طباعة هذه الصفحة

معانـــــاة فـــي ظـــلّ إهـمـــــال الاحتـــــلال لحقــــوق أساسيــــــة

الأسيرات.. تفاصيل آلام قاسية خلـــــــف القضبـــــــــان

بقلم : ميس حجاوي - رام الله-

 

من خلف قضبان باردة صامتة، تخوض الأسيرات معركة خفية، فصوتهنّ لا يتعدّى حدود جدران الزنزانة، ومع الظلام المحيط يكمن ألم مُقيّد بأغلال السجن، ومعاناة تتجاوز حدود المكان، بل تمتدّ إلى أعماق احتياجاتهنّ الإنسانية الخاصّة، فبينما تحتاج المرأة في البيئة الطبيعية إلى رعاية خاصّة خلال فترة الحيض الشهرية، تجد الأسيرات أنفسهنّ أمام واقع مرير.



تنعدم مستلزمات النظافة، ويغيب الدعم الطبي، ويحلّ الصمت مكان أيّ تعاطف إنساني. تلقي الأسيرة المحرّرة رغد الفني الضوء على الظروف الصحّية القاسية التي تواجهها الأسيرات داخل سجون الاحتلال، مشيرة إلى أنّ المعاناة تشتدّ خلال فترة الدورة الشهرية. وتقول “بعد قرار منع الأسيرات من شراء مستلزمات النظافة من الكنتين، أصبح الحصول على الضروريات البسيطة تحدّيًا يوميًا”، واصفة هذا الإجراء بأنّه عبء مادي يزيد من معاناة الأسيرات، خاصّةً في ظلّ الاكتظاظ داخل الزنازين التي تضمّ أحيانًا أكثر من(12) أسيرة مع حمام واحد ومواد تنظيف قليلة.
توضّح رغد أنّ الفوط الصحّية المقدّمة داخل السجون ذات جودة متدنّية، وقد تسبّب مشاكل صحّية بدلًا من تخفيف المعاناة، ناهيك عن صعوبة الحصول عليها بسبب التعقيدات الإدارية. وتبيّن أنّ الآثار النفسية لهذه الظروف تتفاقم خلال الدورة الشهرية، حيث تتأثر الأسيرات بشدّة من ضيق المساحة والاكتظاظ المستمرّ.
وعند طلب المسكّنات أو الأدوية، يتمّ رفضها غالبًا إلا بوصفة طبية، بينما يُتهمن بالمبالغة عند شكواهنّ من أيّ أعراض، حتى تلك المتعلّقة بالدورة الشهرية. وتشرح الأسيرة المحرّرة فيروز سلامة حول معاناة الأسيرات خلال الدورة الشهرية، مؤكّدةً أنّ الظروف كانت قاسية للغاية، حيث لا توجد إجراءات متابعة كافية تُراعي احتياجاتهنّ، لافتة إلى أنّ الأسيرات يفتقرن إلى الأدوات الصحّية اللازمة، ما يؤدّي إلى مضاعفات صحّية ونفسية.
تشير سلامة إلى أنّ أوضاع الأسيرات بعد أحداث السابع من أكتوبر، تدهورت بشكل ملحوظ، إذ أصبحت ظروف النظافة الشخصية مأساوية، مع عدم توفر مياه نظيفة للشرب أو الاستخدام، مبيّنة أنّ الحرمان من الاحتياجات الأساسية يزيد من معاناتهنّ، حيث تُصفّر احتياجات الأسيرات وتُهمل.
وتضيف أنّ عدم توفّر النظافة الشخصية لدى النساء يعرضهنّ لمخاطر صحّية كبيرة، تتراوح بين التهابات حادّة ومزمنة، والتي قد تتطوّر إلى مضاعفات خطيرة.
وتشير إلى أنّ هذه الالتهابات يمكن أن تؤدّي إلى تسمّم الدم، بالإضافة إلى التصاقات قد تؤثر على القدرة على الإنجاب مستقبلاً، لافتة إلى معاناة الأسيرات من ظروف قاسية تتجاوز مسألة الدورة الشهرية، حيث تتفاقم أوضاعهنّ الصحّية والنفسية بسبب القمع والعنف الممارس ضدّهنّ، وغياب الرعاية الصحّية اللازمة.
وفيما يتعلّق بتأثير الحالة النفسية، توضح د. ديما أمين أنّ الهرمونات تتأثر بمستويات الضغط النفسي بسبب ارتفاع مستوى الكورتيزون، ما قد يؤدّي إلى اضطراب في انتظام الدورة الشهرية، وتؤكّد الدكتورة ديما أنّ غياب التغذية السليمة يزيد من حدّة مشكلة فقر الدم الناتج عن اضطراب الدورة الشهرية، ممّا يؤدّي إلى تعقيدات صحّية إضافية تؤثر على حياة المرأة.
يصرّح ناجي عباس، المستشار القانوني ومدير قسم الأسرى في مؤسّسة أطباء لحقوق الإنسان، بأنّ الأسيرات في سجون الاحتلال يتعرضن منذ 7 أكتوبر 2023 لتضييقات شديدة تمسّ حقوقهنّ الأساسية، حيث شهدت ظروف الاعتقال تغييرات كبيرة أثرت سلبًا على صحتهنّ بشكل خطير.
يوضّح عباس أنّ الأسيرات يتلقين طعامًا من مصلحة السجون يفتقر إلى الجودة والكمية، ما أدّى إلى نقص حادّ في الوزن ومشاكل هضمية بينهنّ. ويضيف أنّ الأسيرات اللاتي يحتجن لرعاية صحّية خاصّة لا يُوفَّر لهنّ النظام الغذائي اللازم، ما يفاقم من تدهور حالتهنّ الصحّية. ويشير عباس أيضًا إلى التقييد الصارم على مواد النظافة الشخصية وحرمانهنّ من الملابس الملائمة لفصل الشتاء بسبب منع زيارات العائلات، يجبرهنّ على ارتداء الملابس نفسها لأشهر متتالية دون إمكانية تعقيمها.
من الناحية الطبية، تواجه الأسيرات صعوبات في الوصول إلى الرعاية، حيث تتأخّر أو تُرفض طلباتهنّ للقاء طبيب، ولا تُوفَّر لهنّ متابعة منتظمة أو علاج مستمرّ، ويؤكّد عباس أنّ هذه الظروف تزيد من الضغط النفسي على الأسيرات، خاصّة مع مواجهتهنّ لمشاكل صحّية نسائية تتعلّق بالدورة الشهرية، ما يجعل أوضاعهنّ أصعب ويمثل انتهاكًا صارخًا لحقوقهنّ الإنسانية.
وحسب بيانات صادرة عن نادي الأسير في مطلع أكتوبر الماضي، فإنّ قوّات الاحتلال تعتقل في سجونها(93) امرأة فلسطينية في معتقلي “الدامون” و«هشارون”.
معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال تظلّ شاهدةً على حجم الانتهاكات التي تواجهها حقوقهنّ الإنسانية الأساسية، حيث تتزايد التحدّيات الصحّية والنفسية في ظلّ ظروف اعتقال قاسية تفتقر لأبسط مقوّمات العيش الكريم، ما يؤكّد الحاجة الملحّة لتدخل دولي لوقف الانتهاكات المتواصلة بحقهنّ وضمان حقوقهنّ في الرعاية الصحّية.
(هذه المادة تدريبية ضمن مساق “الكتابة الإعلامية” لطلبة كلية الإعلام في جامعة “القدس المفتوحة”)