراكة حقيقية متبادلة المنافع
ومن بين هذه المعطيات المستجدة، يضيف المتحدث، موثوقية الاقتصاد الوطني، باعتبار الجزائر قوة اقتصادية صاعدة، معترف بها من قبل الهيئات المالية الدولية على غرار البنك الدولي الذي أشاد بالإصلاحات الاقتصادية ببلادنا خلال السنة الماضية، إلى جانب تصنيف صندوق النقد الدولي للاقتصاد الجزائري، كثالث أهم اقتصاد إفريقي لعام 2024، وهو ما يفرض على الطرف الأوروبي إعادة النظر في هذا الاتفاق، من خلال إبرام شراكة حقيقية تحقق المكاسب والمنافع للطرفين.
ومن بين سلبيات الاتفاق الموقّع منذ عشرين سنة، أفاد الخبير الاقتصادي أن” هذا الاتفاق لم تستفد منه الجزائر وأن الطرف الأوروبي هو المستفيد الوحيد، حيث اعتبرت الجزائر كسوق لتسويق المنتجات الأوروبية، وبالرغم من احتواء الاتفاق على 9 محاور للشراكة، إلا أن الطرف الأوروبي لم يهتم وفعّل فقط الاتفاق في جانبه التجاري وبعض الجوانب المتعلقة بمحاربة الهجرة غير الشرعية وضمان الأمن في منطقة المتوسط، من خلال التعاون الأمني والاستخباراتي ومكافحة الإرهاب.
وأضاف الخبير “بينما بنود الاتفاق الأخرى لم تفعّل وبقي الطرف الأوروبي لم يلتزم بها، على غرار البند المتعلق بتسهيل حركة تنقل الأشخاص والتعاون العلمي ونقل التكنولوجيا، ولم يتم تفعيل البند المتعلق بدعم تنافسية الاقتصاد الجزائري وتدفق الاستثمارات الأوروبية المباشرة إلى الجزائر، مما جعل الاتفاق في صالح كفة الطرف الأوروبي، الأمر الذي كبد الخزينة الجزائرية خسائر تفوق أكثر من 30 مليار دولار جراء التفكيك الجمركي خلال هذه المدة من سريان الاتفاق”.
كما أن الطرف الأوروبي وضع حواجز في وجه الصادرات الجزائرية بحجة عدم مطابقتها للمعايير الأوروبية،، وأوضح بريش، أن هذا الأمر “جعل الميزان التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي يعرف عجزا متراكما، فخلال مدة سريان الاتفاق حوالي 20 سنة صادرات الجزائر إلى دول الاتحاد الأوروبي لم تتعد 20 مليار دولار(الصادرات خارج المحروقات) بينما صدر الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر حوالي 600 مليار دولار خلال فترة سريان الاتفاق”.

 الجزائر أقنعت الاتحاد الأوروبي
وحول سؤال متعلق بالأوراق التي وظفتها الجزائر لصالحها، وجعلت الاتحاد الأوروبي يقبل بمراجعة اتفاق الشراكة، أشار بريش إلى التحوّل السياسي الذي حدث في الجزائر منذ مجيئ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وانتهاجه خطاب السيادة والدفاع عن المصالح الاقتصادية للجزائر بكل ندية واستقلالية، هذا من جهة ومن جهة ثانية التحوّلات الجيوسياسية جعلت من الجزائر تمتلك أوراق ضغط وأوراق تفاوضية قوّية خاصة في ظل حاجة أوروبا إلى الجزائر، باعتبارها شريكا موثوقا لضمان الأمن الطاقوي.
وأضاف “كذلك الاستقرار السياسي والمؤسساتي الذي أصبحت تنعم به الجزائر وعودتها القوية إلى الساحة الدولية، وبروز دور ومكانة الجزائر في محاور جيوسياسية في الفضاء المتوسطي والإفريقي”.
أما على المستوى الدولي، فقد أبرز بريش “تنويع الجزائر لتحالفاتها الإستراتيجية وإبرامها لعدة اتفاقات شراكة مع فاعلين دوليين على غرار روسيا والصين، وإبرام شراكة على أساس علاقة رابح-رابح وشراكة على أساس السيادة وعدم الارتهان لأي محور من المحاور”.
وأوضح أن “الجزائر لم تعد مرتهنة في محور من المحاور أو في علاقاتها الاقتصادية فقط، فهي تبرم اتفاقاتها وتنوّع شراكاتها مع عدة دول وازنة ولها قوة اقتصادية، على غرار الشراكة الإستراتيجية مع الصين والتطور الملفت لحجم التبادل التجاري مع بكين، ومع روسيا، وكذا مع الولايات الأمريكية المتحدة، وغيرها من الدول الكبرى”.
وفي هذه النقطة، شدّد الخبير على أن كل هذه العوامل جعلت من الجزائر تمتلك أوراق تفاوضية لم تكن تتوفر عليها بعد ابرام الاتفاق سنة 2002 ودخوله حيز التنفيذ سنة 2005 بالإضافة إلى كل هذه المعطيات سالفة الذكر، يقول ذات المتحدث، أن الظروف والعوامل السوسيو اقتصادية للجزائر تغيّرت بعد التطوّر الملحوظ خاصة في الجانب الديمغرافي، فالجزائر اليوم تعد سوقا يقدر بحوالي 48 مليون نسمة، وإلى جانب ذلك الاقتصاد الجزائري أصبح يتميز بالقوة والصلابة والدينامكية.
وأبرز الخبير، أنه يجب أن لا يقتصر فقط الاتفاق المقبل على الشراكة التجارية، إذ لابد أن ينظر له وفق نظرة إستراتيجية شاملة متكاملة في تشجيع الاستثمارات، وتشجيع حركية تنقل الأشخاص، ونقل التكنولوجيا، وفي التبادل الثقافي في كل المجالات.
 وعلى مستوى الصناعة الجزائرية، ــ يقول بريش ــ إنه بإمكان المنتجات الجزائرية الولوج إلى الأسواق الأوروبية، وزيادة قدرات الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، مع تسجيل زيادة قدرات بلادنا على مستوى الصناعات التحويلية، وفي مستوى الصناعات التحويلية الغذائية، وتحقيق مستوى عالي جدا من الأمن الغذائي، مع وجود قدرات هائلة لتصدير هذه المنتجات ودخولها للسوق الأوروبي، حيث أن كل هذه العوامل تقتضي أن يعاد النظر في بنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.