تعود عميدة الأغنية القناوية وصاحبة رائعة “الجزائر جوهرة” الفنانة البشارية حسنة البشارية إلى محبّي فنها من جديد، وذلك خلال الطبعة 15 للمهرجان الثقافي الوطني لموسيقى قناوة، ليس من أجل إحياء سهراته كما عوّدت جمهورها، بل من خلال تكريمها من قبل منظمي المهرجان بمدينة العين الصفراء لولاية النعامة.
حسنة حسنيات وهو الاسم الحقيقي للفنانة حسنة البشارية، من مواليد سنة 1950 ببشار، تنحدر من عائلة فنية عرفت بهذا النوع من الفنون، كان والدها معلما في فن الديوان أي رئيس فرقة، فبدأت تتعلم العزف على آلة القمبري خلسة عن والدها، الذي كان يرفض إصرارها على تعلم العزف على آلة القمبري، على اعتبار أن هذه الموسيقى خاصة بالرجل فقط، كما أن المنطقة محافظة لا يُسمح فيها للمرأة آنذاك بالظهور، فبدأت تغني في الأعراس المحلية من القنادسة، بيداندو (بشار الجديد) الدبدابة، واكدة، وأهم الأحياء العريقة بولاية بشار، ثم بلدياتها كالعبادلة، بني عباس، تاغيت وغيرها.
صوت وشجاعة حسنة البشارية التي عاشت طفولتها في ظروف اجتماعية صعبة، حياة العوز والحرمان بمنطقتها بالجنوب الغربي الجزائري، كانا بمثابة تأشيرة تحول في حياتها نحو عالم النجومية والشهرة، أسست سنة 1972 أول فرقة نسائية للدّيوان، الذي كان حكراً على الرجال فقط، فأصبح بذلك الغناء مصدر قوتها.
بدأ اسم الفنانة حسنة يسطع في موسيقى الديوان من خلال الأعراس، ولقّبت بالشيخة حسنة أو المعلمة حسنة،والمعلم أو المقدم يطلق على العازف على آلة القمبري، الآلة الأساسية في موسيقى القناوي أو الديوان، إلى جانب القرقابو، حيث يعد المعلم هو قائد الفرقة.
ومن الأعراس المحلية إلى المهرجانات الوطنية، خاصة وأنّ موسيقى الديوان بدأت هي الأخرى تنتشر في معظم ولايات الوطن، تألقت الشيخة حسنة والتي أصبحت تنظّم لها مهرجانات خاصة بها خاصة بالجنوب، والجنوب الغربي.
حسنة البشارية كانت المرأة الوحيدة التي تعزف على القمبري، إلى جانب العزف على آلات أخرى كالعود والغيتار الكهربائي والبانجو، وأصبحت فرقتها معروفة على المستوى الوطني، كما شاركت في العديد من المهرجانات الموسيقية في أوروبا وكندا ودول أخرى عديدة، فكانت سفيرة موسيقى الديوان إلى العالم، حيث أوصلت موسيقى الديوان أو القناوي إلى العالمية، وأصدرت العديد من الألبومات الفنية أهمها وأشهرها ألبوم “الجزائر جوهرة” سنة 2009 والذي اكتسح العالم.
تقدّم المعلمة حسنة في العمر، ومرضها الذي عانت منه في السنوات الأخيرة لم يمنعها من مواصلة فنها بصحبة آلة القمبري، التي كانت رفيقتها الدائمة في مختلف جولاتها الفنية، فقد شاركت في عدة مهرجانات وتظاهرات، على غرار الطبعة 13 و14 لمهرجان القناوي المنظم بمدينة عين الصفراء بولاية النعامة، إلى أن رحلت عن هذا العالم في 02 ماي 2024 عن عمر ناهز 74 سنة، وبذلك تنطفئ شمعة عميدة الأغنية القناوية، بعد مسيرة فنية حافلة، تاركة وراءها إرثا ثقافيا زاخرا في مجال الأغنية الصحراوية، خاصة نوع القناوي.
مع العلم، ستشارك زهاء 22 فرقة فنية في الطبعة 15 للمهرجان الثقافي الوطني لموسيقى قناوة التي تقام من 23 إلى 26 ديسمبر الجاري بعين الصفراء (ولاية النعامة)، وستكون 16 فرقة فنية مبرمجة للتنافس على المراتب الثلاثة الأولى، وكذا مشاركة 6 فرق أخرى لتقديم عروضها بملعب عرفاوي محمد بعين الصفراء، والترويج للموروث الثقافي لهذا اللون من التعبير الموسيقي الأصيل، في هذا المهرجان المنظم برعاية من وزارة الثقافة والفنون، وبإشراف من ولاية النعامة تحت شعار “موسيقى قناوة وتحديات العولمة الثقافية حفاظا على الهوية الوطنية”.