على أنغام الدف وترانيم الحناجر الذهبية التي تصدح بأجمل الأشعار والأغاني الشعبية القديمة، تجتمع النسوة في عديد القرى بمنطقة القبائل في تيزي وزو، في قعدات شعبية أعادت إلى الواجهة صور السهرات التي غابت لسنوات طويلة لتغيب معها أجواء الفرح والضحكات في ليالي رمضان، الذي يحمل في طياته صور الأخوة والتكافل الاجتماعي، ولحظات الفرح والمرح بين النسوة اللائي يجدن في هذه القعدات ملاذا للتخفيف من ضغوط الحياة، وفسح المجال للتعبير عن مكنوناتهن عبر أشعار ملحنة تحمل الحكم والمواعظ.
تعرف منطقة القبائل انتعاشا كبيرا في مختلف التظاهرات والنشاطات الفنية والثقافية، والتي تغلغلت داخل القرى بعدما كانت تقتصر فقط على دور الثقافة والشباب والرياضة، وهذا ما أعاد رونق السهرات الرمضانية التي عززتها القعدات الشعبية للنسوة داخل القرى، واللواتي أوجدن لأنفسهن فضاءات للمرح والفرح بعد يوم شاق من الوقوف داخل المطابخ لتحضير وجبات الإفطار، خاصة مع انتشار وعودة الفرقة النسوية للظهور والتغني بأجمل الأغاني الشعبية من التراث القبائلي، والذي توارثته فيما بينهن من الجدات والأمهات، وأصبح رصيدا ثقافيا وغنائيا يعود إلى الواجهة خلال الأعراس ومختلف الاحتفاليات في منطقة القبائل، حيث تتنافس النسوة على إظهار ما في جعبتهن من أجل إضفاء أجواء من المرح والسعادة على قعداتهن داخل البيوت القديمة والعتيقة التي تحتفظ بين طياتها برائحة الأسلاف، وتعيد معها ذكريات الطفولة المسروقة من سنوات العمر.
قعدات نسوية بنكهة الماضي تغنى خلالها مختلف الأنواع الفنية الشعبية التي تشتهر بها قرى منطقة القبائل «احيحا، ازلان، اشويقن والأشعار»، والتي جمعت رحيقها النسوة من مختلف الحقول الفنية العابرة للقارات، لتحكي قصص النسوة في هذه المنطقة المتفردة بعاداتها وتقاليدها والتي تعبق برائحة الأصالة، خاصة بين جدران المنازل العتيقة والقديمة، التي تحاكي الماضي وتستحضره في حضرة الحاضر، لتصور أجمل سيمفونية موسيقية تأخذ المستمع لها في رحلة من الزمن، تعيد إلى الأذهان صور القعدات النسوية للجدات والامهات، اللواتي أعطينا شهادة ميلاد مختلف الأنواع الفنية والطبوع القبائلية التي حاكينا خلالها معاناتهن ويومياتهن.
التحضيرات لهذه القعدات النسوية تبدأ مباشرة بعد الانتهاء من الإفطار وصلاة التراويح، حيث تتجه النسوة إلى أحد المنازل القديمة، وهن في أبهى حلة، بزيهن التقليدي الذي يزيد من جمال هذه السهرة، ومحملات بمختلف الحلويات والأطباق التقليدية وأباريق الشاي، ناهيك عن بعض الآلات الموسيقية كالدف لضبط إيقاع الأغاني، حيث ينقسمن إلى فرقتين حسب نوع وعدد الأغاني التي يحفظنها ويجدن غنائها، وبعدها تبدأ السهرة الموسيقية التي تسمع أنغامها من مختلف أرجاء القرية وحتى القرى المجاورة، وهذا ما يكسر هدوء الليل بعد يوم من الصوم، وسط ضحكات وأجواء من المرح والرقصات، ما ينسيهن تعب الصيام والتحضير لمائدة الإفطار.
السهرات والقعدات النسوية في منطقة القبائل تستمر في كثير من الأحيان إلى غاية السحور، حيث تنهي النسوة سهرتهن بآخر أغنية، ضاربات موعدا للقاء في السهرة الموالية بأغاني شعبية جديدة تطرب القلوب، وتضفي أجواء من الفرح والمرح في النفوس.