طباعة هذه الصفحة

منسّق اللّجنة الوطنية للتاريخ الدكتور لحسن زغيدي لـ«الشعب»:

الرئيس تبون وضع خارطة طريق صون الذاكرة والتزم بمبادئ الثورة

حوار: خالدة بن تركي

 بيــان أوّل نـوفـمــبر أسّس لانـــدلاع الملحمـــة التاريخيـة

 ملـف الذاكـرة.. تاريـخ مغــروس فـــي عُمــق الشعــب الجـزائـري

 لجنــة التــاريــخ والذاكــرة عازمة على استرجــاع ما نهـب المستعمــر الغاشـم

يؤكد منسّق اللّجنة الوطنية التاريخ والذاكرة، الدكتور محمد لحسن زغيدي، أن بيان أوّل نوفمبر يمثل محطة مفصلية في تاريخ الجزائر، لما جاء به من مبادئ وقيم ذات أبعاد إنسانية وحضارية، عمل مهندسو الثورة التحريرية على تكريسها في نصّ البيان ذاته، ثم في مسار الكفاح المسلّح الذي توّج الثورة التحريرية باستعادة السيادة الوطنية.

الشعب: تحتفل الجزائر بسبعينية الثورة التحريرية المجيدة، وكلّها وفاء لرسالة الشهداء ومبادئ الفاتح نوفمبر، ماذا تمثل هذه الذكرى بعد مرور سبع عقود كاملة عنها؟
محمد لحسن زغيدي: نستذكر اليوم أعظم ثورة عرفتها الإنسانية، ويحقّ لبلدان شمال إفريقيا والمغرب العربي أن يحتفلوا بها، فلولاها لما نال الأشقاء في تونس استقلالهم في مارس 56، كذلك الأفارقة، يحقّ لهم الاحتفال بهذا اليوم الذي يعدّ تاريخا لاستقلال القارة الإفريقية، واتخذوا من هذا اليوم يوما لشباب إفريقيا، لأنه بعد استرجاع السيادة، فتحت الأبواب أمام شمال إفريقيا تكوينا وتدريبا وتدعيما، إلى أن تحقق الانتصار التام لإفريقيا، فالدولة الفرنسية التي كانت تشعر أنها إمبراطورية عالمية في الاستعمار، ترى أن جوهرة التاج الموضوع على رأس الإمبراطورية الفرنسية هو الجزائر، فاحتلالها للجزائر يعني احتلال الكلّ وبفقدان الجزائر تسقط فرنسا وتطرد من كل المناطق.
احتفال الجزائر بالذكرى السبعينية للثورة للتحريرية المجيدة له أبعاد إنسانية عالمية، تحررية يحقّ للعالم أن يفتخر بها؛ لأنها أعطت للإنسانية والعالم قرار 15/14 سنة 1960 بعد مظاهرات ديسمبر 1960 في الدورة الخامسة عشرة للأمم المتحدة المنعقدة يوم 14ديسمبر، الذي ينصّ على حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وبهذا، فالاحتفال بنوفمبر عظيم يستحق أن يكون عالميا.
ويكتسي هذا اليوم خصوصية فريدة من نوعها، لأن الثورة جاءت من سيرورة نضالية تاريخية غير منقطعة من 1830 إلى 1954، عبر عدّة مراحل مرّت من مقاومة سياسية إلى اندلاع الثورة التحريرية، وإبان هذه المقاومات، سجّل شهداء ضحايا تهجير طرد وتشريد وإبادة قلّ نظيرها ونوعها.. حرق حصار تجويع، وكل أشكال اللاإنسانية التي عاشها الشعب الجزائري آنذاك.
ومن مميزات هذه الثورة العظيمة، أنها لم تكن تابعة لقائد، وإنما قائدها هو الشعب، لذلك كتب في حفل 5 جويلية على الجدران «البطل الوحيد للثورة هو الشعب»، باعتبارها الثورة الوحيدة في تاريخ الإنسانية التي لم يكن لها زعيم أو قائد، وقادتها وثيقة وحيدة هي» بيان أول نوفمبر».

-  تضمنت وثيقة أوّل نوفمبر إستراتيجية كفاح الشعب الجزائري للتخلص من نير استعمار مدمّر، ما مدى مساهمتها في استرجاع السيادة الوطنية؟
 نعم وثيقة أوّل نوفمبر اعتمدت خارطة طريق كقائد المسار، على أن تكون قيادة جماعية وقرارات اجتماعية؛ لهذا اعتمدت على وحدة الشعب، جعلت ثقافة وفكر وروح الأخوة تسود بين أفراد المجتمع الجزائري.. هذه الأخوة صنعت لحمة وطنية بعيدا عن الجهة، اللّون أو السياسة، حيث مكنّتهم من تكوين جدار مانع صلب يصدّ الخونة المحتلين عن كل اختراق، فالبيان وضع هذه الأسس، لأنه بدأ نداءه بـ»أيها الشعب الجزائري»، أي أنه توجّه إلى الشعب الجزائري وليس إلى الأفراد، ثم خصّص فئة من الشعب، وهم المناضلون «أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية»، يعني المناضلون بصفة خاصّة، بمعنى تحميلهم مسؤولية قيادة الثورة، حيث أنها طبقت مفهوم الديمقراطية الأصيلة.. «حكم الشعب»؛ ولهذا نصّ البيان «أيها الشعب الجزائري أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا أي الشعب بصفة عامة والمناضلين بصفة خاصة».
لقد هيكلت الوثيقة ونظمت الشعب الجزائري وحدّدت له الأهداف الداخلية والخارجية، أسباب الكفاح وإعلان الثورة.. مفهوم الثورة السلم.. أرضية السلم والدعوة إلى السلم، فكان البيان أرضية السلم والدعوة إلى عدم إراقة الدماء، وجسّد في مضمونه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعند دراسة البيان مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتوي على 30 مادة، نجد 12مادة منصوص عليها في بيان أوّل نوفمبر الذي يحمل قيما إنسانية عالية، مبادئ وأسس ثورة تحريرية فريدة من نوعها، جاءت ذكراها السبعون والجزائر في فاتحة عهدتها الثانية.
- بذل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جهدا كبيرا لتجسيد التزامه بالحفاظ على الذاكرة الوطنية، ومن أبرز ما تحقّق استرجاع الجماجم، كيف تم التعامل مع هذا الملف؟
 تتزامن الذكرى السبعون مع بداية العهدة الثانية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي يولي بالغ العناية والأهمية لملف الذاكرة، وقد توجّت مساعيه خلال عهدته الأولى باسترجاع جماجم رموز المقاومة الشعبية شهر جويلية من العام 2020، وقد ارتكزت العهدة الأولى للرئيس تبون على مبادئ أوّل نوفمبر التي تكرّس الطابع الاجتماعي للدولة، وهو مستمر على نفس النهج في عهدته الجديدة.

- في رسالته الأخيرة، بمناسبة مظاهرات 17 أكتوبر، قال الرئيس تبون إن أوساطا متطرّفة تحاول تزييف ملف الذاكرة، أو إحالته إلى رفوف النسيان، في وقت يحتاج إلى نفس جديد من الجرأة والنزاهة للتخلّص من عقدة الماضي الاستعماري، والتوجّه إلى مستقبل، لا إصغاء فيه لزُرّاع الحقد والكراهية، ممن مازالوا أسيري الفكر الاستعماري البائد»، بصفتكم مؤرخا ما رأيكم في هذا التوّجه؟
 ملف الذاكرة لا يُنسى؛ لأنه يعتبر تاريخ والتاريخ لا ينسى، خاصّة عندما يكون مثل تاريخ الجزائر يمتد إلى عشرات آلاف السنين، وما جاء في كتاب «الطاسيلي» و»ناجر»، «الاهقار»، «الأطلس الصحراوي» خير دليل على الامتداد التاريخي لهذا البلد الذي يحوي آثارا تتغنى بآلاف السنين، وتؤكد وجود حضارة أقامها الجزائريون، والبلد الذي توجد فيه جمجمة تعود إلى أكثر من مليون سنة نهبها المحتل، والآثار المقدرة بمئات آلاف القطع موجودة عنده، فكل بلدان العالم المتحضّرة، لها جزء من تاريخها مرتبط مع الجزائر.
ويتجلى ذلك أيضا في تصريحات السفراء الذين يأتون للجزائر لتقديم اعتمادات، حيث يشيرون دائما إلى علاقاتهم التاريخية مع الجزائر سواء كانت علاقة تعاون، تجارة، أخوة وغيرها، إذ هناك مراسلات وجهّها قناصلة فرنسا إلى الجزائر تعود إلى الفترة الممتدة بين سنوات 1642 و1792، تؤكد أنها دولة قائمة بحد ذاتها، قوّية وذات مكانة، وتثبت وثائق القنصلية الفرنسية منذ 1585الى 1798 أي من نهاية القرن السادس عشر إلى بداية القرن التاسع عشر هذا الطرح.
 إن الشعب الذي يتمتع بالعمق التاريخي ودولة قوّية عظيمة لا يمكن أن ينسى هذا التاريخ، كذلك المقاومات التاريخية من القرن التاسع عشر إلى القرن الـ20 والتي دامت 104 سنوات، على غرار مقاومة جيوش الاحتلال من سيدي أفرج إلى تندوف (1830/1834)، شهادة ودماء الشهداء سقت كل أرض الجزائر واستشهد فيها ملايين الجزائريين.
- تشغلون منصب منسّق اللّجنة الجزائرية التاريخ والذاكرة.. هل لكم أن تحدّثونا عن منهجية بلورتكم لتوجيهات الرئيس تبون ورسائله بخصوص الملف؟!
 مهام اللّجنة حدّدها رئيس الجمهورية، وتدخّل ضمن تعهداته في صيانة والوفاء للذاكرة واسترجاع رموز السيادة الوطنية الذي تختزنه الذاكرة، كوفاء لبناء الجمهورية الجزائرية، علما أن إنشاء اللّجنة نصّت عليه الاتفاقية المشتركة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي في أوت 2022 وأسسها في 30 نوفمبر 2022 لأجل استرجاع ما أخذه المحتل من 1830 إلى 1962، بل أبعد من ذلك، ما نهبه ويعود لما قبل 1830 يجب استرجاعه، أي كل ما له علاقة بالجزائر ويحمل إشارة الجزائر وموجود خارج أرض الجزائر، يجب أن يعود اليوم لتبنى صداقة الغد.

- كلمة أخيرة
 هذا العيد الوطني محطة لاستذكار تضحيات الشهداء من أجل تحرير البلاد من الاستعمار الغاشم وما قدّموه في سبيل ذلك، وتذكير الشعب الجزائري بضرورة الاقتداء بشباب الثورة وكذا تقدير تضحياتهم، وأشير هنا إلى ذكاء وفطنة هذا الجيل الذي يعيش اليوم في بلد آمن له سيادته ومكانته، جيل يقول كلمته ويدافع عن المظلومين، فالمطلوب منهم أن يحبوا الجزائر ويحفظوا الأمانة.