تسعى الجزائر وفق استثمارات ضخمة واستشراف مستمر على تعزيز الاستكشاف والرفع من سقف إنتاجها الطاقوي، لا سيما في ضخ الغاز باعتباره طاقة نظيفة ومستدامة، واحتياطات الجزائر على ضوء المشاريع المنجزة خلال السنوات الأخيرة، جعلت منها أحد المواقع المهمة لتدفق الطاقة في العالم، لأنّ أضخم حقل بحاسي الرمل يحتل المرتبة الخامسة عالميا من حيث حجم الاحتياطي، على خلفية أنه يتوفر على احتياطي يفوق 2.4 تريليون متر مكعب، بما يناهز 85 تريليون قدم مكعبة، وبعد عقود من الدينامكية ما زال يمثل محورا عالميا مستقطبا لأضخم شركات الطاقة المهتمة بالاستثمار من أجل الاستمرار في تعبئة الموارد الطاقوية.
يعوّل كثيرا على الرؤية الدقيقة القائمة من أجل تقوية تدفق الإنتاج بأكبر حقل غاز في إفريقيا والمنطقة العربية، وبالموازاة مع ذلك الحفاظ على معدلات إنتاج مرتفعة بشكل مستمر، كما أن حقل حاسي الرمل العملاق يصنّف كواحد من أكبر الحقول العالمية.
والعديد من الشركات الدولية لا ينقطع اهتمامها بالتواجد في الجزائر وعلى رأسها الشركات الإيطالية والأمريكية، ولعل آخر مشروع انطلقت أشغاله بحر الأسبوع الجاري، يهدف إلى إنجاز مشروع استراتيجي واعد ومهم بثلاث محطات لإنتاج الغاز على مستوى حقل حاسي الرمل، الذي يعد مكمنا تاريخيا معطاء وغنيا باحتياطي كبير.
ويتوقّع أن يشكل قفزة نوعية في حجم إنتاج الغاز الجزائري، لأنه خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ويتعلق بكل من 2021 و2022 وكذا 2023، ارتفع حجم تدفقات الغاز الجزائري حسب ما كشفت عنه مؤسسات عالمية مختصة في الطاقة.
وتعكس الأرقام المسجلة أهمية الحقل العملاق التاريخي حاسي الرمل لأنّ طاقته الإنتاجية السنوية لا تقل عن 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويستوعب هذا الحقل الشهير بموارده الطبيعية التي لا تنضب، ثلاث محطات ضغط، علما أن كل ذلك يسمح بالإبقاء على منصة إنتاج تقدر 190 مليون متر مكعب قياسي يوميا، فيما قدرت تكلفة الاستثمار إجمالية قاربت 1.2 مليار دولار، أما الغلاف المالي لمشروع “البوستينغ” بثلاث محطات “وسط وشمال وجنوب” فرصد له أكثر من 2.3 مليار دولار.
ومن مقوّمات نجاح سوناطراك كأكبر شركة إقليمية وعالمية، تجسيد خطط طموحة في الاستثمار لتعميق الاستكشاف، وتوسيع رقعة الاستغلال وتقوية الإنتاج سواء عن طريق الاستثمار الداخلي أو الخارجي، بالإضافة إلى كفاءة موردها البشري وحرصها على التكوين المستمر، وانفتاحها على التكنولوجيا المتطورة والشراكات الرابحة، علما أن حقل حاسي الرمل وحده يوظف نحو 4000 عامل، وهذا ما جعل سلاسل الامدادات مضبوطة ومستمرة من دون انقطاع، مما رسّخ سمعة وموثوقية الجزائر في تموين زبائنها بالطاقة.
ولن تتوقّف الجزائر ممثلة في مجمعها الضخم سوناطراك عن مواصلة مسار الاستثمارات في بلد كبير وغني بالموارد الباطنية من أجل تعزيز ريادتها في تموين الأسواق الخارجية بالغاز والمحروقات، ولعل من أبرز المشاريع المنطلقة بداية الأسبوع الجاري والمتمثلة في الشروع في إنجاز المرحلة الثانية من “محطة بوستينغ 3”، ودخولها حيز السيران في عام 2026، ينتظر أن تمنح دفعا قويا للاستكشاف والإنتاج وكذا التسويق.
يذكر أنّ شركة سوناطراك أبرمت شهر ماي الماضي العقد الذي سيكون نقلة رفيعة ومتطورة في إنتاج الغاز، بما يسمح بدعم الإمدادات نحو الأسواق المحلية والخارجية، مع شركة “بيكر هيوز” الأمريكية المكلفة بتطوير تقنيات الطاقة وخدمات حقول النفط، حيث ستجسد الشركة الأمريكية التزاماتها عن طريق التعاون مع شركة “تكنيمونت ماير” الإيطالية بهدف تطوير أكبر حقول الغاز في إفريقيا. وعلى ضوء ما ينص عليه العقد ستشرف الشركتين الأمريكية والإيطالية على تجسيد منشآت تضمن استمرار تدفق مستويات إنتاج الحقل، في حدود 188 مليون متر مكعب يوميا.
وكما ينص العقد الذي دخل حيز التنفيذ بانطلاق المشروع، على قيام “بيكر هيوز” بتزويد حقل حاسي الرمل بنحو 20 خط ضغط معتمدة على الهيكل الخامس لتوربينات الغاز، وكذا ضاغط بتقنية “بي سي إل”.
ومن المقرر تثبيت هذه الخطوط على 3 محطات تعزز تدفقات الغاز داخل الحقل، ولا يخفى أن هذه المحطات تشكّل جزءا من إستراتيجية الجزائر الرامية إلى ترسيخ أقدامها في سوق الطاقة العالمية، وتأكيد دور الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة.
ويشمل عقد أكبر حقل غاز في الجزائر توزيع خطوط ضغط على نطاق المحطات المركزية والشمالية والجنوبية بإجمالي 20 خط ضغط، بالإضافة إلى إعادة تأهيل شبكة تجميع الغاز الحالية، وكذا توفير 3 وحدات تكلف باستخلاص الزئبق من المكثفات، والتنسيق بين خطوط معالجة وحدات الإنتاج على مستوى الحقل، إلى جانب مهمة الربط بين شبكة المياه، وأنظمة الديزل وما إلى غير ذلك.
وفي قراءة للخطوات المتسارعة لمجمّع سوناطراك، يرجح أن تنجح الجزائر في تحقيق قفزة جديدة في إنتاج الغاز، في ظل مواكبة التطور التكنولوجي وتنويع الشراكات والتحديث الجاري على مستوى حقل حاسي الرمل العملاق، كونه يعد أحد المشاريع الكبرى التي سترفع من حجم إمداد الجزائر بطاقة الغاز النظيفة، وكذلك من شأنه تعزيز ريادتها وتأكيد موقعها الهام عالميا.