طباعة هذه الصفحة

أكــــاديــــمـــــيـــــــــــــون يـــنـــاقـــشـــــــــــــون تــوجــّهــات الــروايــــــة الجــزائــريـــــــــــــة

الفـــنّ القـــادر علـى الاستثمار في جميع الفنــــون الإبداعيــــة

أمينة جابالله

 

ناقش أكاديميون في ندوة “توجّهات الرواية الجزائرية” المنعقدة في إطار البرنامج الثقافي لصالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته 27، إشكالية تأريخ الرواية الجزائرية التي لها مسيرة قرن من الزمان، إلى جانب تصنيف كتّابها واتجاهاتهم المختلفة والمتعدّدة..


ذكر السعيد بن زرقة أستاذ المسرح والفنون بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة في مداخلة موسومة بـ«تجارب في القراءة، انطباعات عن الرواية المرشّحة للجوائز”، ذكر بأنّ الرواية مشروع حيوي سريع الإيقاع غير قابل للتصنيف، تتغيّر ميكانيزماتها بشكل لافت وتتنوّع بنيتها وأشكالها وفق السياقات الاجتماعية والتاريخية، لا قانون يضبط حدودها بشكل نهائي، مشيرا إلى أنّ الرواية تستمدّ قوّتها وثراءها من حيويّتها المطلقة، وتنجح في استمرار تألّقها بسبب قدرتها على امتصاص واستثمار جميع الفنون الإبداعية.
الفنّ الروائي في المشهد العالمي
نظرا لأهمية الرواية في المشهد الثقافي العالمي والعربي والوطني ولمقروئيتها الواسعة، أفاد بن زرقة أنّها خصّصت لها عدّة جوائز تكريما لسلطتها بين الأجناس الأدبية، منها “الجائزة العالمية للرواية العربية” وجائزة “كتارا”، وجائزة “نجيب محفوظ” بمصر وجائزة “الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي” بالسودان، وفي الجزائر ـ يقول ـ تألّقت الجوائز في صورة جائزة رئيس الجمهورية للشباب علي المعاشي والجائزة الكبرى آسيا جبار للرواية.
ويضيف المتحدّث أنّه نظرا للمكانة التي يحتلّها كتّاب الرواية الجزائريين في العالم، تبنّت دور نشر غربية وعربية أعمالهم الأدبية، على غرار دار الشروق المصرية التي أصدرت “باب الوادي” و«الحب عربة مهترئة” للكاتب أحمد الطيباوي، وصدرت “أناشيد الملح” للعربي رمضاني عن دار المتوسط بإيطاليا، كما أكّد أنّ دار العين المصرية فتحت أبوابها للكثير من الروائيين الجزائريين، من بينهم محمد ساري لتصدر له “جسدي المستباح” و«نيران وادي عيزر”، وأمين الزاوي “الأصنام” و«منام القيلولة” وغيرهم كثير..
تصنيف الرواية من خلال كتابها
 من جانبها، تحدّثت الدكتورة آمنة بلعلى من جامعة تيزي وزو، عن تصنيف الرواية الجزائرية من خلال كتابها، وترى بأنّ سؤال الاتجاه أو التوجّه الذي يطرح نفسه بإلحاح إشكالية عويصة جدّا.
وأشارت المتحدّثة إلى أنّ الرواية الجزائرية قطعت من عمرها قرنا من الزمان، باعتبار أنّ أول رواية جزائرية كانت باللّغة الفرنسية وكُتبت في العشرينيات من القرن الماضي، وأوضحت قائلة: “للأسف، عدم التأريخ للرواية الجزائرية يعتبر في حدّ ذاته من أهم الإشكالات المرتبطة بتحديد الاتجاهات والتوجّهات، بمعنى لا نمتلك تاريخا ولا أنطولوجيا ولا تنظير للرواية الجزائرية”، وأضافت “على الرغم من هذا المسار الطويل الذي قطعته الرواية في اختلافها وفي تنوّعها اللّغوي وفي تعدّدها وفي كتَّابها المختلفين، منذ الحقبة الزمنية ما قبل الثورة وأثناء الثورة وبعد الاستقلال وفي العشرية السوداء وفي الألفية الثالثة..علينا أن نحدّد اتجاهات الرواية الجزائرية، وأن نصنّف الروائيين، وما هي التصنيفات التي تليق بهذا المحفل الكبير للرواية الجزائرية التي أصبحت اليوم تفرض نفسها، ليس فقط بالكمّ الذي ينتج من الروايات”.
وأضافت قائلة: “هناك كمّ كبير من الرواية الجزائرية التي تقارب 1700 رواية سجّلناها في مخبرنا، ومع ذلك فإنّ عدم وجود نقد مواز للرواية وعدم وجود اهتمام حقيقي بالرواية الجزائرية، حال دون تصنيفها”، لتتابع “هناك رسائل جامعية وأطروحات دكتوراه كثيرة جدّا تهتم بالرواية الجزائرية، إلا أنّ كلّ ما يكتب حولها لا علاقة له بها إلا من حيث الموضوع فقط، فهو إمّا يتناول الروائي أو تتطرّق للرواية كنصّ مستقلّ، وبالتالي فكلّ الدراسات تقريبا هي دراسات جزئية، لا يمكن من خلالها أن نعرف التوجّه الذي سارت عليه الرواية الجزائرية”، لتؤكّد بلعلى أنّهم واجهوا إشكالية كبيرة في التصنيفات التي ارتبطت بالرواية الجزائرية، وما هي في الحقيقة إلا تصنيفات انطباعية ارتبطت بالزمن”.
إنتماء وأصالة..
وبدورها تناولت الدكتورة لينة ليلى عبد العزيز من جامعة باتنة في ورقتها، الرواية الجزائرية المكتوبة باللّغة الفرنسية واعتمادها من قبل الأدباء كوسيلة للتعبير عن الأوضاع المتردّية للمجتمع الجزائري، خلال فترة الاحتلال، حين لم يكن في حوزتهم أداة غيرها، قائلة بأنّ مولود فرعون أحد النماذج البارزة في هذا المجال التي آمنت بالثورة ورفضت واقع الجزائر السياسي والثقافي والاجتماعي، إلى جانب كتّاب اتخذوا من كتاباتهم باللّغة الفرنسية للتعبير عن هويتهم الجزائرية، مثل ياسمينة خضراء، مايسة باي وغيرهم ممّن غمسوا أقلامهم في دماء قلوبهم لإعطاء صورة حيّة صادقة عن انتمائهم وأصالتهم.
الرواية.. باللّغة الأمازيغية
 قدّم الدكتور قاسي سعدي من جامعة تيزي وزو مداخلة تحت عنوان “الرواية الأمازيغية من الإرهاصات إلى المسابقات” تطرّق فيها إلى وضع الرواية الأمازيغية في سياقها التاريخي والانثروبولوجي والسوسيو لساني والنقدي، كما قدّم أسماء لروائيين باللّغة الأمازيغية..وقال إنّ الأدب الأمازيغي يعود أساسا إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث كان يمارس آنذاك شفويا وبامتياز في المنظّمات القبلية العشائرية السائدة في المناطق الجزائرية، من بينها “أدب الزوايا”، حيث كانت تتطرّق إلى الجانب الديني والتعريف بقصص الأنبياء و«ثجموعا” التي كانت تهتمّ بالحكمة والألغاز والحكايات والأشعار والقصص، وما يعرف أيضا بـ«إزلان” وهي أغاني عاطفية تؤدّى على لسان النسوة.
كما تناول المتحدّث مشكلة الترجمة من وإلى الأمازيغية، وإشكالية مختلف الأجناس الأدبية في ذات اللّغة، إلى جانب النشر والتوزيع الذي عرفت ـ حسبه ـ في الفترة القليلة المنصرمة نضالا ومجهودات فردية من طرف كتّاب وأدباء يكتبون باللّغة الأمازيغية.
الرواية الجزائرية والمجتمع
من جانبه، أشار الدكتور عبد القادر ضيف الله من المركز الجامعي بالنعامة إلى أهم المواضيع التي اهتمت بها الرواية الجزائرية، لاسيما علاقتها بالمجتمع، وسلّط الضوء على أقلام مبدعة كانت بمثابة إضافة نوعية لمسار الرواية الجزائرية التي ظهرت ـ حسبه ـ متأخّرة مقارنة بالرواية في العالم العربي، نتيجة لظروف سياسيّة وفكريّة واجتماعيّة وثقافيّة عرفتها الجزائر وشهدها العالم بأسره، كما أشار إلى أنّ الرواية الجزائرية تميّزت منذ نشأتها في النصف الأوّل من القرن العشرين بتوجّه جمالي ولغوي جعلها مفتوحة على مختلف أسئلة الإنسان الجزائري وهواجسه في صراعه مع الاستعمار الفرنسي، ثمّ صراعه من أجل تحقيق الذّات بعد الاستقلال.