عمليـات شـراء لسلـع وخدمات بطريقـة آنيـة ومؤمّنـة
سرعـة..موثوقية وقابلية للتوسع وتشجيع الابتكار بدمج التكنولوجيا
قال المستشار في التحول الرقمي، فاتح بورصاص، إنّ الجزائر قطعت خلال السنوات الأخيرة الماضية “خطوات معتبرة” في هذا المسار، حيث شهدت تسريعا في مسار الرقمنة، وبأوامر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمّ تحديث العديد من القطاعات الرئيسية، بما في ذلك رقمنة الخدمات المالية والمصرفية، وتشجيع الابتكار من خلال دمج التكنولوجيا بقطاع المالية.
أفاد المختص في مجال الرّقمنة، أن هذا التحوّل تحقق بفضل الجهود التي بذلتها السلطات العمومية فيما يتعلق بالربط بشبكات الألياف البصرية والجيل الرابع والربط بالساتيليت، التي تمثل الجوهر الحقيقي لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة، حيث تُقدّم مزايا غير مسبوقة من حيث السرعة والموثوقية وقابلية التوسع، مبرزا أنّ “انتشارها يعد حافزا للتغيير والتقدم نحو عصر تصبح فيه الاتصالات عالية السرعة في متناول الجميع، ويصبح المجتمع أكثر شمولاً مع بنية تحتية أكثر مرونة”.
التحـوّل الرّقمـي..خطوات كبــيرة
وحول العملية الشاملة للتحول الرقمي التي تعدّ من أولويات برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي تحدّث عنها مؤخرا وزير المالية لعزيز فايد، أفاد المختص في الرقمنة، أنّ “عملية الشمول الرقمي قد حقّقت خطوات كبيرة في جميع القطاعات الحكومية، حيث لا نجد قطاعا واحدا لم تشمله العصرنة، وتمّ الاعتماد على عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مستوى الوزارات والمؤسسات العمومية الإدارية منها والاقتصادية، فوضعت السلطات المعنية إستراتيجيات رقمية، كإنشاء مواقع على الواب وعصرنتها بما يسمح بخلق التفاعل بينها وبين المواطنين، وتوفير المعلومات الكافية لنشاطاتها واحتياجاتها اليومية وفقا لمعايير المرونة، السرعة والأمان.
وفي هذا الإطار، أبرز بورصاص أنّه تمّ إنجاح عملية الولوج إلى الرقمنة في عدة قطاعات إدارية واقتصادية خاصة خلال السنوات الأخيرة كقطاع التربية، التعليم العالي والبحث العلمي، المالية، الداخلية، الدفاع الوطني والأمن السبيراني، مشيرا إلى أنّ “استحداث هيئات عليا تعنى بالرقمنة والابتكار في الجزائر ونشاطاتها الدؤوبة، عزّز من انتشار الوعي واستقطاب الكفاءات اللازمة لدى الجماهير والمؤسّسات، لما لها من دور كبير تلعبه في المحيط الاقتصادي والاجتماعي، وفي ظل توجيهات رئيس الجمهورية أصبح التحدي حقيقة لدى الكثير من القطاعات”.
أمّا في مجال رقمنة الخدمات المالية والبنكية وتشجيع الابتكار، فقد أكّد الخبير الرقمي، أنّ الجزائر قطعت أشواطا هامة من خلال تمكين التجار والمهنيين من الحصول مجانيا على نهائيات الدفع الإلكتروني بواسطة الوكالات البنكية ومكاتب البريد، فأصبح بإمكان المواطنين والزبائن القيام بإجراء عمليات شراء لسلع وخدمات بطريقة آنية، رقمية ومؤمّنة.
كذلك - يضيف محدّثنا - فقد تمّ تفعيل الدفع عبر الانترنيت من خلال ربط بعض المواقع الإلكترونية لشركات تجارية وخدماتية بالبنوك والتأمينات، لتمكين الزبائن من دفع فواتير الكهرباء والماء على سبيل المثال، إلى جانب الاتصالات كذلك والخدمات المختلفة، ممّا سهّل حياة المواطن والمؤسّسات من جهة، وقلّل من تكاليف الإدارة من جهة أخرى.
خدمــات مصرفيـــة بنقـرة واحـــدة
وبخصوص مجال الجباية والضرائب والجمارك والبنوك وشركات التأمين، أوضح المتحدّث أنّ “الخدمات حقّقت تحوّلا رقميا، حيث بات الحصول على مختلف الخدمات بنقرة واحدة عبر مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها الآمنة، ويتم تسديد الحقوق وأعبائها عبر منصات متطورة، وموصولة بمراكز بيانات عصرية موطّنة في الجزائر، ممّا يسمح بمعالجة المعلومات المالية والاقتصادية بسرعة وفعالية عالية، ممّا حقق الربح في الوقت والجهد والتكاليف المتنوعة سواء للمواطنين أو للإدارات التابعة لوزارة المالية.
وحول سؤال يتعلق بتطورات المجال المصرفي الرقمي، أفاد بورصاص أنّه خلال شهر جويلية المنصرم، تمّ الإعلان عن البنوك العمومية المعنية بإجراءات تجهيزها بنظام معلوماتي مندمج، تضاف إلى ثلاثة بنوك عمومية أخرى تمتلك نظاما معلوماتيا مطابقا للمعايير البنكية العالمية.
وأضاف “سيحقّق هذا التحول للنظام المعلوماتي على مستوى البنوك العمومية الستة قيمة مضافة كبيرة، سواء داخليا من خلال رقمنة عمليات البنك التجارية والإدارية، أو خارجيا من خلال تحسين نوعية الخدمات الموجهة للزبائن، وتقريب البنوك من المتعاملين ومرافقتهم، ممّا يمكّن المؤسّسات البنكية من خفض تكاليف استثماراتها، وكذلك يحسّن جودة أدائها لتتفرّغ للجوانب التسويقية والابتكار، وعقد شراكات مع المؤسّسات الناشئة في إطار إستراتيجية مواكبة المالية التكنولوجية، وإرساء قواعد الرقمنة الحقيقية في البلاد”.
كما أنّ استعمال المواقع الإلكترونية التفاعلية وتغذيتها بالمعلومات اللازمة للتعامل مع الزبائن من المواطنين والمؤسسات، يعدّ مؤشرا فعّالا للنمو الرقمي الذي عرفته المؤسّسات البنكية في السنوات الخمس الأخيرة، يقول بوصاص، الذي يؤكّد أن
«الحضور البارز للبنوك في وسائط التواصل الجماهيري، وتفاعلها المستمر والمنظم مع الأحداث والترويج للخدمات البنكية والإعلام، يعتبر أداة حقيقية للإقلاع الرقمي في مجال التسويق، الذي تغيّر كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة”.
محاربـة تزويـــر العملــة والفساد المالي
ومن شأن تكريس الدفع الإلكتروني والعملة النقدية الالكترونية للبنك المركزي، الذي تضمّنه القانون النقدي والمصرفي، والذي يسمح بإنشاء شركات متخصّصة لمزوّدي خدمات الدفع، بتطوير الدفع الرقمي جاء لمحاربة تزوير العملة والفساد المالي، إضافة لتبسيط المعاملات المالية ما بين الفاعلين في المجال التجاري والاقتصادي، وقد عملت الحكومة على توفير الأجهزة الرقمية المخصّصة للدفع الرقمي “TPE”، وتمكين التجار والمهنيين منها ومجانا”.
وأشار في السياق، إلى “أنّها خطوة ممتازة من الحكومة لكنها تحتاج للتحسيس والتوعية، وجب مواكبتها بتعديلات تشريعية تمكّن المواطن من التعامل رقميا، والقيام بعمليات التسديد للآداءات والخدمات والمنتوجات في فضاءات التجارة والخدمات”.
كما أنّ توفير منصّات الدفع عبر شبكات الانترنيت، هي الأخرى جعلت الأمر مبسّطا ومرنا وفي متناول الجميع، مواطنين ومؤسسات مختلفة، حيث أصبح الدفع بنقرة واحدة وفي ظروف أكثر أمنا سبيرانيا ومرونة وبأقلّ التكاليف، على حدّ تعبير محدّثنا.
وأوضح أنّ “هناك فرصة أكثر نجاعة أقرّتها الحكومة تتمثل في الدينار الرقمي في قانون القرض والنقض، حيث بعد طرح العملة للتداول وطنيا سيكون بإمكان المواطنين والمؤسسات الوطنية ملء محافظهم الرقمية بالأموال وتداول “المال الرقمي”، علما أنّ الدينار الرقمي له وجود قانوني مثله مثل الدينار المعدني أو الورقي العادي، وهو محمي ومسموح التعامل به عكس العملات المشفّرة، حيث وجب استصدار تشريعيات تتعلق باستعمالات الدينار الرقمي، ومختلف الإجراءات التقنية المرافقة لإطلاق الدينار الرقمي للتعامل.
تسريــع وتـيرة الشّمــول المالـي
وبخصوص دور الدفع الإلكتروني في تسريع وتيرة الشمول المالي، أفاد بورصاص أنّ “الدّفع الإلكتروني جاء لتبسيط المعاملات المالية، ولمحاربة تزوير العملة والفساد المالي، كما يساهم بشكل كبير في خلق فرص العمل وربط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ببعضها البعض في الجوانب المالية والتنظيمية بكل أمان ومرونة”.
كما أنّ الدفع الإلكتروني - يضيف - يعجّل بإطلاق مشاريع التجارة الإلكترونية وتطويرها، ويساهم في تحصيل الأموال للشركات والمؤسسات التجارية، وبالتالي له دور فعال في تحقيق مقاربة الشمول المالي الرقمي.
أما عن دور خدمة الدفع الالكتروني في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والوصول إلى خدمات مالية آمنة، أبرز ذات المتحدث أنّ “الوصول إلى توفير خدمات رقمية آمنة ومرنة يتطلّب مضاعفة جهود الأمان الرقمي، ومطابقة التشريعات الوطنية والعالمية المتعلقة بالحق في الاتصال الرقمي وحماية البيانات الشخصية”.
وأوضح “كما أنّ نجاح خدمات الدفع الرقمي وتنويعها في الجزائر، لها ميزات كثيرة على غرار توفير مناصب شغل مبتكرة وراقية، وحتى صديقة للبيئة دون تسجيل اختناق مروري، مع التخلي عن أطنان من الورق والمطبوعات، والابتعاد عن الضغوط النفسية والتعب جراء المعاملات التقليدية، وبالتالي ستكون هناك قيمة مضافة حتما لهذا التغيير في سلوك المستهلكين والتجار أو المستعملين الرقميين في آن واحد”.
قوانـين لاستخدام التكنولوجيـا الماليـة
وفيما يخص دور أنظمة الدفع وتوسيع استعمال أدوات الدفع الحديثة في التقليص من حجم الاقتصاد الموازي، ومحاربة تزوير العملة وتوسيع الشمول المالي، وكذا الوقاية من مخاطر تبييض الأموال والفساد ومحاربتها، أشار محدثنا إلى أن “الدفع الرقمي أو الإلكتروني يساهم في شكل فعال في إمكانية تتبع العمليات المالية من طرف الفاعلين في الشأن الرقابي والمحاسباتي، والتحكم في أشكال الفساد والحدّ من مخاطر تبييض الأموال والتقليص من حجم الاقتصاد الموازي، وكذلك محاربة تزوير العملة الوطني وتحقيق الشمول المالي الرقمي في الجزائر لأول مرة.
وفي هذا الشأن، تحدّث بورصاص عن ضرورة تعزيز ثقافة ربط التكنولوجيا المالية (FinTch) بالقطاع المالي غير البنكي كمسعى لتحقيق الشمول المالي، مستشهدا بتجارب لدول إفريقية وعربية ناجحة في المجال، حيث أنّ الأمر يستلزم استحداث قوانين وتشريعات تتعلق بتنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير البنكية لأول مرة في الجزائر لاستهداف تحقيق الشمول الرقمي المالي.