أكتب لك من فلسطين، التي هي “خبز بيتنا الأول، وبيت خبزنا الأخير”، وفيها ولد السيد المسيح عليه السلام، شهيدنا الأول، الفلسطيني الذي عمّد الكون برسالة المحبة والسلام، والحواريون من بعده، لم تكن فلسطين جرحاً نازفاً بل ينابيع شفاء مقدّس، هنا على هذه الأرض ومنها نهضت المحبة والعافية ومضت تمشي حتى بتاج الشوك على طريق الجلجة في درووب الآلام، التي صارت فيما بعد دروب الأرض إلى السماوات العلى.
السيد الرئيس،
بعد رسالتك التي تناقلتها وسائل الإعلام بشأن إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، زارتني والدة أحد الأسرى الفلسطينيين الذي مضى على اعتقاله في سجون الاحتلال ثلاثون سنة ونيّف، وتحمل في عينيها دهراً من الفراق والألم والمعاناة وتعب السنين، وتحمل الشوق والحنين، وتدعو الله أن ترى ابنها محرّرا قبل وفاتها، وطلبت منّي أن أردّ على رسالتك، فقررت أن أستجمع ما استطعت من أمل وتفاؤل وسذاجة معاً، لأخاطبك من خلال وسائل الإعلام، الوسيلة الوحيدة المتوفرة لديّ للردّ، ولا يوجد طريقة مباشرة وآمنة الوصول غيرها.
السيد الرئيس،
ثمّة من ألحّوا عليك لكي تصدر هذه الرسالة، التي تتضمّن بعض الحقيقة، وليس كلّها، فبدوت كمن يشهر مسدساً لا رصاصة فيه، لأنّهم لم يخبروك بأنّهم دمّروا كلّ شيء، وحرقوا الناس والأطفال والنساء والإحساس، وحرقوا حتى قلوبنا، في هذه المقتلة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ولم يخبروك بأنّ جريمة الإبادة الجماعية في ساعاتها الأخيرة، وأنّ التطهير العرقي سينتهي قبل تولّيك مهام منصبك، ولا أبوح لك سرّاً إذا أخبرتك بأنّهم نفذوا كلّ جرائمهم الأكثر بشاعة في التاريخ بأسلحتكم.
وهنا أودّ التنويه بأنّ التفاؤل هو الخيار الذي تبقّى، وهو الوحيد الذي لم يجرّبه أحد، من أجل وقف هذه المقتلة الهمجية، وحرب الإبادة البشعة، ومن أجل تحرير الأسرى كافة، فلسطينيين وصهاينة، وبث الأمل في الحياة من جديد، إذا ما كانت هناك إرادة للسلام وصون الكرامة الإنسانية، وعليه فأنت مدعوّ الآن ودون إبطاء لإزالة العقبة الوحيدة لتحقيق ذلك، وذلك بالاستدارة قليلاً، والنظر مباشرة لعيني نتنياهو وإصدار التعليمات له وله فقط بوقف الحرب فورا، والجلوس إلى طاولة المفاوضات مرّة واحدة ودفعة واحدة.
السيد الرئيس،
أمريكا دولة عظمى تتحكّم بالكون، شئت أنا أو أبيت، وأنت وعدت شعبك بتعزيز عظمة أمريكا، فهل لي أن أنصحك بأن تتمعّن في رسالة النبي الفلسطيني سيدنا يسوع المسيح عليه السلام، الذي لا نختلف على عظمته وعمق رسالته، التي ملأت الدنيا بالمحبة والسلام دون نقطة دم واحدة على يديه الطاهرتين، فبوسعك إن أردت، ولديك من الوقت سنوات أربع كافية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، الذي سيعم على العالم كلّه، من بوّابة إنهاء الاحتلال، ووقف الصراع الفلسطيني الصهويني، استناداً إلى قواعد الشرعية الدولية، وقيم العدالة والحقّ والحرية والمساواة بين بني البشر، حينها ستستحقّ أكثر من نوبل للسلام.
السيد الرئيس،
كثيراً ما تأمّلت تمثال الحرية الشامخ في نيويورك، والمعاني العظيمة خلف مثاله، وأدعوك للتأمّل فيه مثلي لتتأكّد بأنّه لا حياة بدون حرية وكرامة، فهلاّ عملت من أجل نيل الأسرى الفلسطينيين والصهاينة حريتهم التامّة والناجزة دون تمييز. ولأنّني استجمعت كلّ تفاؤلي وأملي وسذاجتي في آن معاً، فإنّني على ثقة بأنّك ستفعل هذا تماما.