طباعة هذه الصفحة

الخبير الاقتصادي والمالي الدولي.. نبيل جمعة لـ”الشعب”:

الجزائر تصحّح اختلالات شابــت العقد منذ دخولـه حيّز التنفيذ

سفيان حشيفة

نقاط حيويـة تخصّ مجالات التجـــارة والتصدير وتنقل البضائع وحركة الأشخاص

أكد الخبير الاقتصادي والمالي الدولي، البروفيسور نبيل جمعة، أن الحكومة الجزائرية تسعى بتوجيه من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، من أجل تصحيح الاختلالات التي شابت هذا العقد منذ دخوله حيّز التنفيذ عام 2005م.

أوضح البروفيسور نبيل جمعة، في تحليل خصّ به “الشعب”، أن المراجعة التي تُجريها الجزائر على اتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي، تُركّز على نقاط حيوية خصوصًا في مجالات التجارة، التصدير، ونقل البضائع وحركة الأشخاص، في ضوء الأهداف الأساسية والإستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي ترقب تحقيقها.
وتطلّع جمعة إلى أن تكون هذه المراجعة قائمة على مبدأ تحقيق الشراكة المتكافئة الخادمة لمصالح الجزائر بشكل مستدام، مع ضمان تطوير الاقتصاد الوطني، وتقليل الاختلالات المتوقعة في الميزان التجاري.
كما أبرز محدثنا، أن الاتفاق الحالي اِنتُقد بشدّة؛ كونه كان في صالح الصادرات الأوروبية على حساب الجزائر، خاصة المنتجات الصناعية، بينما كانت الصادرات الجزائرية محدودة بالأساس على قطاع المحروقات، حيث تهدف الجزائر من خلال إعادة التوازن للتبادلات التجارية بين الطرفين إلى تنويع صادراتها إلى أوروبا، لاسيما في القطاعات الزراعية والصناعية.
وبخصوص مسألة الخسائر الاقتصادية، تُشير السلطات الجزائرية إلى أن الاتفاق القديم كلّفها حوالي 50 مليار دولار سنويًا بسبب الإعفاءات الجمركية على المنتجات الأوروبية، ما جعلها ترغب في إعادة النظر فيها لحماية اقتصادها، وتعزيز الوصول إلى الأسواق الأوروبية، ومن جهة أخرى لا تزال المنتجات الجزائرية غير الطاقوية تواجه حواجز جمركية وغير جمركية في أوروبا، يتطلب إزالة عقباتها لزيادة صادراتها من السلع غير النفطية، بحسب قوله.
واعتقد جمعة أن الجزائر تريد من خلال مراجعة الاتفاق المساهمة في دعم التنمية الاقتصادية الداخلية، وتحديث اقتصادها، ونقل التكنولوجيا، وتشجيع الاستثمار الأوروبي المباشر في القطاعات الإنتاجية المحلية، مع تضمين آليات تُسهِّل منح التأشيرات والتنقل للجزائريين، خصوصًا للمهنيين والباحثين والطلاب الجامعيين، والتفاوض بشأن برامج تدريب وتبادل أكاديمي وتعاون علمي لتطوير المهارات.
علاوة على ذلك، فإن الإستراتيجية الجديدة المتوقعة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ستقوم على التفاوض التجاري المتوازن، عبر وضع بنود تضمن التبادلية في التجارة بين الطرفين، وحماية الصناعات المحلية، وتنويع القطاعات التصديرية، والتركيز على الشراكات الإنتاجية بتشجيع الاستثمارات الأوروبية في مشاريع إستراتيجية داخل الجزائر مثل الطاقات المتجددة والصناعة الصيدلانية والزراعة والصناعات التحويلية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذا تعزيز قدرة الشركات الجزائرية الصغيرة والمتوسطة على ولوج الأسواق الأوروبية من خلال مرافقتها وتأهيلها للحصول على الشهادات والمعايير الأوروبية.
وفي جانب تطوير البنية التحتية اللوجستية والتجارية، مثلما أضاف جمعة، تنشد الجزائر تحسين البنية التحتية اللازمة للتصدير على غرار الموانئ والطرق، بغية رفع تنافسية المنتجات الجزائرية في السوق الأوروبية، بالإضافة إلى السعي للامتثال للمعايير البيئية الأوروبية ودمج القطاعات الخضراء خاصة في مجالي الطاقة والزراعة، والعمل على  تعزيز السيادة الاقتصادية بحماية بعض القطاعات الإستراتيجية وتعزيز تطوير سلاسل القيمة المحلية.
وما تعلّق بالسّياق الاقتصادي وتداعياته، لفت الخبير الاقتصادي، إلى تغيّر الوضعية الاقتصادية للجزائر منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وتبذل اليوم جهودا لتقليص اعتمادها على المحروقات وتنويع اقتصادها، إذ تُعد مراجعته جزءًا من إستراتيجية أوسع لتعزيز السيادة الاقتصادية وتحقيق تنمية مستدامة، مع الاستفادة من فرص الشراكة الأوروبية المتوسطية، وبالتالي، تمثل هذه الخطوة فرصة للجزائر لبناء علاقة أكثر عدالة مع الاتحاد الأوروبي تُحقق مصالح الطرفين، مع دعم التنمية الوطنية في الجزائر على نطاق أوسع.
إلى ذلك، اقترح نبيل جمعة، إعادة النظر في التفكيك الجمركي بين الجزائر والإتحاد الأوروبي من خلال مراجعة جدولة الإعفاءات الجمركية، والتركيز على استثناء القطاعات الحيوية والإستراتيجية التي تحتاج إلى حماية لتطوير الإنتاج المحلي، وإعادة فرض رسوم جمركية على بعض السلع المستوردة التي لديها بدائل محلية، لتشجيع الصناعة الوطنية وحماية المنتجات الداخلية، مع التفاوض على شروط تتيح وصول المنتجات الجزائرية إلى السوق الأوروبية، خاصة المنتجات الزراعية والصناعية، وتخفيف القيود غير الجمركية مثل المعايير التقنية والصحية الصارمة، ودعم الصادرات الجزائرية عبر تسهيل الموافقات والشهادات المطلوبة لدخول أسواق القارة الأوروبية.
وتابع المتحدث مستطردا: “يتوجب معالجة العجز في الميزان التجاري بإدراج آلية لمراجعة الاتفاقيات التي تؤدي إلى عجز دائم في الميزان التجاري لصالح أحد الأطراف، ووضع قيود على الواردات التي تضر بالاقتصاد الجزائري أو تتسبب في استنزاف احتياطي الصرف من العملة الصعبة، وإعادة النظر في القطاعات المستفيدة من الإعفاءات الجمركية وجعلها خادمة للطرفين بالتساوي لاسيما في قطاعات السيارات والأدوية والسلع التقنية، والذهاب نحو تقليص الفجوة بين واردات الجزائر وصادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي”.
تعمل الجزائر على مراجعة اتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي للاعتماد على آلية تنقيح دورية للاتفاقية لتقييم تأثيرها على الاقتصاد الجزائري ومعالجة كافة الاختلالات بشكل مستمر، وتتّجه إلى بناء قاعدة إنتاجية محلية قادرة على تقليل الاعتماد على الواردات الأوروبية وتعزيز الأمن الاقتصادي والغذائي الوطني، يختم الخبير الاقتصادي والمالي الدولي، البروفيسور نبيل جمعة.