يرى الكاتب المسرحي، العربي بولبينة، في أنّ ما بات يعرف بحجب الجوائز الكبرى في المهرجانات المسرحية بالجزائر، أصبح “عقابا” للمشاركين في المهرجان وسببا إضافيا في إضعاف المسرح الجزائري، بدل المساهمة في تطويره وترقيته.
حمل الأستاذ العربي بولبينة، كاتب مسرحي وعضو لجان تحكيم في عديد المهرجانات المسرحية الوطنية، في حديث لـ “الشعب”، لجان تحكيم المهرجانات مسؤولية حجب الجوائز الكبرى، و«إقصاء” المشاركين وتحويل المشاركة في المهرجان من منافسة فنية وإبداعية إلى “نزوات ومزاجات” شخصية غالبا ما تكون السبب المباشر في عزوف عديد المبدعين عن المشاركة في المنافسات الفنية المسرحية التي تلي آخر “خيبة” لهم.
ويرى الأستاذ العربي بولبينة، أنّ حجب الجوائز بالمهرجانات المسرحية بصفة عامة والمسرح المحترف بصفة خاصة هو “إنكار” لمجهودات المسارح الجهوية الموزعة عبر كل إقليم الوطن، والتي أشرفت على المنافسات التصفوية المؤهلة للمشاركة في منافسات المسرح المحترف، قائلا: “ليس من حق لجان التحكيم حجب شيء أو منح شيء آخر”، بل المطلوب حسب بولبينة والذي ذهب بعيدا في نقده لقرارات لجان التحكيم القاضية بحجب الجوائز الكبرى هو “ترك المسارح وشأنها لتواصل مسيرة البناء والإبداع”، وهذا ـ حسبه ـ خدمة ودفاعا عن المسرح الوطني الجزائري.
ويؤكّد السيد بولبينة أنّ جميع المشاركين في آخر طبعة للمسرح المحترف عادوا من بور سعيد، وعلى الرّغم من ذلك بقيت الجائزة الكبرى محجوبة هذه السنة أيضا.
دور لجان التّحكيم في تقييم الأعمال المسرحية..الأنا هي الحكم؟
يؤكّد الأستاذ بولبينة أنّ خلق أجواء تنافسية ودفع المبدع إلى المشاركة في المسابقات، أشبه ما يكون بـ “زواج جماعي”، حيث يضطر هذا الأخير إلى الاندماج والقبول بكل الشروط التي يفرضها “قانون اللعبة”، رغم التميز الكبير والاختلاف الواضح بين المتنافسين، سواء من حيث التكوين والممارسة والعصامية.
فعملية التقييم في رأي المسرحي بولبينة هي أشبه ما تكون بالتكريم، وإعادة ربما الاعتبار أو الدفع ببعض الوجوه الجديدة إلى هذه الحلقة، مشيرا إلى أنّ الدعوة تتم على أساس لجنة مختلطة تضم ـ وهذه ليس حتمية ـ “سينوغرافي، كاتب مسرحي، مخرج، موسيقي، ممثل، وأحيانا باحث في مجال المسرح”، لكن الإشكال الحاصل ـ حسب محدثنا ـ هو قبول الآخر ورفض الآخر، وهي الحكاية التي لا تنتهي.
وكمثال على ذلك يشير محدثنا، بناء على مواقف عاشها خلال مشاركته في عدة لجان تحكيم، هو أن المختص في المسرح حسب مصطلح خريجي المعاهد لا يعتبر العصامي ندّا له، أو يمكنه تقييم العمل الفني، عكس ذلك الذي مارس المسرح ويملك إرثا، يرى بأنّه هو من يملك الشرعية في تقييم الأعمال المشاركة، ويعتبر أنّ دوره هو الحاسم في تحديد الفائز وتقييم الجيد من الرّديء.
وقد طالب بولبينة كل أعضاء لجان التحكيم الترفع عن الأنا في تقييم الأعمال الفنية، فهي قبل كل شيء موجّهة للجمهور، وإلى النقاد قبل أن تكون موضوع تنقيط أو إقصاء.
مسارح الجزائر بحاجة إلى تقييم موضوعي وليس إلى لجنة انضباط
يعتبر الفوز بالجائزة الكبرى في أي مهرجان مسرحي هو حلم كل مبدع مخرجا كان أم كاتبا أم سينوغرافيا، فما بالك بالممثل؟ يقول بولبينة، وحجب الجائزة في نظره هو “عقاب قاسي” للجميع. ويتساءل هنا محدثنا: “هل بحجب الجائزة نقول لكل المسارح الجهوية المحترفة أنها بعيدة كل البعد عن العروض الجميلة والحسنة”؟، وبتعبير آخر ـ يضيف ـ تجعل لجنة التحكيم المتنافسين يعتقدون أن أعمالهم المشاركة كالكوليرا والطاعون أحلاهما خطير. ليتساءل بولبينة مرة أخرى: “هل كل الأعمال المشاركة والتي أشرف عليها خيرة مخرجي هذا الوطن..لا ترقى إلى مستوى نيل جائزة، ويتابع محدثنا القول أن بعض اللجان يتواجد بها أعضاء انتهت صلاحيتهم منذ أمد بعيد بل وتوقف الإبداع لديهم.
ويجيب على هاته التساؤلات بالقول، أنّ هناك بعض أعضاء اللجان من يرى نفسه أكبر من أن يُشاهد عروضا مسرحية، وأنّ نفسه “العزيزة” تتألّم لمجرد مشاهدة بعض منها، والحقيقة يؤكد محدثنا أنّ مسارح الجزائر ما تزال بخير، وتحتاج فقط إلى تقييم موضوعي يخدم المسرح الجزائري، وليس إلى لجنة انضباط تمارس مهامها كجلاد يتلذذ باستعمال السوط.
ويشير الكاتب المسرحي بحكم تجربته أن هناك لجان تحطيم حرمت أعمال ممتازة من التتويج مقابل أعمال أخرى أشبه ما تكون عروض محادثات.
هل يكون انتخاب لجان تحكيم هو الحلّ؟
وفي سؤالنا عما إذا كان هذا الوضع يدفع إلى إعادة التفكير في المعايير التي تعتمد عليها محافظات المهرجانات في اختيار لجان التحكيم، وهل تلعب الكفاءة دورها في ذلك؟ يجيب الأستاذ بولبينة عن تساؤلنا بالقول إنّ للمحافظات الرأي الفيصل في اختيار لجان التحكيم بعد التشاور مع كل الأعضاء، ولكن ونظرا للنقد الكبير الذي يصاحب في كل مرة حفلات اختتام المهرجانات، بعد حجب الجوائز الكبرى يمكن التفكير ـ يقول ـ بجدية في إضفاء نوع من المصداقية على عمل لجان التحكيم، من خلال الاحتكام “للصندوق” عن طريق الاقتراع المباشر، غير أنّ هذا “الحلم” الذي لن يتحقّق، وإن كان لنا نحن المبدعون يوما لذلك، فالأكيد ستزوّر النتائج لصالح مبدع على حساب أخر، وتنتصر مرة أخرى لجنة التحكيم بحجب الجوائز.
وختم الأستاذ بولبينة حديثه معنا بالتأكيد على وجوب منح السيد يحياوي محمد مدير المسرح الوطني الفرصة الكاملة للعمل، مؤكدا أنّ الرجل مبدع وله حسّ يشجّع من خلاله كل المبدعين، والأكيد الدّورة القادة ستشهد انطلاقة فعلية وحقيقية للمسرح المحترف الجزائري، وباقي المسارح الأخرى.