طالب سكان بلدية هنين الساحلية 60 كلم شمال ولاية تلمسان من السلطات العليا للبلاد التدخل العاجل لهذه المدينة التاريخية التي تأسست على يدّ البحارة الفنيقيين في القرن الـ12قبل الميلاد وحملت عدة أسماء آخرها أرتيسيقا بورتوس في عهد المملكة الأمازيغية ماصيصيليا وملكها صفاقس، هذه المدينة التي أنجبت مؤسس الدولة الموحدية وجاب حضورها كل الحقبات التاريخية، أصبحت اليوم في طي النسيان بفعل التأثيرات الطبيعية وقلة التنمية.
«الشعب” زارت هنين وتنقل معانتها مع الزمن.
تشير المعطيات التاريخية إلى أن مدينة هنين قد تأسست خلال القرن 12 قبل الميلاد على يد البحارة الفنيقين وحملت عدة أسماء عبر المراحل التاريخية التي تعاقبت على المدينة، حيث سميت في أول مرحلة بـ«جيسباريا” وهي كلمة فنيقيه تعني موقع الجبس ثم سميت بـ “أرتيسيقا بورتوس” وهي كلمة فنيقيه معناها الطريق المؤدي إلى سيقا عاصمة المملكة الأمازيغية ماصيصيليا وملكها صفاقس وآخرها هون أو هنين وهو اسم إسباني أطلقه الإسبان على المدينة نسبة لرأس نوح كما يسمى في بعض المصادر التاريخية التي ذكرت المدينة في أكثر من مناسبة، خاصة وأن المدينة كانت مسقط رأس
صمود عبر الزمن.
من العهد الفنيقي إلى الثورة التحريرية
السلطان الموحدي عبد المومن بن على الكومي سنة 1096، الذي حكم المغرب العربي والأندلس تحت لواء الدولة الموحدية، بعد مولده في أعالي جبل تاجرة 2 كلم عن هنين، هذه المدينة التي كانت تحوي قصرا للسلطان وحولها سورا بني على فترات تاريخية متقطعة من تاريخ المدينة أصبح اليوم مهدّد بالاندثار بعدما فقد الجزء الأكبر منه بفعل العوامل الطبيعية، كانت المدينة تضم حوالي 5000 نسمة قبل تحطيمها من قبل الإسبان سنة 1534م، ولم تعد المدينة إلى الحياة إلا سنة 1957 أين استعملها المستعمر الفرنسي محتشد لسكان الأرياف لمحاصرة المجاهدين في جبال تاجرة وسيدي سفيان وهو ما يؤكد أن المدينة لعبت دورا فعالا خلال الثورة التحريرية، حيث صنّفت المدينة ضمن المنطقة الثانية للولاية الخامسة بقيادة الشهيد العربي بن مهيدي وعرفت المنطقة عدة معارك طاحنة ومشورة بمناطق تاجرة وسيدي سفيان سقط خلالها أكثر من ألف شهيد والذي قدر أنذاك بربع سكان هنين ولهذا لا تخلوا أية أسرة من الشهداء والمجاهدين. يطالب السكان بإعادة كتابة تاريخ المدينة الذي إندثر بفعل التبعات الإدارية، حيث أن المدينة قبل أن تكون دائرة كانت تابعة لندرومة ثم بني صاف وأخيرا الرمشي، ما جعلها تفقد الكثير من ماهيتها.
منجم وتيليفيريك وميناء
منجم بني وارسوس وتليفريك الحديد إلى الميناء، يكشف خيانة فرنسا لحلفائها في الحرب العالمية الثانية:
إن الزائر لمدينة هنين ليقف مشدوها أمام مينائها الصغير الذي يعد من أقدم الموانئ بشمال إفريقيا، حيث كان محطة اتصال ما بين أفريقيا وأوروبا، كما أن طريق الملح التجارية كانت تنتهي به لكن الشيء الغرب، أن هذا الميناء لا يزال شاهدا لخيانة فرنسا لحلفائها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث وعلى يمين ميناء هنين لاتزال بقايا محطة التليفريك الذي كانت عرباته تنقل حديد منجم بني وارسوس الموجود قرب جبل سيدي سفيان إلى ألمانيا بحرا عبر ميناء هنين، حيث أكد شهود عيان ممن عملوا في المنجم والميناء أن فرنسا قد أبرمت صفقة تجارية مع ألمانيا التي كانت تتزعم دول المحور، ورغم أن فرنسا كانت ضمن الحلفاء لكنها لم تضيع الفرصة من أجل ممارسة التجارة لتكون ثرية حرب على حساب حلفائها، حيث قام الفرنسيون بتحطيم المشروع بمجرد نهاية الحرب العالمية الثانية خوفا من كشفها من قبل حلفائها لكنها لم تستطع محو الذاكرة، حيث لاتزال الشواهد من المنجم وكذا محطة التليفريك شاهدة، كما اعترف فرنسيون خلال زيارتهم إلى هنين السنة الماضية بالمشروع.
غياب الجيوب العقارية يرهن التوسع العقاري
لم تشهد المدينة أي توسع عمراني لحد الآن وحتى سكانها لم يتجاوز الـ5 آلاف نسمة وهو نفس عدد سكانها قبل تحطيمها من قبل الملك الإسباني خلال هجومه على مواقع الفنيقيين بشمال إفريقيا، وذلك لغياب الجيوب العقارية ونقص الأراضي الصالحة للبناء، حيث تحتّل الغابات الجزء الأكبر من الأراضي، فيما قضت المناطق السياحية على الباقي بما فيها الأراضي التابعة لخواص، وهنا لابد من الوقوف على العراقيل التي يتلقاها المواطنون الحاصلون على أراضي صالحة للبناء عندما يتقدمون لتسوية ملفاتهم، حيث أن ملفات قضت أكثر من 4 سنوات في الأدراج قبل إعادتها لأصحابها، بحكم أن مشكل العقار مشكلا قديما، حيث كل سكنات هنين الموروثة أبا عن جد هي بدون عقود، فما بالك الجديدة منها حيث ضاعف مشكل العقار من تطور المدينة وزاد من عزلتها ومشاكلها، حيث أن المتوسطة الوحيدة تعاني اكتظاظا كبيرا لكن غياب العقار حرم المدينة من متوسطة جديدة، كما تعرف المدينة بقلة الطرقات وعدم انفتاحها على العالم الخارجي، حيث تنتهي الحياة بالمدينة بعد الواحدة زوالا.
مناطق سياحية وتاريخية خلابة والمدينة معزولة
تحتوى مدينة هنين الساحلية على مناطق سياحية كبيرة جمعت ما بين الطبيعة الخلابة من سواحل جميله وغابات خضراء وجبال شاهقة شجعت عدة مسؤولين على شراء سكنات بها على غرار رئيس الحكومة الأسبق الدكتور أحمد بن بيتور، حيث تحتوي المنطقة على شواطئ الخلابة التي هي عنوانا لكرم الجغرافيا مع أهل المنطقة على غرار شواطئ المخلد، أقلة، تافسوت، مرسى أولاد صالح، كما تحتوى المدينة على غابات نفظية هامة على رأسها غابة منزل وكذا مناطق أثرية تاريخية لمختلف الحقبات، لكن عدم تواصل المدينة مع محيطها الخارجي جعلها في قوقعة بفعل انعدام الطرقات والمركز السياحية كالمطاعم والفنادق، كما أن إنشاء محطة تصفية المياه بشاطئ تافسوت وعدم التزام الشركة الإسبانية بالتزاماتها، حسب بنود العقد الذي يرغمها على تنظيفه من الحديد والنفايات والأحجار جعل الشاطئ منغلق في وجه السواح وحرم المدينة من حركة تجارية هامة للعام الخامس على التوالي.
المناطق الأثرية مهدّد بالزوال
والأسبوع الثقافي غاب مند 25 سنة
تعرف المناطق الأثرية بمدينة هنين نوعا من الإهمال، حيث أنهار برج نونة خلال الأشهر الماضية الإنهيار الثالث الذي يهدّده بالزوال في حين أن قصر السلطان الموحدي لا يزال يعيش تحت تأثير العوامل الطبيعية، هذا ورغم أهمية المنطقة التاريخية بحكم أنها كانت الواجهة البحرية لجميع الحضارات المتعاقبة، لكن وزارة الثقافة لم تعطها حقّها من الترميم وأسقطتها من برامج تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة رغم أن مينائها كان بوابة أفريقيا نحو أوروبا ونهاية طريق الملح المعروفة قديما، ورغم غياب مديرية الثقافة لولاية تلمسان التي ترجع أصول مديرها من المدينة، لكن السكان أقاموا متحفا خاصا بالمدينة، وهم يطالبون اليوم بإعادة الأسبوع الثقافي لمدينة هنين الذي تمّ تغييبه منذ 25 سنة.