طباعة هذه الصفحة

أصبح منبرا للحقد والخطابات الهابطة

عندما يدمّر «إعلام بولوري» القذر سمعة فرنسا

علي مجالدي

 

 مهاجمة الجزائر والإسلام وقضايا الهجرة مادة لخدمة أهداف انتخابية مشبوهة

يواصل اليمين المتطرف في فرنسا انزلاقاته المتكررة، التي باتت تتسم بقدر غير مسبوق من الغرابة والسذاجة، متخذًا من مهاجمة الجزائر والإسلام وقضايا الهجرة مادة إعلامية دائمة تخدم أهدافًا انتخابية وسياسية ضيقة.
فمنصات الإعلام الفرنسي، التي باتت اليوم رهينة لخطاب شعبوي متطرف، تحولت إلى منابر للتهريج السياسي وتصفية الحسابات الأيديولوجية، في مشهد يعكس أزمة عميقة تعيشها الجمهورية الخامسة في خطابها السياسي والإعلامي.

آخر هذه السقطات، تمثلت في تصريح مثير للسخرية أدلى به إبن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، خلال إحدى الحصص التلفزيونية، حين اقترح أن تتجه فرنسا إلى الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، وتقف متوسلة أمام البيت الأبيض لمدة 5 دقائق وتقوم برشوته بالمال أو بإنشاء أحد المصانع، مقابل أن يساعدها!
هذا الطرح الساذج، والمثير للسخرية، يعكس جهلًا واضحًا بواقع العلاقات الدولية وميزان القوى، قوبل برد ساخر من أحد الضيوف في البرنامج نفسه، التي أجابت باستهزاء قائلة، إن فرنسا «ليست أمة أطفال»، في إشارة لغرابة المقترح وتفاهته.
ومع ذلك، فإن إعلام فانسون بولوري، يصر على تقديم هذه النماذج كواجهة لفرنسا أمام العالم. ومع كثرة التمادي في ذلك، فقد فهم الجميع أن هؤلاء فعلا «أطفال» «وعصبيون» يلحقون الإهانة تلو الأخرى بفرنسا.
هذه الخرجة الإعلامية ليست معزولة، بل تأتي في سياق زحف متواصل لليمين المتطرف على المؤسسات الإعلامية الفرنسية. فخلال الأشهر الأخيرة، شهد الإعلام الفرنسي انحرافًا خطيرًا عن دوره المعتاد، حيث تم إسكات كل الأصوات الوسطية، بينما فُتحت الأبواب على مصراعيها للأصوات المتطرفة.
 مثال على ذلك، قرار إذاعة RTL توقيف الإعلامي البارز جون ميشال أباتي، بسبب تصريحه بأن النازيين استلهموا فظائعهم من ممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر. هذا القرار، الذي يعكس رفضًا للحقيقة التاريخية، يعيد فتح ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، ويظهر كيف أن الإعلام الفرنسي لم يعد يقبل إلا بالرواية التي تخدم اليمين المتطرف.
في ذات السياق، أثارت تصريحات إحدى المتدخلات في قناة RMC موجة من الغضب، بعد زعمها أنه «لا يوجد أبرياء في غزة»، في محاولة لتبرير المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، والتي وصفتها محكمة الجنايات الدولية بأنها «إبادة جماعية».
 هذا التواطؤ الإعلامي مع القتلة، يكشف حجم الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه بعض الإعلاميين والسياسيين في فرنسا، الذين باتوا يرون في الكذب والتطرف وسيلة للترويج الانتخابي.
سياسيًا، يرى عدد من المراقبين أن هذا التوجه الإعلامي المتطرف أضر بصورة فرنسا دوليًا، خصوصًا في علاقاتها مع الدول الإفريقية، وعلى رأسها الجزائر. فالخطاب المتعالي والتبعي الذي يتبناه الإعلام الفرنسي، يكرس عقلية استعمارية لم تعد تجد لها موطئ قدم في العالم الجديد، حيث تحرص الدول على شراكات قائمة على الاحترام المتبادل. ففرنسا، التي تواجه اليوم أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، تحاول تصدير أزماتها للخارج، لكن تلك المناورات لا تلبث أن ترتد عليها، كما حدث في تعاطيها مع الجزائر.
وتحول، ظهور رموز فيلق المتطرفين في القنوات الإعلامية الفرنسية، بمثابة حالة مرضية نفسية، حيث يتم استضافتهم بشكل يومي، وتطرح عليهم نفس الأسئلة ويقدمون نفس الأجوبة، ويتكرر الأمر مئات المرات.
وحاول وزير الداخلية الفرنسي، روتاريو، ومن يدور في فلكه من اليمين المتطرف، مرارًا استغلال ملف الجالية الجزائرية كورقة ضغط، لكن النتائج كانت عكسية. خاصة وأن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وضع النقاط على الحروف في تصريحاته الأخيرة، مؤكدًا أن العلاقات بين الدول لا تُبنى على التهريج الإعلامي ولا على الحملات الشعبوية، بل على الحوار الجاد والاحترام المتبادل.
علاوة على ذلك، لم تعد الانزلاقات الإعلامية والسياسية في فرنسا مجرد زلات لسان أو هفوات، بل أصبحت سياسة ممنهجة لليمين المتطرف تسعى لخلق عدو خارجي وهمي، تغطي به إخفاقاتها الداخلية. لكن هذا النهج، كما تؤكد التجارب، لا يؤدي سوى إلى عزلة دولية متزايدة وتصدع في علاقاتها مع شركائها التقليديين، وعلى رأسهم الجزائر.