تنكشف يوما بعد يوم، الكثير من الأوراق التضليلية لليمين المتطرف الفرنسي وأنصاره، التي استخدمها ضد الجزائر، في محاولاته المفضوحة لتأليب الرأي العام، ومع استمراره في تحدي التصعيد بدأ يدرك هذا الطرف المعادي أنه بصدد خسارة حرب كاملة وليس مجرد معارك، إذ انكشفت حقيقته كبوق لا يتوقف عن نفخ الكراهية، لا يملك مشروعا ولا رؤية.
قد يبدو للوهلة الأولى، أن استثمار الأطراف الفرنسية المعادية للجزائر، في القصص الصغيرة لإثارة الزوابع، محاولات مكشوفة ومعتادة لتحقيق مكاسب انتخابية، خاصة مع تزايد احتمالات ذهاب فرنسا المثقلة بالديون إلى انتخابات مسبقة.
لكن، وراء كل هذه القصص الفارغة التي أقحمها اليمين المتطرف في الأجندة الحكومية للسلطة الفرنسية، تعشّش الخلفية التاريخية الحاقدة على عبارة “الجزائر المستقلة”، إذ تشترك الوجوه الحالية لهذا التيار، في انتماءاتها لشخصيات لها ماضي دموي إبادي في الجزائر خلال فترة الاستعمار.
من هنا، كانت بداية الحرب التضليلية التي تشنّها كل الأطراف الحاقدة على الجزائر، حيث سعت جاهدة للقفز على الماضي الاستعماري وتزييف الحقائق التاريخية ثم الوصول إلى تبييض صورة الاستعمار بوصفه جالب للحضارة، مع محاولة المساواة بين الضحية والجلاد.
ومع ذلك، لوحظ في الحملة السياسية والإعلامية الأخيرة ضد الجزائر، عدم توظيف هذا التيار لموضوع الذاكرة بالشكل المعتاد، بل سعى لتجاهله، عكس ما كان عليه الحال في الأعوام السابقة، وعمل جاهدا على تعويم الأزمة الحقيقية بين البلدين في مواضيع تتعلق بمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي والتدخل السافر في شأن داخلي معروض أمام العدالة الجزائرية.
ولعلّ السبب الذي جعل اليمين المتطرف يتفادى تكرار أسطوانته المشروخة بخصوص الماضي الاستعماري المخزي، هو انهيار راويته أمام التمسك الصارم للدولة الجزائرية بالدفاع عن الذاكرة الوطنية وبشكل غير مسبوق لم يألف أحد في تاريخ العلاقات بين البلدين.
لقد تولى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وبصفة شخصية، إبراز الحقائق الدامغة المرتبطة بماضي فرنسا في الجزائر، كاشفا بأسلوب واضح وقوّي عن تفاصيل جرائم الإبادة المرتبكة بحق الجزائريين.
ولم يكن ممكنا أن يصمد التزييف والتحريف الفرنسي في قنوات إعلامية موجهة، أمام السرد الحقيقي للحقبة الاستعمارية، خاصة وأن من يتصدر صف الدفاع الأول عن الذاكرة هو رئيس الجمهورية، وخلفه القيادة العليا للدولة.
ولا شك أن الصدمة كانت كبيرة جدا، على دعاة تصعيد العداء ضد الجزائر، وهم يشاهدونها ترفض مقايضة التاريخ بكل المغريات السياسية والاقتصادية، وهو ما جعلهم يسحبون عبارات مثل “ريع الذاكرة” من أدبيات الخطاب السياسي المناهض للجزائريين. وتلك كانت الهزيمة المدوّية الأولى لهذا التيار الحاقد.
سقــوط كل الأوراق
اليمين المتطرف، وبعد خسارته لمعركة التاريخ مع الجزائر، أراد تجريب أوراق أخرى في حربه التصعيدية، على غرار اتفاقية الهجرة لسنة 1968 والتأشيرات والمساعدات الوهمية للتنمية.
هذه الجولة من التصعيد، قدمت للفرنسيين لمحة كافية عن شكل اليمين المتطرف وأنصاره حال سيطرته الكاملة على الحكم في البلاد، إذ سيتصرف تماما مثل “الثور الهائج في محل الخزف”. سيشاهدونه وهو يحول كلامه الفارغ الذي يردده على مر السنوات إلى فوضى وتخريب عنيف للهيكل الإداري والسياسي المتبقي للجمهورية الخامسة.
وبفضل الجزائر، لاحظ الرأي العام، كيف يستحوذ وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية على صلاحيات وزير الخارجية، وكيف يرتمي وزير العدل على صلاحيات وزير الداخلية، وكيف يأخذ الإعلام المنحاز إلى سلطة عنف لفظي، دور وزير الخارجية، حين يمارس التعليق والإملاء على حساب المعلومة والخبر.
هذا الذي حصل، في حكومة فرنسية حالية تواجه مديونية تفوق 3000 مليار يورو، مهددة بسحب الثقة في كل لحظة. حكومة أبانت عن قلة كفاءة صادمة في إدارة الملفات ومحاولة توظيفها بشكل مضلل.إذ كشفت برقية وكالة الأنباء الجزائرية، بخصوص وهم المساعدات الموجهة للتنمية، عن ضعف فظيع لمن يعتبرون أنفسهم نخبة سياسية في فرنسا ويتطلعون إلى أن يكونوا البديل السياسي الحتمي للشعب الفرنسي.
وإن ما كشفته بالوكالة وبالأرقام، يؤكد وبشكل قطعي العقيدة الفرنسية تجاه الجزائر منذ 1962، والتي قال بشأنها رئيس الجمهورية “أنها لم تترك إلا الخراب والجهل، بعدما وجدت شعبا جزائريا متعلما قبل 132 سنة”.لأن الأموال المزعومة لدعم التنمية في الجزائر، تقدّمها فرنسا لنفسها بيدها اليمنى عبر يدها اليسرى، في وقت ازدهرت عديد شركاتها على مشاريع الطلب العمومي في الجزائر وتفادت شبح الإفلاس بفضلها.
لقد خسر أعداء الجزائر في فرنسا، معركة الذاكرة وهاهم يفقدون ما يعتقدونه أوراق ضغط لردع الجزائر، كاتفاقية الهجرة لسنة 1968 والتي أفرغت من محتواها، والمساعدات الوهمية للتنمية.ولعلّ الخسارة الأكبر التي تأتي بعد الجوانب الإستراتيجية في العلاقات الثنائية، ستكون في ميدان الاقتصاد، حيث تمضي الجزائر قدما في تنويع شراكاتها الاقتصادية مع دول جادة وبراغماتية، في وقت تغرق الأوساط الفرنسية في الثرثرة الفارغة ومحاولة الحصول على الاهتمام السياسي الأجوف بمهاجمة الجزائر.
وإدراكا منها للواقع، بدأت عديد الأصوات الفرنسية الموضعية دحض الوهم والتأكيد على “أن الجزائر ليس بحاجة لفرنسا بقدر ما فرنسا بحاجة إلى الجزائر”.