طباعة هذه الصفحة

رئيس المجمّع الجزائري للّغة العربية..الشريف مريبعي لـ”الشعب”:

رقـمـنـة المخطوطات.. نقلةٌ نوعيّة في حفظ التراث

فاطمة الوحش

يؤكّد الدكتور الشريف مريبعي في تصريحه لـ “الشعب” أنّ المخطوطات الجزائرية تمثل إرثًا حضاريًا وتاريخيًا وثقافيًا ثمينًا يبرز هويّة الأمة وذاكرتها الجماعية.

أشار مريبعي، إلى أنّ السنوات الأخيرة شهدت اهتمامًا متزايدًا بهذا التراث من قبل الدولة ومختلف المؤسّسات الثقافية، حيث تولّت المكتبة الوطنية الجزائرية والمركز الوطني للمخطوطات في أدرار دورًا رائدًا في رعاية هذا الإرث. كما تلعب الزوايا، والخزائن الخاصّة، ومخابر البحث التابعة للجامعات الجزائرية، مثل جامعات أدرار، وهران، الجلفة، والمسيلة، دورًا محوريًا في الحفاظ على المخطوطات وفهرستها وتحقيقها وإخراجها إلى النور.
وأوضح الدكتور مريبعي أنّ الدولة، عبر مؤسّساتها، تولي اهتمامًا بالغًا بالمخطوطات. فقد أنشأت مركزًا وطنيًا للمخطوطات في أدرار، وجهّزته بالوسائل اللازمة، ممّا جعله مؤسّسة مركزية تابعة لوزارة الثقافة. كما تحتضن المكتبة الوطنية الجزائرية قسمًا مخصّصًا للمخطوطات في الحامة، حيث يعمل فريق مدرّب على فهرسة وترميم ورقمنة المخطوطات، وهي خطوة تعكس التزام الدولة بحفظ هذا الإرث الثمين.
وأضاف المتحدّث، أنّ مشروع رقمنة المخطوطات يمثل نقلة نوعية في عملية الحفظ، حيث يضمن وجود نسخ رقمية تحمي المخطوطات من التلف أو الضياع. وأكّد أنّ الرقمنة لا تحفظ الجانب العلمي فقط، بل أيضًا الجوانب الفنية والتاريخية للمخطوطات، التي تشمل الخطوط والتزيينات التي تضفي عليها قيمة جمالية كبيرة.

المخطوطات الخاصّة والزوايا

رغم الإنجازات المحقّقة، لفت الدكتور مريبعي إلى أنّ المخطوطات التي لا تزال بحوزة الخواص والزوايا بحاجة إلى عناية أكبر. وأكّد أنّ العديد من الخواص يحتفظون بمخطوطاتهم ويرفضون تسليمها أو بيعها للمكتبات الوطنية أو المركز الوطني للمخطوطات. ودعا إلى ضرورة إقناع هؤلاء برقمنة المخطوطات الموجودة لديهم، على الأقلّ لضمان عدم ضياعها في حال تعرّضها للتلف.
وأشار إلى أنّ العديد من الزوايا تحتفظ بمخطوطات في ظروف غير ملائمة، مثل الأماكن الرطبة أو الحارّة، ممّا يجعلها عرضة للتلف بسبب العوامل الطبيعية أو الحشرات، مثل العثة التي تتغذّى على الورق. ودعا إلى وضع خطط عاجلة لصيانة هذه المخطوطات وحمايتها من التدهور.
كما أكّد الدكتور مريبعي أنّ المخطوطات تواجه تحدّيات كبيرة تهدّد بقاءها، مشيرًا إلى محاولات تهريبها ونهبها من قبل أفراد يسعون لنقلها خارج البلاد. كما أشار إلى العوامل الطبيعية، مثل الحرارة المرتفعة التي تؤدّي إلى جفاف الورق، والأمطار الغزيرة والفيضانات التي تلحق الضرر بالخزائن الطينية، خاصّة في الجنوب الجزائري.
كما حذّر مريبعي من نقل المخطوطات من أماكن حفظها الأصلية للمشاركة في المعارض، مشيرًا إلى أنّ ذلك يعرّضها للتلف بسبب تغيّر الظروف البيئية. وأكّد أنّ استخدام النسخ الرقمية في المعارض بدلاً من النسخ الأصلية يمثل الحلّ الأمثل لحماية هذا التراث.
أشاد الدكتور مريبعي بدور وسائل الإعلام في التوعية بأهمية المخطوطات والتحذير من الأخطار التي تهدّدها. وأكّد أنّ القنوات التلفزيونية، مثل “قناة المعرفة” و«القناة التاريخية”، والصحف الوطنية، مثل جريدة “الشعب”، تلعب دورًا حيويًا في تسليط الضوء على هذا التراث. وأشار إلى أنّ العديد من البرامج التلفزيونية والندوات ساهمت في تعزيز الوعي العام بأهمية الحفاظ على المخطوطات وحمايتها.

الدراسات الأكاديمية وتحقيق المخطوطات

أوضح الدكتور مريبعي أنّ الجامعات الجزائرية ساهمت بشكل ملحوظ في مجال تحقيق المخطوطات. وذكر تجربته الشخصية في جامعة الجزائر، حيث أسّس فرعًا لتخصّص تحقيق المخطوطات بقسم اللغة العربية. وقد تخرّجت عدّة دفعات من الطلبة المتخصّصين الذين تمكّنوا من تحقيق حوالي 60 مخطوطًا جزائريًا، ما ساهم في نشر ثقافة العناية بالمخطوطات في مختلف الجامعات الجزائرية. ومع ذلك، أشار إلى تراجع هذا التخصّص بعد تطبيق نظام “الألمدي”، حيث أصبح الاهتمام بتحقيق المخطوطات جهدًا فرديًا يقوم به العلماء والهواة. ودعا إلى إعادة إحياء هذا التخصّص، مع التركيز على المخطوطات النادرة والنفيسة التي لا توجد لها نسخ أخرى.

دور هامّ للمجتمع المدني

أكّد الشريف مريبعي، على أهمية دور المجتمع المدني في حماية المخطوطات، مشيرًا إلى أنّ نشر ثقافة الوعي بأهمية المخطوطات كجزء من الذاكرة الجماعية يمكن أن يساهم في حمايتها من السرقة أو التلف. ودعا إلى تعاون المواطنين مع الجهات المختصّة للإبلاغ عن أيّ محاولات لتهريب المخطوطات أو إهمالها.
وأشار إلى أنّ المجتمع المدني يمكن أن يلعب دورًا إيجابيًا من خلال دعم مشاريع رقمنة المخطوطات وصيانتها، بدلًا من حصرها في الخزائن الخاصّة دون عناية كافية.
واختتم الدكتور مريبعي، بالإشارة إلى أنّ حماية المخطوطات مسؤولية جماعية تتطلّب تعاون الدولة، المؤسّسات الأكاديمية، والمجتمع المدني. وأكّد على أهمية التركيز على المخطوطات النادرة والفريدة لضمان بقاء هذا التراث للأجيال القادمة، مشدّدًا على أنّ الحفاظ على المخطوطات هو حفاظ على الهوية الوطنية والذاكرة الثقافية للأمة.