مع إطلالة أولى أشعّة فجر استعادة الاستقلال الوطني، و في غمرة النشوة الشعبية العارمة المخلّدة لهذا الحدث التاريخي بالأفراح التي عمّت كلّ الفجاج والبطاح.
ووسط ذلك الفرح الفريد من نوعه والذي يرمز إلى الحادي عشر من ديسمبر، المحيل إلى المظاهرات الشعبية الوطنية، التي مثلت أول استفتاء حقيقي شرعي، لاعتماد جبهة التحرير الوطني، كناطق رسمي وحيد باسم الشعب الجزائري المجاهد.
في ذلك الجوّ البهيج، بزغت أشعّة أخرى هي أشعّة ’’الشعب’’ الإعلامي النابض باسم الوطن، والملتزم بتطلّعات وآمال الجماهير الشعبية في تحقيق المجتمع الأفضل الوفي لعهد الشهداء والعاكس لمبادئ العلماء الأصلاء.
ذلك هو فجر جريدة ’’الشعب’’ أمّ الصحف اليومية العربية والرائدة في تقديم الإعلام الهادف، بكلّ أمانة ومصداقية.
ففي مثل هذا اليوم من 11 ديسمبر 1962 ظهرت إلى الوجود أولى الصحف اليومية العربية المستقلّة ممثلة في جريدة ’’الشعب’’ الغراء، حاملة لواء البشرى بعهد جديد هو عهد الوفاء، والصفاء، والإخاء، ويحمل عرش بنائها صفوة من ذوي الأقلام الرائدة النزهاء شعارهم التصدّي للتحدّي.
إنّ الّذين تحمّلوا يومها رسالة الشعب اليومية وهي ثقيلة، كان يحذوهم الأمل في أن يبثوا عبر أعمدة هذه اليومية أشعّة القناعة للعقول، والدفء للقلوب، والحقّ في الحياة ككلّ الشعوب.
فما من كاتب من كتّاب الشعب الذين تقلّدوا مسؤولية انطلاقها والحفاظ عليها، ما منهم إلا له مقام معلوم في البناء الوطني، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الإخوة الأساتذة : محمد الميلي، والأخوان علي و محمد مفتاحي، والسفير الهاشمي قدوري، والدبوماسي محمد بلعيد، والوزير أحمد علي غزالي، والأستاذ عثمان شبوب، والأستاذ محمد فارح وكاتب هذه السطور، وغيرهم..وليعذرني من نسيت اسمه.
لقد وضع هؤلاء بصمتهم الفكرية والإعلامية التي طبعت جريدة ’’الشعب’’ بالطابع الإعلامي الملتزم بقضايا الوطن والمنفتح على قضايا الأمة، ومعاناة الشعوب المقهورة، الثائرة على الاستعباد والاستبداد.
ومنذ ذلك اليوم، وجريدة “الشعب” تؤدّي بأمانة واقتدار، رسالة الإخبار، مواكبة التغيّرات والتقلّبات، فما وهنت وما ضعفت وما استكانت، بالرغم من تعاقب الكتّاب عليها، وبالرغم من تغيّر المسؤولين على إدارتها.
بل إنّه ليمكن القول، بأنّ جريدة ’’الشعب’’ قد نجحت في أن تتحوّل ـ اليوم ـ إلى سجل تاريخي للجزائر المستقلّة، فمن أراد أن يكتب تاريخ الجزائر، في شتّى المجالات عليه أن يعود إلى يومية ’’الشعب’’، ليستلهم منها أبرز الأحداث. كما أنّ معظم المثقّفين في الجزائر، قد مرّوا عبر أعمدة جريدة ’’الشعب’’..إنّها إذن المدرسة الإعلامية الرائدة، عن جدارة واستحقاق في تدريب المثقّفين والكتّاب والإعلاميين.
يحقّ للقائمين على جريدة الشعب - اليوم - أن يرفعوا الرؤوس اعتزازا وافتخارا، لمحافظتهم على هذا الإرث الثقافي الذي ورثوه، والمعلم الإعلامي الذي استلموه.
ومطلوب من الجميع، أن يفتحوا آفاقه، أمام الباحثين، والمؤرخين والمثقّفين والسياسيين بوجه عام لإعداد الأطروحات العلمية، وليقدّموا هذا التراث الخالد للعالم وبلغات كثيرة حتى يسجّلوا، مآثر الأيادي الإعلامية والثقافية التي ساهمت في بناء الجزائر المستقلّة، بكلّ جوانبها، وتقلّباتها.
كما يجب على الجامعيين من مختلف المستويات أن يوجّهوا طلاّبهم وباحثيهم إلى هذا الكنز المعرفي، كي ينهلوا من معينه، ويستخرجوا - للناس- مخزونه.