طباعة هذه الصفحة

إلغــــاء اتّفاقيــــات دفاعيــــة وغلـــق قواعــــد عسكريــــة

الوجـــــود الفرنســــي يواصـــــل الانحســـــــار فـــــي غـــــرب إفريقيـــــا

 

 ضربة تلو أخرى تلقّتها فرنسا في القارة الأفريقية، خلال الأشهر الأخيرة. أحدث تلك الضربات كان قرار تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري والدفاع مع باريس يوم الجمعة الماضي، وهو ما برّره رئيس التشاد محمد ديبي بقوله إنّ “الاتفاق عفا عليه الزمن”.
ديبي قال في كلمة ألقاها قبل يومين “ إن الاتفاق لم يعد يتماشى مع احتياجات تشاد الأمنية أو الجيوسياسية”. وتتصدّى تشاد لجماعات إرهابية منذ أكثر من عقد، ولم ينجح الدعم المقدم من القوات الفرنسية والأمريكية في تحقيق الاستقرار.
وأضاف ديبي أنّه “يأتي هذا الانسحاب (من الاتفاق) في إطار إرادتنا لبناء جيش تشادي أكثر استقلالية وأكثر التزاما، وأكثر مسؤولية في الدفاع عن الوطن”.
وقد يجبر قرار ديبي كل القوات الفرنسية على الرحيل بعد أن ظلت متمركزة هناك لأكثر من 6 عقود منذ استقلال تشاد. وأمرت تشاد هذا العام أيضا بخروج القوات الأمريكية المحدودة المتمركزة هناك.
وقال ديبي إن الاتفاق لم تكن له قيمة عسكرية كبيرة للبلاد وسط تحديات مختلفة، منها الهجمات الإرهابية. وأضاف “هذا الاتفاق تم توقيعه في حقبة مختلفة، مع أطراف مختلفة من الجانبين، وفي سياق مختلف تماما، وبمرور الوقت، عفا الزمن عليه”. وتنشر فرنسا حاليا نحو ألف عسكري وطائرات حربية في تشاد.
وغيّرت انقلابات متلاحقة في بوركينا فاسو والنيجر ومالي خريطة النفوذ الفرنسي في غرب القارة الأفريقية، وسط مزاج شعبي مستنفر ضد باريس التي فشلت في إظهار دورها في مكافحة الإرهاب بالمنطقة.
وأجبرت فرنسا على سحب قواتها من الترويكا الجديدة التي أعادت بناء علاقتها من روسيا أملا في دعم موسكو للحرب على التمدد الإرهابي في غرب أفريقيا.
للتذكير، لم تكن تشاد أول دولة أفريقية ترفع البطاقة الحمراء بوجه فرنسا، فهناك قائمة دول دشنت منعطفا يرسم حقبة جديدة بالعلاقات الفرنسية الأفريقية.
فبالموازاة مع نجامينا، أعلنت السنغال إنهاء تعاونهما العسكري مع فرنسا من خلال أمر باريس بإغلاق قواعدها العسكرية على أرضيها، وكانت 4 مستعمرات سابقة قد طلبت خروج الجيش الفرنسي بعد وجود مديد في مقدمتها النيجر.
فبعد تجاذب استمر شهرين مع النظام العسكري الحاكم في النيجر، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سبتمبر 2023 أن 1500 عسكري فرنسي سينسحبون من البلاد بحلول أواخر العام.
وجاء ذلك بعدما أطاح انقلاب عسكري في 26 جويلية من العام نفسه بالرئيس محمد بازوم، أحد آخر حلفاء فرنسا في منطقة الساحل.
وغادر آخر العساكر الفرنسيين النيجر في ديسمبر 2023 وسط ترحيب كبير لآلاف النيجيريين. أما مالي، فبعد أكثر من تسعة أعوام على الترحيب بـ “المخلّصين” في مواجهة التنظيمات الإرهابية، أنجز العسكريون الفرنسيون البالغ عددهم نحو 2400، انسحابهم في 15 أوت 2022.
وأصدر ماكرون الأمر بانسحابهم في 17 فيفري من العام نفسه، في خطوة كان يصعب تفاديها في ظل تدهور العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم والعدائية المتنامية لدى الرأي العام المالي تجاه المستعمر القديم.
وبعد عملية “سرفال” التي أطلقت في جانفي 2013 ضد التنظيمات الإرهابية في شمال البلاد وكانت تهدد بالانتقال جنوبا، أطلقت فرنسا في أوت2014 عملية “برخان” التي تستهدف الإرهابيين في دول مختلفة من منطقة الساحل. وأعلنت فرنسا رسميا في نوفمبر 2022 نهاية عملية “برخان”.
بعد الانسحاب من مالي، غادر آخر 47 عسكريا فرنسيا جمهورية أفريقيا الوسطى على متن طائرة أقلعت من مطار بانغي في 15 ديسمبر 2022.
أما زملاؤهم الآخرون (كان إجمالي عدد العساكر يبلغ 130) فغادروا بالأسابيع السابقة. ونشرت القوة الاستعمارية السابقة أكثر من ألف عسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2013 بضوء أخضر من الأمم المتحدة، سعيا لمكافحة عنف طائفي، في عملية استمرت حتى العام 2016.
وشهدت هذه الجمهورية سلسلة حروب أهلية وانقلابات وأنظمة استبدادية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.
في جانفي 2023، طلبت بوركينا فاسو مغادرة القوات الفرنسية المنتشرة على أراضيها خلال شهر، متخلية عن اتفاق يعود لديسمبر 2018 بشأن “وضع القوات المسلحة الفرنسية المتدخلة” في البلاد. وانسحبت القوات الفرنسية الخاصة، وقوامها نحو 400 عسكري، في فيفري 2023. في الأثناء، يسجّل تراجع في عدد العساكر الفرنسيين في كوت ديفوار والسنغال والغابون.