بن طوبال أحد القادة والمنظرين الرئيسيين للثورة التحريرية ووزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، ولد في مدينة ميلة سنة 1923، ونشأ في أسرة ريفية فقيرة، تلقى تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه وتعليمه الثانوي الذي لم يكمله بقسنطينة، وانخرط في حزب الشعب خلال الحرب العالمية الثانية، وأصبح عضوا نشطا في المنظمة الخاصة بعد تأسيسها عام 1947 لجأ إلى الأوراس بعد انكشاف المنظمة ثم رجع الى السمندو ومنها إلى القبائل، وعاش مطاردا يترقب موعد اندلاع الثورة. آمن بفكرة الاستقلال وضرورة استرجاع السيادة بالقوة، ولعلّ ذلك راجع إلى ظروف الحرمان التي عاشها والى فطرته السليمة، وهذا ما تشهد به شهادته، “ أنا شخصيا انخرطت في الحزب، ومنذ صغري وأنا أومن إيمانا راسخا بأن هذا الحزب يتجاوب مع مطامحي، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أنظر إليه، وكنا نؤمن بأن السبيل الوحيد للخلاص من فرنسا.
كان بن طوبال من القادة المخططين والمنفذين لهذه الهجمات، وتحفل شهادته المطولة والمفيدة بمعلومات هامة، تكشف كثيرا من الحقائق المهمة، ولأهميتها نورد جزءا منها، فقد قال بن طوبال ما يلي: “وفي ناحيتنا كان سي أحمد زيغود واسمه الصحيح سي يوسف زيغود قد جمع مسؤولي الولاية الثانية للتفكير في الطريقة الخارقة للعادة التي لم يسبق أن قمنا بها في الثورة، والتي بواسطتها نستطيع فك الحصار ليس على الولاية الأولى فقط وإنما علينا نحن كذلك... أما الأهداف الأخرى والتي يمكن أن نعتبرها خارجية بالنسبة للولاية الثانية فهي:
1 - فك الحصار على الولاية الأولى التي كانت عرضة للموت.
2 - توجيه رسائل لكل الولايات الجزائرية، وأذكر بالمناسبة أنه لم يكن بيننا آنذاك وبين بقية الولايات أي اتصال وكذلك مع إخواننا في الخارج والعلاقة الوحيدة التي كانت بيننا هي الجرائد الفرنسية ففكرنا في القيام بعمل مثير من شأنه أن يجعل الجرائد الفرنسية تتكلم عنه وبذلك يعرف بقية إخواننا أن الولاية الثانية لم تمت.
وهناك أهداف على المستوى الجهوي بالنسبة لشمال إفريقيا، ولم يكن يغيب عن أذهاننا أننا نخوض ثورة وفي خضمها لم ننس مسألة توحد المغرب العربي...
3 - لفت انتباه الرأي العام العالمي والهيئات الدولية لقضيتنا. كما قررنا كذلك. وهو أمر خطير - بأن الولاية تضع وزنها كله في هذه العملية ونستعمل كل طاقتنا.. وأن يكون ذلك الهجوم على الساعة 12 نهارا وفي كامل مدن الشمال القسنطيني، كان قرارا خطيرا وقلنا في ذلك الوقت أن الشعب ينبغي أن يشارك في المعركة معنا، وهذا ما تم فعلا. وإذا عدنا إلى ذلك الوقت نحصي الخسائر فإننا نقول إنها كانت جسيمة، لكن الأهداف التي حققناها كانت قد شجعتنا وأدخلت البهجة إلى نفوسنا من الناحية الإستراتيجية... لقد تحررت مناطق كاملة و24 ساعة التي ذكرت لكم سابقا أننا خسرناها عدنا فربحنا منها ما لا يقل عن 16 ساعة لأن العدو لم يعد يستطيع الخروج إلى الجبال بعد الساعة 04 مساء حتى مطلع الشمس وصار المسؤولون ينتقلون في النهار وكذلك وحدات جيش التحرير الوطني .. أما من الناحية الخارجية فإن قضيتنا، القضية الجزائرية قد سجلت في جدول أعمال الأمم المتحدة، وكان هذا نصرا كما حصل بعد تلك الهجمات تطوّر هام في نشاط الثورة بالشمال القسنطيني، ففي منتصف نوفمبر 1955 حضر بن طوبال اجتماعا هاما القيادة المنطقة ترأسه زيغود، اختار مكانا مؤمنا في طيراوي بدوار أولاد مبارك، يشرف عليه لحمر محمد بن ساسي التابع لمسؤولية بن طوبال كان اجتماعا هاما لتقييم المرحلة السابقة ومجابهة المستقبل بتخطيط محكم، وبطيراوي استقبل زيغود ونوابه في فيفري 1956 عونكبيرا بعد عشر شهور فقط من اندلاع الثورة، ومن ناحية السياسة الفرنسية كنا نخشى كما سبق وأن قلت لكم من عروض الإصلاحات ومن بعض التغيرات السياسية والثورة ما زالت ضعيفة، ولهذا كان مقصود زيغود يوسف والمسؤولين الذين كانوا معه هو اغتيال وإحباط هذه المبادرة الإصلاحية، وتعميق بعد الثورة حتى تصبح أمرا لا رجعة فيه، وكان رد فعل الفرنسيين عن هجوم 20 أوت قد تمثل في الانقلاب الذي حدث في عقلية سوستيل فقد انتقل من اليسار إلى أقصى اليمين وأعاد النظر في سياسته بأكملها، وهكذا أصبحت الحرب بيننا وبين فرنسا وأصبحت كل نوايا سوستيل وكل نوايا إخواننا الذين آمنوا بعض الإيمان بسياسة الإصلاحات التي أتى بها سوستيل لاغية”.
إن هذه الشهادة سوف تظل المرجع الأساسي لتاريخ هذه الهجمات إن زيغود وبن طوبال قررا أن تنجح الثورة، وخطوا للثوار طريقا نحو تحقيق الهدف، وفعلا كان لنجاح هذه الهجمات صدى واسعا، جعل من زيغود ومساعديه منقذين للثورة في هذه المرحلة الصعبة.
وبعدها استقبل سعد دحلب الذي سجل انطباعات قيمة عن نجاح الثورة بالشمال القسنطيني. وفي شهر رمضان عام 1956 انتقل بن طوبال رفقة زيغود وطاقمه من بني صبيح الى مركز بن تليلن، وفي جوان 1956 أنشأت قيادة المنطقة مركز شكيل للتجمع والتموين والاتصالات عقد فيه زيغود اجتماعا حافلا، وفي جويلية 1956 غادروا المركز في اتجاه بني فرقان، لقد أعجب زيغود بما تحقق في هذه الناحية التابعة لبن طوبال، وقتها كانت الناحية الغربية مؤطرة بعدد من المسؤولين منهم: حسين بن سالم المدعو مسعود الطاهيري، عمار قنون، رمضان ناصري، شهاب عبد السلام، مسعود بوعلي، أحمد لعبودي العربي الميلي بلرجم بن مبارك عز الدين.
بن طوبال ومؤتمر الصومام
يعد الشهيد زيغود يوسف من بين قادة الثورة الذين اقترحوا منذ وقت مبكر عقد مؤتمر وطني لقادة الثورة، وقد تلقف عبان الفكرة وعمل على تجسيدها في أوت 1956، فاتح زيغود دحلب بالموضوع وجاءت الموافقة من قيادة المنطقة الرابعة، وأعد زيغود وبن طوبال منطقة آمنة لعقد المؤتمر وهي بوالزعرور بالقل، ولكن تقرر أن يعقد المؤتمر بوادي الصومام، سافر زيغود الى منطقة القبائل مصحوبا بنائبيه بن طوبال وبن عودة، وكذا علي كافي وحسين رويبح وابراهيم مزهودي، كانت الرحلة موفقة كما يشهد كافي، افتتح مؤتمر الصومام أعماله يوم الثلاثاء 14 أوت 1956 لتنتهي يوم 23 أوت، وذلك بمشاركة معظم قادة الثورة عدا قادة الوفد الخارجي ومنطقة الأوراس، وشارك في مداولات الاجتماع رمضان عبان ممثلا لمنطقة الجزائر العاصمة، وكريم بلقاسم ممثلا للمنطقة الثالثة، وعمار أو عمران ممثلا للمنطقة الرابعة، وزيغود يوسف ومعه بن طوبال استثناء ممثلين للمنطقة الثانية، ومثل بن مهيدي المنطقة الخامسة دون أن يستشير نوابه.
وخلال جلسات الاجتماع تم تقييم حصيلة اثنين وعشرين شهرا من الكفاح، ودرس كل ما يتعلق بشؤون الثورة، وعلى ضوئها تم توضيح آفاق المستقبل وإستراتيجية العمل، وإن كان المجتمعون متفقين على كثير القضايا فإن نقاشاتهم لم تخل من الحدة والجدال، ويبدو في نظرنا بروز جبهتين في هذا النقاش، يمثل الجبهة الأولى زيغود يوسف بثقله المحترم، ويمثل الثانية بقية الأعضاء الذين يبدو أنهم جاءوا إلى المؤتمر متفقين على المقررات بحكم ارتباطهم من قبل بتنسيق وثيق، ومع ذلك كانت جبهة زيغود التي عززت استثناء بنائبه بن طوبال قوية، لكنها تمثل أقلية ظلت تناقش بحدة بعض المسائل الخلافية ومنها:
^ مسألة التمثيل: تساءل زيغود وبن طوبال عن عدم حضور ممثل الأوراس، وبالخصوص الوفد الخارجي، وعبرا عن تخوفهما من هذا الغياب الذي ينقص من قيمة المؤتمر، وذلك بحكم أهمية منطقة الأوراس ودورها في الثورة وثقل قادة الخارج وقوة نفوذهم المعنوي.
^ مبدأ أولوية الداخل على الخارج” و«أولوية السياسي على العسكري: فقد عارض زيغود وبن طوبال بشدة المبدأين، وبخاصة المبدأ الثاني معتبران أن القائد يجب أن يكون سياسيا وعسكريا في الوقت ذاته.
وأمام ذلك، كان زيغود وبن طوبال أمام موقف حاسم، يعبر عن تغير استراتيجي في مسار وقيادة الثورة، وهيمنة السياسيين على سلطة الثورة، كان اليأس يعم مشاعر زيغود وبن طوبال بسبب القرارات المتخذة رغما عنهما، وخاصة مسألة أولوية السياسي على العسكري، وقد كلف المؤتمر بن عودة بمهمة التسليح في تونس وزيغود بمهمة إصلاح ذات البين في الأوراس، وبعد استشهاد هذا الأخير وانتقال بن عودة للخارج كان الطريق ممهدا لبن طوبال لتولي مسؤولية الولاية الثانية.
بعد أربع سنوات عاد بن طوبال لتقييم المؤتمر، حيث اعتبر المؤتمر ومقرراته نقلة نوعية في مسيرة الثورة التحريرية، وتحدث عن ايجابيات مؤتمر الصومام لإطارات جبهة التحرير الوطني في مستهل عام 1960 بالقول: “لكن هذا المؤتمر رغم نقائصه ورغم ضعف التمثيل على المستوى الوطني أقام مع ذلك وحدة نظامية، وحققت الجزائر لأول مرة مثل هذه النتيجة، وشهدنا لأول مرة مثل هذا التنسيق ومثل هذه المعركة، أعني تنصيب هياكل كانت هي الهياكل نفسها في جميع الأماكن، ولأوّل مرة كان لنا جيش موحد لم يكن له في السابق من الجيش إلا الاسم.
ولأوّل مرة أيضا في تاريخ ثورتنا حدد ما يشبه المبادئ، أو خطوط السير لثورتنا فحظيت بنفس جديد وبروح جديدة لاستئناف سيرها وبقوة أزيد وثقة في المستقبل، وبقيادة موحدة في هذا الوقت كان التنسيق فعليا بين الولايات، كما أن التنسيق بين الداخل والمنظمة في الخارج كان حقيقيا، وهو ما لم يكن موجودا من قبل”.
قيادته للولاية الثانية
تجمع الشهادات أن زيغود قبل انتقاله إلى الأوراس عقد اجتماعا لإطارات الولاية الثانية، حدد فيه المسؤوليات وأقر بأن يكون بن طوبال قائدا للولاية في غيابه، وكان ذلك يعني تزكيته لقيادة الولاية في حال استشهاده، كان بن طوبال محل تزكية إطارات الولاية فهو نائب زيغود ورفيق نضاله، ومع ذلك لم تكن مهمته في قيادة الولاية الثانية سهلة (سبتمبر 1956 - أفريل 1957)، كان يتوجب إرساء التنظيمات التي نص عليها مؤتمر الصومام ومجابهة مخططات العدو، وتفعيل التنظيم السياسي والعمل الثوري، لقد أصبحت الولاية تضم خمس مناطق، وتشرف على مصالح أسهمت في تطوير الهياكل العسكرية والسياسية والاجتماعية والإدارية، وقد حرص بن طوبال على مراقبة تلك المناطق والمصالح واستفاد من الإطارات المثقفة (بن بعطوش وخان وكافي وبوبنيدر.. إلخ)، وهكذا أصبحت الولاية الثانية ولاية نموذجية عندما تقرر انتقال بن طوبال مع عضوي لجنة التنسيق والتنفيذ كريم وبن خدة الى تونس.
عضويته في لجنة التنسيق والتنفيذ
قرر قادة لجنة التنسيق والتنفيذ الحفاظ على الثورة وعدم المغامرة بالبقاء داخل الوطن، واتفقوا على أن يسلك كريم وبن خدة مع بن طوبال طريق الشرق لدخول تونس عبر الولاية الثانية، ويتوجه عبان ودحلب الى الغرب لدخول المغرب عبر الولاية الخامسة.
في بداية جوان اجتمع قادة لجنة التنسيق والتنفيذ في تونس تدارسوا انعكاسات إضراب الثمانية أيام، وتطورات القضية الجزائرية، واستعدوا لخدمة أهداف الثورة، كان لهم نشاط حثيث في تونس تنظيم القاعدة، اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية، الاتصال بالسلطات التونسية)، وقد لقيت قيادة الثورة استعدادا كاملا في تونس لدعم الكفاح الجزائري، ولكن الخشية من الوقوع في يد العدو الذي ما يزال يحتفظ بنفوذه في بتونس وازدياد ضغوط بورقيبة الداعية إلى قبول دخول المفاوضات مع فرنسا دون اشتراطات دفعت باللجنة إلى اتخاذ قرار الانتقال للقاهرة واتخاذها مقرا دائما.
وفي القاهرة، قدم دباغين قادة لجنة التنسيق والتنفيذ لفتحي الديب وعبد الناصر، وقد أحس قادة الثورة فعلا بأن الثورة قد كبرت ويتوجب أن يكبروا معها، كان نشاطهم في القاهرة مختلفا عن أجواء معركة الجزائر، فهو قائم على لقاء الوفود الدولية وإقامة الندوات الصحفية وتنشيط العمل الدبلوماسي وكانت أجواء القاهرة مناسبة لمعارضي عبان لعزله، في هذه الظرفية طرحت مسألة تشكيلة لجنة التنسيق والتنفيذ، فتم الاتفاق على استخلاف بوصوف لبن مهيدي، وحصل الاختلاف بخصوص توسيع اللجنة وإعادة تشكيلها، وكان كريم قد ضاق ذرعا بتصرفات عبان التسلطية وخطط مع بوصوف المرتبط بعلاقات وثيقة مع المخابرات المصرية ومع بن طوبال لوضع حد لسلوك عبان، ووجد هذا الأخير نفسه معزولا في القاهرة أمام إرادة المتحالفين ضده في السيطرة على دواليب السلطة داخل جبهة التحرير الوطني. وقد استفاد بن طوبال من نفوذ بوصوف ليعقد مع كريم حلفا صلبا لقيادة الثورة عرف بحلف الباءات الثلاث والذي كان بمثابة نواة القيادة الأساسية لجبهة التحرير الوطني وذلك بعد تهميش وإزاحة عبان من إدارة سلطة قيادة تلك الجبهة وعن حقيقة هذا الحلف يقول بن طوبال: إنني أنا وبلقاسم كريم وعبد الحفيظ بوصوف من حزب سياسي واحد هو الحركة من أجل الانتصار للحريات الديمقراطية ومن القدامى في المنظمة الخاصة ومن المفجرين الأوائل للثورة، ولذلك فإنه محكوم علينا أن نتفاهم مع بعضنا بعضا مهما تباينت آراؤنا واختلفت نظرتنا للأشياء.
الحلقة الثانية